عبد القادر رابحي: شعرية التحولات فريدة بوقنة..الانزواء في ركن الشعر الخفيّ..

عبد القادر رابحي: شعرية التحولات


فريدة بوقنة..الانزواء في ركن الشعر الخفيّ..


أتصور ـ بناء على ما أقرأ من قصائد و مقطوعات مركزة قصيرة للشاعرة فريدة بوقنة، أن ثمة توقفا مفاجئا للقصيدة كنت دائما أتمنى أن يتواصل لأن هذه المقاطع القصيرة كانت تحمل ما تخبر عنه من إمكانية مواصلة الشاعرة لنفسها الشعري الحامل للكثير من الامكانات التعبيرية التي لم تظهرلسبب ما، أو التي تتوقف فجأة، أو التي لا تريد أن تواجه بجرأة مخاطر القصيدة و هي تغري الشاعرة لاستدراجها إلى مفازات بعيدة لا تريد أن تقتحمها.
في هذا النص ما يخبر عن إمكانيات الشاعرة الكبيرة في مواصلة لعبة التجاذب مع القصيدة لتنتصر عليها بقطف ثمرتها كاملة أو تكاد. و فيه كذلك ما يخبر عن اكتناز شعري كبير يكاد يتفجر بما يحوي من اقتراحات تحاذي الممكن الشعري و تتوغل في أفيائه الواسعة و في رغباته المكبوتة .
النص ها هنا حقيقة شعرية تدل على ما لا تريد صاحبته أن تجاهر به لأنها لا تريد ربما أن تطلق العنان لهذه الامكانية الكبيرة في كتابة نص كامل من حيث النفَس و من حيث البناء و من حيث المقترح الدلالي و التحقّق اللغوي، أي كتابة نص لا توقفه رغبة الاختصار أو إغراء الومضة أو نغمية الايقاع..
ثمة إمكانية كبيرة في تعبير الشاعرة عن القصائد الطويلة النائمة في خدر لغتها و التي لا تريد غير إصغاء الشاعرة إليها لتنقطف عناقيد سائغة تسر القارئ فلا تتركه على صوم شعري و هو قاب قوسين من مائدة الشعر الجميلة.
لا تتوقف رغبة الشاعرة في التأكيد على هذه الامكانية من خلال ما تعرضه على القارئ من ثمرة أولية تتركه دائما على جوع و هو يحاول أن يفكك مُغلقات النص/ المقطع/ الذرة المليئة بالاقتراحات و بالمواقف و بالتوجعات.
ربما كانت الشاعرة فريدة بوقنة من أكثر الشعراء الجزائريين كضما لغيض ما يسكن في مواجع الذات و في مكامن القصيدة من نبوءات لا تريد أن تتحقّق حتى ليكاد الشعر يندفق بغير إرادة منها و لا رغبة، ليقترح على القارئ ما هو مخبوء في ما لم تقله الشاعرة تاركا ما قالته لمن يكتفي برؤية الثمرة فيحسب أنها هي الشجرة.
قد تهز ريح خفيفة شجرة الشاعرة فريدة بوقنة فتسّاقط ثمار القصائد النائمة في ركح الذات حيث مسرحية الوجود و العدم يتقاذفها (غودو) واحد لا يتنظر من المشاهد/ القارئ غير أن يشاهد بلمح البصر ما تخفيه الشاعرة من قتامة السؤال الوجودي و كأنها حُمّلت لوحدها أوزار الشعر الماضية و الآتية . و كأنها لم تستطع أن تفتح باب الرؤيا على واقع الشعر فتسارع إلى وجهة الايحاء بما قلّ و لم يدل، أو بما دلّ بما يقل، و كأنها شجرة وحيدة يتيمة في صحراء الكون تسقي اخضرارها الدائم في معين الصمت و من رمل البوح التي تذروه الريح عبر حروف تكون متحدية تارة، و يائسة تارة أخرى، و فرحة كالطفل بما فازت به من أسرار لم ينتبه إليها القارئ النموذجي تارة ثالثة .
في ما تكتبه الشاعرة فريدة بوقنة ما يدعو إلى التأمل و ما يدفع على التساؤل: من أين لهذه الشاعرة كل هذه الطاقة التي تمكنها من تصفيف شعر القمر المجعد في كل نص تكتبه و كأنه لزام عليها أن يظهر القمر أنيقا في كل ليلة ليضيء حروفَ العتمة الساكنة في قصائدها ؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح