حوار تاق ق ج مع المبدع المغربي حسن برطال / عزيزة رحموني



حوار تاق ق ج مع المبدع المغربي حسن برطال



عزيزة رحموني

27/02/2013



للمبدع حسن برطال قلم يهمز ، ينفر من الغلو و ينحاز للُغةٍ حمّالةُ اوجه مسكونة بهاجس السؤال  سؤال الكتابة بمعنى الحفر في ماهيتها و كونها، يَرِدُ نصوصه متسلحا بوعيه الناقد ليحتفي بشكل ساخر بالعالم المتناقض حوله.لنتابع معه الحوار التالي حول الق ق ج :


 * (1 )  الق ق ج محاولة للقبض على لحظات شديدة التعقيد بكل ثقلها في ومضات ، تكشف شغف السارد للشكل اللغوي /للتعبير الواخز/الحكائي المختزل/اللعب السردي...هل كتاب الق ق ج يحاولون بذلك البرهنة على ان التكثيف قادر على رصد تحولات الواقع كما الرواية مثلا أم أنّ الامر لا يعدو ان يكون شكلا تعبيريا "خفيفا" بما انه لا يتطلب حيزا زمنيا للكتابة يخرج الكاتب من دائرة الحياة اليومية الرتيبة و الكلام الحشو ؟


بالنسبة لكاتب القصة القصيرة جدا  في نظري لا يكون دوما أمام حقائق علمية تستوجب منه

أدلة و براهين.. وليست لديه أسرار يخفيها عن القارئ بحجج و بيانات لأن الثرثارين هم أشد

 الناس حرصا على الأسرار  فهم يتكلمون كثيرا و لا يقولون شيئا .. فهو على الدوام أمام

( كوجيطو) إبداعي  بعمق و دلالة فلسفية تتحدى القوانين، و هنا أشير إلى ( التكثيف ) بمعنى

إخضاع النص إلى قوة ضاغطة ليتم انصهار الكلمات و سكبها في قوالب جديدة لنحث أشكال

مختلفة صورتها السابقة لتناسب ( حداثة ) الحدث ..لأنه في محاصرة النص و تضييق الخناق

على الشخصية و اختزال زمن السرد رفع من قيمة التركيز.." كلمت ضاقت المساحة ارتفع التركيز "

و من هنا يمكنني القول بأن ( التكثيف ) الناتج عن ضغط ميكانيكي يُمارس على الكلمات هو ( طاقة )

أكثر مما هو آلة من آليات الكتابة وبما أن الطاقة و المادة هما وجهان لعملة واحدة...الماء / البخار..

الكلمة / المعنى ..لا يمكن للتكثيف أن يكون ملاذا أو باحة استراحة على  جنبات مسالك القصة

القصيرة جدا لكونه قوة انفجارية يولدها احتكاك( المادة / الكلمة ) في صورة ( ميكرو سرد )

كالذرة التي هي أصل الكون ..و ( القنبلة ) الذرية التي تنسف مدينة ..لكن القصة القصيرة جدا

تبدع عالما من الكلمات ../



* ( 2 ) هل الق ق ج هي فنّ "التخابث" السردي ؟


لا يمكننا الكلام عن ( التخابث ) في حضرة ( دين ) أو بمعنى آخر ( رسالة ) إبداعية اجتمعت

حولها الأقلام و احترقت الكلمات في سبيل نصرتها..( فما اجتمعت أمة مبدعة على ضلال )..

و حتى على مستوى ( المعاملاتي ) من المفروض على القاص القصير جدا أن يحب للقارئ ما يحب لنفسه لينال ( بر ) الإبداع ..

كما أن أغلب النصوص القصيرة جدا تكون ذات محيا مبتسم و بشوش لا تخلو من الحكمة...

 و في تقنية ( الإضمار ) هناك خير متخفي و ليس ( شرا )...و ما يضر بالقارئ يتم حذفه...

و في النهايات الغير المنتظرة أبار سارة و سعيدة...

عموما في ( ما قل و دل ) خير الكلام ..إذن أين هو التخابث السردي هنا ؟؟../


* ( 3 ) هل لديها معايير مقدسة ..؟؟


فعلا ..هناك معايير ( مقدسة ) للقصة القصيرة جدا و ( الشاعر ) توابيت هذا المقدس

و القصة القصيرة جدا لا تخرج عن هذا الإطار بطقوسها التي تميزها عن باقي الأجناس

الأدبية كما هو الشأن بالنسبة لعالم ( الأديان ) ..

القصة القصيرة جدا حينما وجدت في ( السرد الدائري ) غذاءا روحيا  اعتنقته و تخلت

عن السرد ( الخطي )  ..و في بلورتها للانزياح المجازي و تحويله إلى انزياح ( واقعي )

أكدت شرعية المعتقد..و هذه أشياء يعتبرها كاتب القصة القصيرة جدا من المقدسات

لا يُسمح المساس بها../



    * ( 4 ) هل الاختزال محاولة محاكاة خاطفة للعالم أم هو رغبة في محو فضاءات هذا العالم و سخافاته ؟


داخل منظومة السرد وخاصة القصة القصيرة جدا الاختزال ليس صورة مخيالية ( مجازية )

بقدر ماهو واقع محسوس تُسند إليه مهام مثالية في بناء النص القصير جدا وشد وثاق

الكلمات و منعها من اقتراف جرائم الترامي كما هو الحال بالنسبة لكيلوغرام من ( الصوف )

كلما ضغطنا عليه نُغير شكله و حجمه لكن ( الوزن ) لا يتغير ، هذا هو الاختزال الأقرب إليَ

أما أن أقوم بمهمة ( مقص ) أشذبُ ..أ قلمُ و أقُص ففي هذا إلغاء لأعضاء حيوية مفيدة للجسد

الإبداعي..ولربما نصنع ( نسخة ) و نبتعد عن ( الصورة ) الأصل و هذه هي السخافة الحقيقية..

على الاختزال أن لا يطمس و لا يمسح و أتفق معك حينما تقولين أن الاختزال يحاكي العالم

لأنه في كلمة ( محاكاة ) إشارة إلى صورة مشابهة و مماثلة..إنها قصة ( هرم ) و ( مجسمه )

ولو اختلفت الأبعاد و المقاييس../




    * ( 5 ) هل يمكن التوغل في ذات المتلقي في بضع سطور و التأثير فيه لجعله يصوغ قصته الموازية ؟


حينما نتكلم عن التوغل في ذات الشيء نكون بصدد الحديث عن إستراتيجية

حربية لاقتحام المكان..

فدخول إخوة يوسف عليه السلام متفرقين إشارة إلى أهمية التقليل و التقليص

على مستوى الكم و الكيف...الكتلة و العدد..ومن الطبيعي أن تكون الأجسام المجهرية

تنفذ بنجاح..

عموما القصة القصيرة جدا أو القصة ( الومضة ) بنحافة جسدها وقلة عدد كلماتها

كتيبة لا تُقاوَم لحظة الاختراق كما أن الوميض كحركة في المكان بسرعة الضوء يحسم

في رحلة ( الفعل ) و ينهيها سريعا ليِؤشر على مرحلة بداية لردة ( فعل )..إنها قصة المتلقي الموازية../



   * ( 6 )  هل يمكن اعتبار الق ق ج صرخة تُكتَب كي لا تخنق صاحبها ؟


لستُ أدري كيف أشبه ( الق ق ج ) بالصرخة ..اللهم إذا ناشدنا الخلاص في القصة ( الومضة )

و ( الرصاصة ) .. و غيرها من التوصيفات التي تخفي بعض الدبدبات الصوتية و الكهربائية

ومع ذلك تضل هذه الأمور كالصراخ و الطرب إشارات و لغات تعبيرية بمثابة مفعولات بها

 لابد لها من فاعل..

لكل الأجناس الأدبية الرواية .. القصيدة .. الشعر..صرخات و الحان لكن الخلود هو إمكانية تحويل

( الصوت ) من نغمة في متناول الأذن إلى حرف يُقرأ..( طلاسم الصولفيج )..التي تختزل أضخم

السيمفونيات.. و أختم بالعودة إلى القصة القصيرة جدا فهي النموذج الأقرب لأنها الوليد بصرخته

التي تؤكد سلامته../



    * ( 7 ) يطيب لنا ان نقول ان الق ق ج رغم ضيق حيزها فمداها رحب فسيح و هي "لعوب جدا" ،مراوغة، شديدة الغواية ...بهذه " القيم" هل  

يمكن للق ق ج ان تخلق عمقا ادبيا بقيمة ابداعية تحمل التداعيات الانسانية بكل ابعادها السوسيو ثقافية ؟


البعد السوسيو ثقافي هو قبل كل شيء موروث و مخزون و ما  ( البعد الثقافي )إلا شحنة تدفع به إلى السطح ( استسطاح ) المعنى ..أما المسار فتتحكم فيه جغرافية المكان كالانحدارات و المرتفعات..

و هذه التضاريس بطبيعة الحال كلما اتسعت المساحة كلما اختلفتْ و تنوعت و هذا سيف دو حدين

بقدر ما يُخيرنا فهو يُحيرنا كتعدد الأغراض و عدم وحدة الموضوع لكن في المكان الضيق يكون الأمر

مختلفا لأن الاتجاه ( الواحد ) يضعنا أمام الخيار ( الواحد) يعني وحدة الموضوع و هكذا و نتيجة ثقافة

الحذر نجد أنفسنا أمام مساءلة الذات الإبداعية لمواجهة الوجه اللعوب المتملص و ما تدسه أيضا

كلمة ( لعوب )/ متمنع من إثارة تشدك و تزرع في الوجدان عواطف جياشة و حتى المراوغة في

حد ذاتها عملية استفزازية تنتزع ردود فعل  حتى لا يكون ( البوح ) من فراغ../



  * ( 8 )  في الق ق ج ما الذي "يتبقّى" من القصة بما انها تتماهى مع قصيدة النثر ؟

كل أشياء السرد الجميلة تبقى في القصة القصيرة جدا ، لأنها ( قصة ) قبل كل شيء..و لكنها قصة قصيرة جدا و هذا شكلها الخاص الذي يحدد هويتها لا أقل و لا أكثر ..القصة القصيرة جدا و قصيدة النثر، الأولى بناء أفقي و الثانية بناء عمودي حيث يكون الاختزال متلفا بين هذا و ذاك لكن القاسم المشترك يكون في الشعرية لكن ( الحكاية / القصة ) في القصة القصيرة جدا../


  * ( 9 )  يُصر كتاب الق ق ج ان سردهم يتوخى التوافق مع عبارة "النفري" : (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة) ...هل ضيق العبارة يحيل

بالضرورة الى صغر حجم القصة و قصر عباراتها ؟

أولا.. لابد من صغر حجم الحكاية و قلة كلماتها لنتكلم عن ( قصة قصيرة جدا ) وهذا شرط أساسي..

لأنه وصف قبل أن يكون معان تعبيرية..أما عبارة النفري ( كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة )ففي نظري كلمة ( الرؤية )  لا علاقة لها بالعين بمعنى المشاهدة و الصُور المرئية و لكنها ( نظرة ) فلسفية للكون بكل أبعاده سواء على مستوى التفكير فيه أو رسمه..ستدور في شكل دائري (حلزوني)و مع كل دورة نزداد اقترابا من المركز يعني النقطة / أصغر دائرة قطرها 0 ..بمعنى أننا مهما تكلمنا

سنصمت ../


   * ( 10 )  فن الق ق ج هل هو قفزات شعورية عبر الزمان و المكان للوصول الى قبة الحكمة او الى محراب الموعظة و العبرة عن طريق فكرة ذكية و ذكاء في تناول الفكرة ؟

عفوا أختي ..فالقصة القصيرة جدا بأفكارها و ذكائها ترفض أن تكون ( حكمة ) ..

( موعظة ) أو ( عبرة ).

ممكن ل ( الحكمة ) ..( الموعظة ) و حتى ( المثل ) بأفكار ذكية و صناعة

حكايات أن يتحولون إلى قصص قصيرة جدا..

  * ( 11 )   هل للترقيم دور ما في ال ق ق ج ؟

تقنية الترقيم في القصة القصيرة جدا أبلغ من العنوان بمعناه الشامل

الكامل..فيه وجدتْ ضالتها لأنها و لغة الحساب من رحم وحد .. العدد في كل شيء

و الكلمات محسوبة..


 * ( 12 )     الق ق ج هل تلقى الشيوع و الاهتمام النقدي الذي يليق بها ك "جُنَيْس سردي" ؟


لا أقول أن القصة القصيرة جدا تنتشر بسرعة بل قد انتشرت بسرعة و اكتسحت الوجدان

و تسللت عبر جميع المنافذ لا تصدها الأبواب فهناك ثقب المفتاح لأنها نملة و ليست

وحيد القرن أو فرس النهر..و هي شعاع يسرق و وميضه من ( البرق ) و يمشي بسرعة

بسرعة الضوء..أما بالنسبة لاهتمام النقد فهذا الموضوع لم يعد يُناقش..فلائحة النقاد تطول

و كذلك المتون النقدية ..   


* (13 )  كلمة أخيرة


و لو أنني أكره ( الكلمة الأخيرة ) ..لأنني أحب الحياة من أجل القصة القصيرة جدا

شكرا أختي المبدعة عزيزة سوزان على اهتمامك ..و سيظل هذا الجنس الجميل

مدين لك بكل هذه الأشياء الجميلة ..

اجرت الحوار : عزيزة رحموني/الرباط/المغرب.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح