باسكال نوتان " نحات الزنك و الحب
منحوتاته تزين اغلب واجهات محلات مدينته الفرنسية "اورلويون" ، تهمس في اذن الزائرين والسائحين وعشاق الرومانسية الباحثين عنها في مدينة الحب والعشق والنور والفن تغريهم بألوانها المشعة وأشكالها الجذابة المعاصرة تقف منتصبة بمظلاتها الحمراء والصفراء والزرقاء، تبادلنا النظرات همس وكثير من الكلام المباح في لحظة من الصمت الاثيري والانبهار ، وسرعان ما سألت احدهم لمن هذه الاعمال النحتية فأجابتني انها للنحات الفرنسي "باسكال نوتان Pascal Nottin " دون ان تنسى كلمة "مرسي" شكرا.
"باسكال نوتان" واحد من الفنانين الفرنسيين المعاصرين الذي الهمهم الصلب وفتن مخيلتهن ورفدها بكثير من صور الجمال الذي يستمده من ذاته المتحررة ومن خصائص طبيعته الساحرة ومن مشاهد العشق الممنوعة والمتمردة والمتواترة امام عينية في كل حين ، تمرد على التقاليد والتابوهات وأيضا تمرد على المادة الصماء التي يخترق صمتها بكثير من الصمت والتحمل و الانتظار ، ليصل اخيرا الى جوفها جوف المادة فيفرغها من حمولتها الزائدة لتستحيل رقائق يعيد توظيفها من جديد في تشكيلات ملهمة ينبعث من داخلها السحر والشغف والأمل ثم يعرضها امام المارة لتشحنهم ايضا بمثل هذه المعاني فتغمز لهم في مودة وتغمرهم بالغبطة والسرور وتحاول استدراجهم الى عالملها الفنطازي بماهو عالم الحلم والسريال عالم الحب والرومانسية.
رومانسية في التشكيل ورومانسية في العرض ورومانسية في التحدث وفي تبادل النظرات ، وفي تبادل القبلات المتناثرة مثل رائحة العطور الباريسية في كل مكان وأصوات الكمنجة المنبعثة ايضا من ذالك الركن المنزوي ومن ذلك الصندوق السحري الذي يحركه ذالك العجوز الشاب المبتسم دوما للمارة "بائع السعادة والفرح" ، وتلك الورود والأزهار التي تحيى بدون غصون تحييها نظرات العشاق وهمساتهم وقهقهاتن المتعالية المتصاعدة كدخان السجائر من افواههن. يخنقك برائحته الكريستالية لكنه يحرك في جسدك الكثير من الرغبة والشغف في ان تحيى حياة مماثلة حياة بسيطة يحركها الحب والرقي.
حملت مظلتي كعادتي في ذلك المساء الممطر ورحت اجوب الطرقات المبتلة وانعم بزخات المطر المتساقط ابحث عن ورشة الفنان "باسكال نوتان" وصلت فوجدته بصدد مغازلة معشوقته الجديدة يقص الزنك ويذوبه ليرسم اطراف جسدا جديدا يحركه ويشحنه ايحائيا بألوان الحس والرغبة ويهيئه ليخوض دروب مغامرة جديدة تضاف لرصيد حكاياته الفنية الممتعة. التي اغرق بها كل المدينة لتكمل مشهد الحواس المتراقصة على انغام سمفونية الحياة وأجراس الكنائس المعلقة.
تسامرنا قليلا وتبادلنا اطراف الحديث عن الفن والنحت في باريس وآفاقه في موطني البعيد وصعوباته وارتكاساته وانتكاساته بين الفينة والاخرى. وطموحات فنانيه ومبدعيه الذين اجتازوا البحار والمحيطات محملين بطموحاتهم وأحلامهم المؤجلة التي لم تتحقق بعد...يمضون بها بعيدا يحاولون ويحاولون ...وبين الفن عندهم والفن عندنا مسافات ضوئية يصعب عدها ، وما علينا الا ان نحاول وان نجرب وان نتأقلم مع بيئات وثقافات جديدة ، ان نتأثر وان نؤثر وان نكون مثالا رائعا عن عروبتنا الصادقة التي انهكتها الصراعات والمؤامرات علنا نغير قليلا ما في نفوسهم حولنا...
بقلم مراد الزارعي باحث وناقد فني من تونس
تعليقات
إرسال تعليق