عبد الكريم قادري يحاور الفنان التشكيلي الكبير محمد بوكرش


بوكرش محمد رسم الفنان سفيان داي

عبد الكريم قادري يحاور الفنان التشكيلي الكبير محمد بوكرش


وهب الفنان التشكيلي الكبير محمد بوكرش نفسه من أجل تجسيد الأعمال الفنية المميزة، البعيدة عن كل تقليد، فكان الخلاّق المبدع، الذي لا يشق له لون في فنه، بعد أن صنع لنفسه اسما بارزا في سماء الفن التشكيلي العربي، وفي هذه المؤانسة الفنية التي جمعتنا به، تحدث عن ولَعهِ الكبير بالنحت، وعن رأيه الصريح فيما يتعلق بالفن في العالم العربي، فكان لسان حال الكثير من الفنانين، كما تحدث عن صلته بالحروف العربية التي أبدع فيها من خلال اللوحات النحاسية، والصلة الروحية التي تجمعه بمنحوتاته التي تحصل من خلالها على العديد من الجوائز العالمية، اعترافا منهم بمجهوداته المميزة، التي نال من خلالها العشرات من الميداليات والتكريمات داخل وخارج الوطن، كما تحدث الفنان عن بحثه المهم الذي أبان فيه عن الكثير من الأسرار عن الأرقام العربية الهندية التي تشير في مجملها إلى المجوسية وعبدة النار والقمر، ودعا إلى استعمال الأرقام المغاربية الأمازيغية الغُبارية كبديل عن هذه البضاعة الآسيوية، في هذا الحوار يشاكس بوكرش الواقع العربي وكيفية تعامله مع الفن والفنانين، ويسرد لنا سلالته التي تصل إلى بيت الرسول "ص" بعد أن اتهمناه بالمزايدة عن كل ما هو عربي.

كان ولا يزال النحت في العالم يحمل أهمية كبرى، يخلد الذكرى ويوثق للذين مروا من هنا وهناك، مِنَ الذين حلّقت أنفاسهم في فضاء هذه الأرض، ونحن في العالم العربي كلما ذكرنا هذا اللون الفني إلا اقترن بالفنان محمد بوكرش، ماذا يعني لك النحت؟ وكيف استطعت أن تحفر أسمك على صخر صوان في مجتمع لا يزال ينظر إلى هكذا فن بأنه زندقة وفجور؟.

ـ النحت عندي بكل بساطة عرض إحالات بتوجيهات نحوية تتعدد بذكاء وفكر منجزالمنحوتات المعروضة، تفرض نفسها على الفنان، فيفتح أقواسا يطرح من خلالها مع المتلقي عددا هائلا من الأسئلة، يجد كل منا فيها نفسه كمرآة تعكس ضعفنا، نقائصنا وجهلنا أمام القليل من الدراية والمعرفة التي ندّعيها.

بالتأكيد أن قطعة النحت إن لم تجمع بيني وبينك بمعرض ما، للاتصال والتواصل المعرفي، تجمع على الأقل الفنان بنفسه، بواقعه النفسي الفني وبواقعه الاجتماعي، من هنا بدأت تجربتي، تجربة معرضي الأول سنة 1982 ثلاثة سنوات بعد التخرج سنة 1979 التي دفعت بي لإعادة النظر الجذري في تكويني الموازي لتكويني التشكيلي، وأعني بذلك تكويني المعرفي في فنون الاتصال والتواصل التي تجمعني بالمتلقي، بالمستوى والعوامل المشتركة بيننا، والتي يحسنها، وتساعدني للأخذ بيده ويدي، لنذهب سويا إلى مرامي القراءات التي قد توحي بها المنحوتة، بمجرد ما تم العرض الأول دخلت البيت منهكا بكثير من أسئلة المتلقين وأسئلتي الشخصية، بكثير من نقائصي وعيوبي المعرفية خارج الإطار الأكاديمي التشكيلي، كأن لا أحسن مثلا لغة تواصل الأدباء يبعضهم البعض وبنا، وهي لغة الحديث عن أفكاري وفلسفتي بالمستوى والأسلوب الراقي للمتلقي مهما كان مستواه، رجعتي للميدان المرة الموالية كانت مشرفة جدا، زادت من قيمة ما أقدمه تشكيليا، من حب الناس لي، على اختلاف تخصصاتهم، من البسطاء إلى كبار الشخصيات الفنية والأدبية، هذا هو سر تعلق الناس بي، لأكون اسما خارج دائرة أسماء الموصوفين بالزندقة والفجور، ومن النحاتين العرب اعتز بمعرفة أعمال الفنان النحات الكبير الكويتي الأستاذ محمد سامي الفنان الذي كرس حياته خدمة للمضطهدين مهضومي الحقوق، أطال الله في عمره بموفور الصحة والعافية.

ما هي الطريقة التي استعملها أو يستعملها النحّات والفنان الكويتي محمد سامي حتى يلفت انتباهك وتشهد له بالتفوق؟.

ـ سامي محمد الفنان النحّات، اسم على مسمّى، واختيار مقصود ومدروس، تم بعناية من المرحومين والديه، وهو دليل قاطع على مرجعيتهما، ودرجة اهتمامهما به، بإطلاق هذا الإسم عليه أولا ، وتاليا بالتربية، ولا يمكنه بأي طريقة أن يكون غير الذي أرادوا.

وأن تسأل فرضا كيف ذلك؟ أقول كانت للعرب سابقا مكارم الأخلاق، شهد بها الرسول "ص"، والذي قال "بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق.."

هذا من بين ما لُقنه للعالم برمته إبان الفتوحات الإسلامية، ومن بينهم من هم بموقع مهد الرسالة، وهم من المقربين الأولى بالمعروف..والدليل على ذلك في الاعتراف الضمني الذي اختير اسما للفنان .. السامي مَنْ؟، الجواب: محمد..

سامي محمد فنان رسام، ويحسن عزف الموسيقى على آلة العود، ونحّات لا يشق له غبار بالأسلوب الذي اعتمده، كلسان حاله وحال الإنسان، وهو الأسلوب التشكيلي النحتي الواقعي التعبيري، الذي يفهمه العام والخاص، عملا بالحكمة والحديث"خاطبوا الناس بما تفهم.."

وبالتالي عمل الفنان سامي بالمقولة والسؤال "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟"، كرّس الفنان حياته كلها يعدد مساوئ الأخلاق وطرق استعباد الناس المتفشية عالميا وعربيا.

ـ هذا الفن قديم، وله جذور في كل نقطة من الفضاء الإنساني، هناك من ينظر له على أنه فن، وهناك من ينظر له على أنه طريقة للأرشفة والتوثيق، بمعنى أن لكل مجتمع وفنان نظرة معينة، مثلا هل يمكن أن نطلق على من نحت تماثيل العرب في الجاهلية وقبلها مثل تماثيل مناة، واللات، والعز، وغيرهم على أنهم فنانون؟

ـ إذا فيه زمن ذو معنى، مقنع ومجدي، يقبض عليه ويستحق أن يكون حديث العام والخاص بفخر، لا يمكننا أن نضبطه ونلمسه بغير الأشياء التي تنجز وتتجسد فيه، من بين ما جُسد كما ذكرتم ما سمي بالفن القديم والحديث، كلّه على بعضه البعض ناطق بنفسه، معبر عن حاله وأهله، وعن الزمان والزمن، يفرض نفسه بنفسه على المختصين وغير هم، وان كان لهم بديل فليفعلوا، الأعمال التشكيلية عالميا، "نحتا أو رسما أو موسيقى…" فهي لسان حال المجتمعات، وكل الحضارات، وليس لنا بغيرها ما يثبت وجود وعبقرية من سبقنا، الإرث المرجعي الذي أسس العبقرية المعاصرة بالتراكم، بالاكتشاف والتطوير والاستثمار المفيد .

أما ما يخص تماثيل العرب، ومن بينها تماثيل تؤكل ..صنعت بعجين التمر فإنتهت، فذهبت بهم إلى مستواهم الحقيقي، لا هم بالله الواحد، ولا بآلهتهم، عالمهم عالم لهو وترف، لو لم يكن الشعر حفظ لهم ماء الوجه قديما، أو الثروات البترولية الحديثة، فلا ذكر لهم، يشار لهم بأرقام في البورصات العالمية، على أي فن وفنانين نتحدث، وهم بعيدين كل البعد على الصناعة والتصنيع، بعيدين عن الزمان، وبالتالي لا زمن لهم إلى يومنا هذا، بماذا يذكرهم التاريخ المعاصر، أيذكر أرقام حساب ممتلكاتهم؟

من منهم استثمر في الإنسان؟ ما عدى خلق قطعان لا حرية لها ..لا تصلح لشيء، لفضهم سوق العمل على المستويات المحلية والدولية.. وبالتالي لفضهم التاريخ.

