محاضرة : رهان الفنان التشكيلي المغاربي والفنون الإسلامية المعاصرة. / بوكرش محمد




محاضرة : رهان الفنان التشكيلي المغاربي والفنون الإسلامية المعاصرة. 

 
  
بالمختصر المفيد ، الفنون الإسلامية فن قائم بذاته يعتمد بالدرجة الأولى على التجويد والتجريد كقاعدة أساسية للرقي به الى أبعد الحدود الممكنة وكان ذلك بالملموس والفعل بداية باختراع الأرقام المغاربية الغبارية تشكيليا وبفنون الخط وتجويده ( الكتابة ) وهي المدرسة الفنية الوحيد ة التي لن تتأثر بباقي الفنون رغم تنوع الأعراق ثم العمارة والتصميم وتليها فنون البستنة التابعة والمكملة لها، كان ذلك وما زال من البلدان التي وصلتها الحضارة الإسلامية وانطلقت بالتحديد من العراق و الأندلس.. هذا الفن المعماري الذي  عرف بالانسيابية في قبابه وأقواسه المنتهية بالمقرنصات المقعرة متناهية الدقة مثله مثل ما عرفت به الخطوط العربية في معظمها، طورته المرحومة العراقية المصممة العملاقة العالمية زهاء حديد التي أذهلت العالم كله بمنشآت خرافية في عدة بلدان يشهد لعظمتها كل المبدعين بالتقدير والعرفان دون استثناء..
يأتي بعد ذلك فن الزربية الذي أخذ بعدا خياليا في ايران وبلدان أخرى مجاورة لها كذلك الخزف وما يكمله من زخارف نباتية وأخرى مختزلة هندسية الى أن نصل الى المنمنمات والرسم التصغيري متناهي الدقة الذي برع فيه الفنان محمد راسم بإضافته استعمال المنظور في رسمه وتبعه لاحقا الفنان صحراوي بوبكر والفنان بوكروي وبن تونس وأحمد خليلي وأسماء أخرى من الجزائر..
تطور الفن الإسلامي الى فن تشكيلي فلسفي جمالي وتعبيري بعد أن كان فنا محدود الخدمات وظيفي بالتكرار والتوحيد تطبيقيا .التحق الفن الإسلامي بالفنون المعاصرة محافظا على خطه وتوجهه برؤى مختلفة فكته من الركود وتكرار نفسه ، برع في ذلك الفنان المرحوم محمد خدة وهو أول من كان لعمله التشكيلي مرجعية إسلامية اعتمد فيها على محاورة هندسة الخط العربي والهندسة المعمارية الإسلامية بأشكال وألوان مختلفة متغنيا بروعتها وتفردها مثل ما قام بذلك كثير من الفنانين التشكيليين الجزائريين ذوي البعد الافريقي من باقي فناني العرب والفنانين المسلمين ،أمثال إبراهيم مردوخ، سطنبولي أحمد ،قريشي رشيد، الطاهر ومان،اليزيد خلوفي، خالد سبع ، بوكرش زهير، لزهر رحال ، محمد الأمين مداني ، محمد الأمين غانمي، زبيلة مفتاح،  الطيب العيدي، بوخلدة حمزة ،عزيز عياشين وحشايشي محمد وآخرون التحقوا بالركب أخيرا مثل الطيب بن زاوي وخنفايس الجمعي. من الفن الإسلامي ما تجاوز الحدود وعبر القارات مبكرا وبات خالدا ومكسبا عالميا وهو اختراع وتشكيل الأرقام المغاربية الإسلامية الغبارية وتعتبر بداية ما يسمى عالميا بفن مختصر المختصر.. الذي أصبح مصدر الهام فناني مغربنا الكبير وكثير من فناني العالم.
نذكر من فناني تونس على سبيل المثال الفنان التكعيبي الكبير عميد الفنون المغاربية "نجا المهداوي" الذي تجاوزت شهرته العالم العربي والإسلامي والفنان عمر الجمني الذي زار الجزائر مرارا وكذلك من المغرب الشقيقة محمد بستان، وأمثالهم الكثير في مغربنا الالكبير..
على الفن الإسلامي  أن يفك نفسه من قيود الفنون التطبيقية والمنمنمات المسطحة على اختلاف المواضيع التي تناولتها، هذه التي أصبحت حرفة ولها روادها ومحترفيها.. وأن يتخلص المنمنم من واقعيته المستهلكة ويغامر لتبني الفن المعاصر التجريدي الفلسفي الاستفزازي.. أو النصف تجريدي التعبيري على الأقل، لتضمن لها مستقبلا مغايرا لما عرفت به.
وفي الختام أقدم لكم نموذجين فنيين إسلاميين في الفن المعاصر كمثال، يرقى صاحباه بالذوق العام ذو العمق والدلالة  وهو فنان "البيكتوقراف" ومخترعه من مصر "محمد طوسون" وفنان التكعيب الإسلامي "نجا المهداوي" من تونس.
الفنان "محمد طوسون" الذي صال وجال مثله مثل الفنان التونسي "نجا المهداوي"  بين التكعيب والسوريالية بين كل ما هو لسفادوردالي العجيب وكل ما هو لبابلو بيكاسو الغريب، غرفا منهما ما يكفيهما ..غرفا من ينبوعين افقيين غطت شهرتهما بالتشكيل التقني العالم برمته، وانتصبا مختلفان تماما بتسعين درجة ليكون كليهما من خوارق فن التشكيل العالمي الاسلامي في زمننا هذا ، خوارق التشكيل التقني الصوفي وبالأحرى تشكيل ما أسمح لنفسي بتسميته فن الغذاء الروحي...
نجا المهداوي  ومحمد طوسون  مدرستان، ما بعد المنمنمات، ما بعد الزخرفة وتجويد الحرف العربي، مدرستان تزامنت والتطور العلمي والتكنولوجي وفنون المعمار...تزامن الفنانان والقدرات الرهيبة التي عرفت بها الفنانة المعمارية العراقية "سها حديد" المتفردة في العالم كله.
الفنان الجامع محمد طوسون مكسب اسلامي عربي ومحطة تقصدها العيون الشرهة الراغبة في شيء يهضم بسهولة متناهية ، رغم دسومة ما تميز به...
بشيئية ودلالة مرئية ومحسوسة ، تحسن ريشة الفنان تصميم رقصات بالي من نوع خاص ، من نوع تفرد به وحده أي فن "البيكتوقراف"، أما ما يخص العمل كفضاء ، كركح ، وبالأحرى كمنصة تنطلق منها أجمل التأويلات ، ينطلق منها كل اعجاب، ولأكون منصفا أقول : منصته منصة انطلاق تصنع الانبهار.. أي تصنع الحدث ..

الفنان محمد طوسون الذي راوده الاحساس بالصغر حد التلاشي في عجنه وخلطة ما رآه بحس وجودي لما هو بالفعل أكبر ويبقى الأكبر،  أمام الاعجاز القرآني جملة وتفصيلا، أمام الأحاديث النبوية الشريفة وتكرار اسم الجلالة ...
تغنى الفنان ويتغنى بكل هذا، كل ما راودته فكرة تلاوة بعض من آيات الكون المكتوبة والمجسدة ماديا، انطلاقا منه هو كعينة.
كان لنا شرف التقرب منها من خلال التقرب من عمله الترجمة
الحقيقية لما انا بصدد قوله بما لا أحسنه امام واقع جمالي مفحم.
محمد طوسون مرجع وموسوعة عالمية بما تحقق بفعل يديه تقنيا وحسيا ، في ميدان التشكيل وفي علم المجازيات التشكيلية ان صح هذا التعبير.
محمد طوسون كتاب مفتوح عدد صفحاته من عدد ايام حياته وعدد أعماله ( أطال الله في عمره بالصحة والعافية) ليكون ذخرا للأجيال اللاحقة وجزء كبيرا من ذاكرتنا التشكيلية التي عمرها من عمر الحرف العربي قديما، ومن عمر اختراع الأرقام المغاربية الغبارية الاسلامية في عصرنا الحديث.
بوكرش محمد الجزائر 23/05/2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح