الموعظة.. هذا النص التراثي العجيب الذي أهمله المثقفون.. / كتبه حبيب مونسي..
الموعظة.. هذا النص التراثي العجيب الذي أهمله المثقفون..
كتبه حبيب مونسي..
===
كم قلبت من كتب ما يسمى اليوم "بناء الذات البشرية" وكم استمعت إلى أولئك المحاضرين الذي يجتهدون في سبيل جلب الجمهور إلى بضاعتهم وهم يقدمون تجاربهم الخاصة ويوشحونها بأمثلة وأقاويل لمشاهير الناس في حقول مختلفة.. نعم كم كان ذلك النشاط محفزا لاستخراج قدرات النفس وبعث طاقاتها لتنتقل إلى العمل والتعمير.. وهنا وقفت أمام مسألتين: السن والعمر.. فالسن هو المقياس الزمني لما عاشه الإنسان من السنوات، ولكن العمر هو ما عمره من هذه السنوات بالأفعال والمنجزات.. فقد يكون سن الواحد منا خمسون سنة ولكن عمره خراب لم ينجز فيه شيئا ذا بال أو قيمة، وقد يكون العكس فيكون صاحب الثلاثين قد عمر زمنه بمنجزات تخلد أثره في الحياة والتاريخ. ومن ثم وأنا أقرأ مواعظ "الحسن البصري" رضي الله عنه، في قوله :"يا ابن آدم نهارك ضيفك، فأحسن إليه،فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أنت أسأت إليه ارتحل بذمك" ألفيت بُعد التجربة وعمق النظرة، وفقه الحياة، وتغلغل مادتها في العرف الإسلامي في شرق الأرض وغربها. يومٌ يُقبل عليك إقبال الضيف فتستقبله على مشارف البيت تبكيرا وتودعه إلى غاية الطريق تشييعا، وقد اجهدت النفس في إكرامه وبذل أحسن ما تملك لإرضائه، وكنت طلق الوجه، منبسط السريرة، عذب الحديث، لين الجانب، كريما ودودا.. ثم تعود إلى بيتك وقد عمّرت يومك بفعل جليل، ونلت حمدا كثيرا.. أما الأخرى فلا أحدثك عنها.. ثم استمعت إليه يقول: "يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك" ولم أجد في تعريفات الفلاسفة من عرف الإنسان بهذا التعريف.. وها هو كلام الموعظة يعيد تعريف الإنسان زمنيا ليعطي للعمر قيمته الحقيقية في فهم الناس. ذلك اليوم.. ذلك الضيف.. الذي إذا غادر أخذ منا بعضا وأعقب لنا إما حمدا أو ذما...
فهل سنعود لتراثنا من جديد لنقرأ فيه أبجديات بناء الذات والمستقبل، حتى نحرر لأنفسنا صورة الإنسان المستقبلي.. أم نترك هذه الدرر لنسجن في كتب الوعظ على رفوف المكتبات المغبرّة؟
تعليقات
إرسال تعليق