إعداد النخبة للاجتهاد في واقع الأمة / موقع الحوار
إعداد النخبة للاجتهاد في واقع الأمة / موقع الحوار
موقع الحوار
بقلم: عمر هارون
كيف يمكن أن نؤهل جاهلا ليصير إماما، ولا نؤهل المتسلح بالمنهاج العلمي في علوم الدنيا ليكون خطيبا ومفتيا فينا؟، أليس الإمام اليوم هو ذلك الحافظ لكتاب الله أو جزءا منه والمطلع على بعض الأحاديث النبوية، أليس الإمام اليوم من يعرف بعض الأحكام الفقهية ويجيد عددا من قصص الأنبياء والصالحين، أليس الإمام اليوم من يقرأ كل أسبوع على المصلين خطبة الجمعة من ورقة وإذا نسيها تلعثم؟، كيف يمكن لمثل هؤلاء الخطباء – وهم كثر في أمتنا للأسف – فهم عمق مشاكل الأحياء التي يخطبون في مساجدها، حتى يفهموا مشاكل الأمة!.
أمة صار سفك الدماء فيها موضة وأداة للتقرب من الله، رغم أن الله الذي نعبده بالإسلام، حذر المسلم من إصابة دم حرام لأن ذلك سيحرمه من جنة عرضها السماوات والأرض، نعيش اليوم أزمة مرجعية دينية، ضيعت بوصلة الأمة، وشتت شملها وجعلتنا نعبد ربا واحدا لكن بأوجه فرقتنا حتى صارت دمائنا وأعراضنا وأموالنا حلالا على بعضنا البعض، حال لا ينكره إلا جاهل بأوضاع الأمة أو جاحد لحالتها المتدهورة، وإن حاولت أن تحرك الأوضاع أو تنتقدها قيل لك إنك ستصيب لحما مسموما، فما الحل إذا ونحن في مواجهة أهوال قادمة على الأمة يعلم الله وحده نهايتها.
الإسلام لم يدمره أعداؤه فقط، بل دمرناه نحن بجعله مرتبطا بمنهج التلقين، منهج مهم لحفظ مسلمات هذا الدين من عقيدة وكتاب وسنة، لكنه جعل الأمة عالقة في طرح لا يوافق عصرنا، رغم أن الإسلام دين كل زمان ومكان، تخلف عادي ومبرر ونحن نخرج من كليات الشريعة ” مشايخ ” لا يملكون آليات ولا مقومات الاجتهاد، الذي يتطلب قدرة على فهم الواقع واحتياجات أهل الزمان لتلبيتها، دون إفراط أو تفريط في مقومات الدين، فهم لا يستعمله طلبة العلوم الشرعية على حساب التلقين إلا نادرا، فكيف يوظفونه في مآسي الأمة اليوم ؟
إن القضايا المطروحة على الشرعيين اليوم أكبر من فهم ووعي شخص تربى على منهج التلقين، وأنا شخصيا لا ألومهم، فهم قبل كل شيء نتيجة لمدارس تدرس مناهج عامة شاملة، تجعلهم لا يحتكون بالعلم الشرعي فعليا إلا في سنوات الجامعة المعدودة، وهي مدة غير كافية لإنتاج مجتهدين قادرين على فهم وحمل رسالة الإسلام السمحاء، ليصدموا بواقع يورطهم في قضايا مصيرية، في زمن كثرت فيه المتغيرات وتشعبت فيه المصالح وتغيرت فيه الأولويات، وهو أمر يوجب على الإمام أن يكون متبحرا في العلوم الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية وغيرها ليفهم واقع الأمور ويصدر بها رأيا شرعيا وفق كل ما سبق من الأمور.
وعلى نقيض هذا، فإن واقعنا المر خلق لنا فئة يعتقدون أنهم وكلاء الله في الأرض، مخالفتهم مخالفة لأوامر ونواهي رب العالمين، ومعارضة آرائهم تعني الوقوف في وجه إرادة الله، قوم منا جعلونا نفكر كيف يمكن أن نتعايش معهم، بعد أن كان هذا مطروحا فقط مع غير المسلمين، فأصبح العيش مع غير المسلم أسهل من العيش معهم، لأنك تتعامل معه بفطرتك الإنسانية الموافقة للإسلام، عكس حاملي صكوك الغفران الجدد، الذين يعاملون الناس بمنطق من ليس معنا ففي النار خالد لا محالة، نعم استعاروا الحاكمية من الله ليكونوا أربابا في الأرض، ويحولوا المسلمين إلى عبيد يقتلونهم إن خالفوهم، فنفروا الناس من دين الله ورحمته، بعد أن صار التوعد بجهنم لب خطابهم .
فئة تظن أنها المسؤولة عن حماية دين الله ونسيت أن الله تعهد بحفظ دينه، فئة تظن أن الإسلام بحاجتها ونسيت أننا في حاجة الإسلام، لهذا وجب أن نسأل، ما الذي يتوجب علينا فعله اليوم ؟ ما الذي ينقصنا في هذا الزمان ؟ إمام يحلل ويحرم يأمر وينهى؟ أم مفكر يتفلسف بروح وطرح نخبوي علمي؟.
الواضح والجلي في نظري أن الخطاب الديني الصرف، لم يعد قادرا على الوصول إلى المسلمين والسبب هو التشويه الممنهج الممارس في حق حامليه من جهة، وضعف الطرح المقدم للمسلمين من الأئمة والدعاة من جهة أخرى، وهو ما نفر المسلمين من سماع خطب الأئمة وأفكارهم، في المقابل هذا لا يعني أننا بحاجة إلى مفكرين ينسلخون عن إسلامهم وأصالتهم، ليكونوا سفراء للتمدن والتحضر بأسلوب علماني قد يُسمع، لكنه لم ولن يتوافق مع فطرة وسليقة المسلم، الذي أثبت التاريخ أنه لا يتأثر إلا بطرح ديني إسلامي سليم، رغم محاولات الغرب لإستعمار عالم أفكاره، منذ الحملات الصليبية إلى اليوم، فما الذي نحن بحاجة إليه إذا ؟
تصوروا معي لو تطوع من معاهد التكنولوجيا، والعلوم والاقتصاد والعلوم السياسية والطب والهندسة وباقي العلوم ثلة من الشباب هذه الأمة، ليغوصوا في العلوم الشرعية، شباب تفوق في العلوم الدنيوية فحصلوا الماجستير والدكتوراه، شباب نفرغهم ليتفقهوا في الدين، وندعمهم حتى نجعلهم باحثين شرعيين، فننتج أئمة قادرين على حمل لواء الإفتاء والاجتهاد لجمعهم بين الكتاب المسطور والكتاب المنظور، فئة ستكون قادرة على التعامل مع التطورات التكنولوجية والحداثية العميقة، فئة ستتكيف مع المعارك الإعلامية والهجمات التشويهية والحروب الفكرية التي تهدف لتدمير الاسلام ووئد الأمة .
طرح أصبح واقعيا في الغرب، بعد أن أسلم رجال ونساء من نحل متعددة، وجنسيات مختلفة، ومشارب متباعدة، لم يكن لهم علاقة بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، ولم يولدوا مسلمين بالفطرة، لكنهم كانوا متسلحين بالمنهج الأكاديمي والروح العلمية، التي قادتهم بكل سلاسة ويسر إلى التأكد من أن الإسلام دين الحق، وأن محمد عليه الصلاة والسلام رسول الهدى، وهو ما يؤكد أن الإسلام يكبر ويزدهر في بيئة علمية ويموت ويندثر في غيرها، فأكثر الناس خشية لله هم العلماء – فاطر 28 -، وكلما إبتعد أهل العلم عن حمل لواء الاسلام، حل محلهم من يصلحون للتذكير دون الاجتهاد في مصالح المسلمين.
تعيش الأمة اليوم حالة من اليأس والإحباط كنتيجة حتمية للتوقف عن الأخذ بالأسباب، حالة حولتنا إلى أمة لوامة تلصق هوانها، انحطاطها وتراجعها بالغرب، بالتراث الاسلامي، نظريات المؤامرة وأمور أخرى عديدة، ليس من بينها لوم أنفسنا لتوقفنا عن الأخذ بالأسباب، تصورنا أن تولينا عن نصرة الدين بالعمل والاجتهاد سيجعل الاسلام مخذولا، ونسينا أن الله ينصر دينه بمن شاء، وقتما شاء، كيفما شاء، وإن بقي حالنا على ما نحن عليه، سنتحول قريبا إلى إستيراد الفتاوى من علماء ظهروا وسيظهرون في بلاد نسميها اليوم بأرض الكفار، لتتحول إلى أرض الإسلام والمسلمين، قريبا بإذن الله، فلا الله ولا دينه بحاجتنا بل نحن في حاجتهم، فهلا تحركنا قبل أن نكون من الخاسرين.
Omarharoun88@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق