غادرت العمّة مسعودة مدينتها../ سعدي صباح
غادرت العمّة مسعودة مدينتها../ سعدي صباح
لقد غادرت العمّة مسعودة مدينتها الصّاخبة " عين وسارة " تشدّ رحالها صوب العلى .. في صمت ، تاركة شوارع وأزقة ..تعرفها وتسمعها حين تقمقم وحين تتمتم وحين تهذي بومضات متقطّعة لا تفقهها إلا الملائكة ..ويمكن أنّها تريد أن تقول شيئا أو تشتكي أو تبوح من وراء تعابيرها وهذيانها ، كتب لها السّفر يماشيها عطر المدينة ككل شجرة طاعنة تهوى أو زهرة غريبة تذوى ..رحلت والكل يعرفها ولا يعرفها في آن ..سافرت سفرية سرمدية ومعها قصتها التي يمكن أن تتحول إلى أسطورة أو رواية ، اللحظة ولما عثرت على نعيها وصورتها .لا حت أمامي كل المقاهي القديمة وكل الهوس الذي تحمله عمة كل أبناء مدينتي وخالتهم وحارستهم من كل أذى ، الآن انتوى خيال الشاعر أن يرسمها بداخلي ، بوجهها الغضوب ..بمشيتها الملتوية وبإحجامها عن بعض من يريد أن يتكرّم عليها ببعض الدّنانير وبعينيها اللتين تحملان بداية حكاية غريبة ..لا تسمع ولا تطبع ، رسمت الآن ملامحها بدءا من وجهها الذي لاحت أثلامه جلية كأأثلام الشبوكي في آخر أيامه إني أشاهد من الدّاخل تجاعيد وجهها وأخاديده ومنديلها الذي يغطي خصلات طاعنة خضبت بالحناء خلخالها وبعض أصاورها ..التي لا هي من التبر ولا من لجين ..!عباءتها المهلهلة وزمالتها ..أناملها وخاتم النّحاس ..الذي يفصح عن بساطتها حين كانت .. وشالها الذي يذكرك بزمن الأبيض والأسود ..وأيام الكاليش تذكرت من ملامحها ليل المدينة قبل أن تعمّها الكهرباء ..تذكرت الشّمعة ولبة الجاز والكربيل ، تذكرت من ملامحها الهاربة كل الأحياء العتيقة وزهادا مرّوا من هنا ..أحمد ربحي وأخيه وصالحين ودراويش وأبرياء ومخبولين ومسكونين حسناتهم وذنوبهم سيّان ..وليس لهم خطايا أصلا وكانو ا ا يحرسون المدينة هكذا أتصور إيمانا منّي بأن المدينة لا تحرسها مجالس جاءت على رأسها ربمّا لمصالحها الخاصة أو من أجل الجاه والنّفوذ أو بعض البريق الزّائف الذي يدفع ثمنه عند الله غاليا ...النّار الحمراء ..فقط مثل هذه المسافرة من تحب المدينة وتحرسها مثلما كان يحرسها رزيق بالخير وأمثاله ، هاهي أنهت مهمة الحراسة وأنتهى خطابها الذي لا يفهمه إلا المجانين وأنتهت آخر أغنية وحكاية تردّدها على مسامع حيارى مدينتها كل يوم ..! وتلتحق على جناح السّرعة بالرّفيق الأعلى ، رحمها الله ورحم كل من إلتحقو ا من قبل بديارهم الأبدية ..الحقيقية ..الدّائمة ....إنّا لله وإنا إليه راجعون ....
تعليقات
إرسال تعليق