أنا لا أتفق معك عندما تجمع كل العرب في سلة واحدة، وبعيدا عن السياسة أريد أن أذكّرك بأن معظم الدول الخليجية تستثمر في طاقة شعوبها ومثقفيها، وتعرف قيمة التنمية البشرية، هناك مثلا العشرات من المجلات الشهرية والدورية والجرائد والفضائيات التي تروج للثقافة بمفهومها المطلق، مهرجانات سينمائية كبرى، معارض عالمية، ملتقيات أدبية وفكرية، حتى أن الفن التشكيلي لا يغيب الحديث عنه في العديد من المجلات، و فكرة إجراء حوار معك جاءت من خلال هذا الزخم والأبواب التي يفتحوها لكل المثقفين العرب، فما قولك في هذا المنجز المُؤسس مقارنة بباقي الدول العربية ومنها الجزائر؟ وقل لي ما قدمه الإعلام الجزائري في التعريف بكم كفنانين؟.

ـ ليس المشكل في أن تتفق معي أو لا، المشكل في أنّ تعدد أشياء لا تمت بصلة لعالم التجريب والمخابر الجديرة، بالإجابة عن سؤالك، فنيا، ثقافيا، واقتصاديا، كأن يُكتسح المردود بهيمنة و نفوذ السوق العالمية، بما لا يمكن الاستغناء عنه، لعلمك سيدي، ولعلم الجميع، إنني عربي حتى النخاع، بلا مزايدة، بوكرش محمد هذا الذي تحاور فهذه هي سلالته( بوكرش محمد بن بوبكر بن علي بن النعيمي بن عبد الله بن سليمان بن علي بن محمد بن عبد القادر بن الموفق بن محمد -الشيخ الوالي القطب الرباني سيدي محمد بن علية – ، محمد بن احمد بن ابراهيم بن محمد بن سعد بن احمد بن جعفر بن الحسن بن سعد بن مرزوق بن عبد القادر بن عبد الجبار بن سعد بن عيسى بن صالح بن يحي بن علي بن الطاهر بن الخثير بن عبد الرحمن بن الوافي بن منصور بن عبد الرزاق بن الشيخ الوالي قطب الصالحين سيدي عبد القادر الكيلاني- نفعنا الله به – ،عبد القادر بن موسى بن يحي بن محمد بن إدريس بن الغزالي بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي وفاطمة، فاطمة بنت المصطفى محمد "ص" بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم)، رضي الله عنهما أجمعين مؤمنين مسلمين آمين والحمد لله رب العالمين.

أما ما يخص الإعلام الهش الجزائري وغيره في بلدان عربية مثيلة لها، لن يقدم خدمة لنفسه، وبالتالي كيف تريده أن يقدمها لغيره، هذا لا يعني أن الجزائر وغيرها، بلدان بلا إعلاميين، بل المشكل والإجابة معا، مع أمثالك، ومع المئات من المتخرجين بهذا الاختصاص، هل لكم مستقبل، كم يدفع لكم ولنا مقابل أتعابنا، والسهر على تزويد العناوين والمؤسسات بمثل هذه المادة.

كيف تنظر للمنحوتة التي يُوكل لك انجازها، خاصة إن كانت شخصية معينة، هل تنظر لها فيزيائيا وظاهريا، أو تتسلل إلى روحها؟، وهل من الضروري أن تتعلق بها و يتوفر عنصر التواصل بينك وبينها من أجل تجسيدها برونزيا أو صخريا أو بأية مادة أخرى؟

ـ بصراحة لست متفرغا لما يُوكل لي.. أنا حر بالمفهوم الذي يحافظ عل سيادة أفكاري واختياراتي، ولي أولويات أرشحها حسب احتياجاتي، لإنجازها بما أراه يخدمها، لأفرضها بالتعزيز، وبقوة الإقناع، لا يزعزعها دخيل، لا بماله ولا برغباته، وخاصة في عصرنا، عصر التدليس والاحتيال بالاستثمار في المغالطات المتعمدة..

انجاز أعمالي يجمع بين ما قلت، فيزيائي وظاهري من عدة خامات، أغرف في كل واحدة منها بوعاء روحي(الأعمال النحتية)، ومن روحي، وبذلك الشكل يضمن العمل الفني لنفسه البقاء وطول العمر، ويقطع لنفسه تذكرة السفر لملاحقة أجيال المستقبل.

نحن متفقون على أنك فنان عالمي وملك للإنسانية جمعاء، مثلا لو قامت الجمعية الفرنسية لقدماء المحاربين وقدمت لك عرضا مغريا لنحت تمثال للجنرال السفاح أوساريس المتوفى مؤخرا، كيف سيكون ردك خاصة وأنك تنعت بالفنان العالمي؟

ـ بأي مقياس صنفوني بالعالمي، حديث غير مسئول صنعه إعلام غيور، وغير محترف، بطريقة غير صحية دون إلمام علمي واهتمام معرفي كافي، كيف لي أن أكون عالميا والجزائر على جميع الأصعدة في الحضيض؟، ما أنا سيدي سوى غصن بشجرة مريضة بمهب رياح لا ترحم ولا تبشر بخير، وباقي الإجابة في جوابي على السؤال السابق لهذا.

أظن بأننا لم نتفق في فهمنا للعالمية، لكنك لم تجب عن سؤالي بصراحة فيما يخص انجاز منحوتة للجنرال اوساريس كرمز ومثال للتسلط الغربي، ولكي أبسط لك الفكرة أكثر أقول بأن الذي أنجز تمثال الأمير عبد القادر الذي يرمز للمقاومة والانتماء إلى الإسلام هو فنان غربي، وربما يكون الأمير عبد القادر أحد أعدائه أو أعداء أجداده وديانته، لكنه أنجز منحوتته بكل احترافية، ولو كنت مكانه كيف ستتعامل مع الأمر؟.

ـ الأمير عبد القادر في حد علمي لم يكن عدو أحد ولا نحن، لأننا ببساطة متناهية مسلمين، لا نحب لغيرنا إلا ما نحب لأنفسنا، وبالتالي لا مجال للمقارنة، فالأمير عبد القادر، مكسب نموذجي إنساني، يتغنى به العام والخاص، أسأل السوريين وهو الذي نفي هناك على اختلاف معتقدهم وعرقهم ودينهم، اسأل فرنسا، اسأل الفيلسوف سارتر، اسأل (… ) بماذا يحكم هو عن نفسه شخصيا.

في النحت دائما نبقى، هل يمكن أن تصف لنا إلى أي حد وصل هذا اللون الفني في العالم العربي؟ وكيف نقارن ممارسيه مع نظرائهم في العالم الغربي؟

ـ للعرب زرائب في أحسن أحوالهم تحولت لسجون بالتدريج وهي اليوم في طريقها لتصبح مقابر كبيرة لنا ولنفايات العالم بأسرة، لا مجال للمقارنة نهائيا، ومنحوتاتهم اليوم أصبحت تحلق على رؤوسنا بدون طيارين، وأخرى ترصد حركاتنا بالسنتمتر المربع، حيث لا مهرب لنا إلا لهم ولله…

لماذا تصب جم غضبك عن العرب مع أننا نتحدث عن الفن، ألا تلاحظ بأنك تبحث دائما عن شماعة تعلق عليها انكسارات العرب، مع العلم أن أي فنان إذا أراد أن يبدع فلا جدار يفصله ولا أحد يمنعه، و أنا من خلال هذا الحوار أريد أن نركز عن الفن، عن بوكرش الفنان والإنسان، لأن العديد من المهتمين سئموا من السياسة وباتوا بأمس الحاجة إلى أن يعرفوا أراء وخبايا الفنانين أمثالك؟ عن طقوسهم الفنية؟ كيف يقبضون على الفكرة؟ ما يحسونه عندما ينتهون من عمل ما؟.

ـ فعلت هذا لأنني عربي وأعني ما أقول عملا بالحكمة: المؤمن من بدأ بنفسه، وتجد باقي الجواب في هذا الإعلان : (توفى، فجر اليوم، الكاتب الروائى والشاعر والفنان التشكيلى "محمد حسين بهنس" الذى جاء خبر وفاته صدمة لمثقفى السودان وأصدقائه من المصريين، حيث مات متجمدا من البرد على أحد أرصفة وسط البلد بالقاهرة، حيث كان يحيا مشردا بلا مأوى ولا غطاء لينضم بهنس إلى قائمة طويلة من المواطنين واللاجئين الذين رحلوا هذا العام موتا من البرد فى بلدان العالم العربى).

هل الفن في نظر أمثالك غير ما نحن بصدد الحديث عنه؟ ماذا تعني بالمهتمين بنا، من هم؟ وماذا يمثلون في عالم السياسة ؟، ما دور الساسة إذن في عالمنا بغير الفن، وما هي مراجعهم وأهدافهم …

نخرج من باب النحت ونذهب إلى بوكرش الأستاذ والمذيع والمدون والكاتب…الخ، ألا ترى بأن الجمع مع هذه الألوان يؤثر على بصمتك المميزة في النحت والفن التشكيلي؟ هل يمكن الجمع بينهم دون أن تتشتت فنيا؟

ـ ماذا تعني بالفن التشكيلي ، إن لم يكن يعني تكامل هذه الأشياء وأشياء كثيرة بخلت بذكرها قصدا لإثارتي والنيل مني أكثر، وهي اليوم تصنع كل ما هو فني رقمي لا قبل لنا به، ولا بمسايرته ونحن على هذا الحال من ألأمية والتدجين…

هل وجدت أن الفن التشكيلي لا يكفي وحده للتعبير عن ما يجول في عقلك الباطن فاستعنت بالكتابة والحرف العربي لاستكمال ما تبقى من تعابير مكبوتة؟

ـ لو كان النحت والفن التشكيلي عموما يفي بالاحتياجات الإنسانية لما عثرت على كتاب فنون البيان والتبيين حيا يرزق إلى يومنا هذا…و..و…

بالحديث عن البصمة الفنية هل يمكن أن تسرد لنا بعض الأسماء التي شكلت منعرجا وتأثيرا مميزا في مدونة الفن التشكيلي الجزائري؟

ـ سُمعةُ المدونات في الفن التشكيلي بالجزائر وغيرها من البلدان المتخلفة، من سمعة المترددين عليها، بالمواضيع التي لا تنشر في الإعلام الرسمي، هذا الذي لا تقوم له قائمة بغير التحرر الواعي ورعاية المستبدين..

نرى حضورا قويا للحرف العربي في الكثير من أعمالك وخاصة النحاسية منها، ويبدو أنك استطعت أن تخلق جمالية فنية كبيرة من خلالها، ألا تعتقد بأن الحرف العربي يحمل الكثير من السحر والأسرار الروحية والأحجيات؟ وهل استطعت آن تلامس بعضها من خلال أعمالك؟

ـ سؤالك برمته يحمل ضمنيا الجواب اللائق، ومن بين ما لمست بتجربتي الشخصية، تميز أمثالك بمثل هذا اللقاء معي، بكل أريحية التواصل الجميل الراقي المنسجم تماما مع ما أنجزت بهذه الحروف المرنة مرونة حروفك المشاكسة وأعتبرها أحد الأحجيات …

سبق وحدثتني على هامش أحد الملتقيات الأدبية بأن الأرقام العربية لديها هي الأخرى أسرار، وأظن بأن لديك مخطوط تحت الطبع بعنوان "سعادة الصفر" هل يمكن أن تقدم لنا عرضا مختصرا عن الكتاب وما يحمله؟

ـ نعم أيها الرائع، للتصحيح فقط، هذه الأرقام ليست عربية، بل هي الأرقام الإسلامية المغاربية الغبارية، أنجزت واخترعت في عصر إدريس الأول بالمغرب الكبير الإسلامي، بديلا لما جاءنا من أرقام هندية عربية مع الفتوحات الإسلامية.

اعتناق المغاربة للإسلام قلبا وقالبا تركهم يكتشفون أن الأرقام العربية الهندية تتنافى شكلا مع ما جاء به الإسلام من نهي يخص ما كان بديلا للإله الواحد في العبادة والتوحيد، القمر والنار والأوثان جملة وتفصيلا، والكل يعلم بأن الأرقام العربية الهندية أساسها تكرار شكل الهلال من رقم واحد إلى أن يكتمل البدر في شكل رقم خمسة.

خوفا من الوقوع في مكروه اخترع المغاربة الأمازيغ الرقم البديل المعمول به عالميا اليوم وأساسه الزاوية أي الفضاء، تيمنا بالفضاءات التي خصصت للدعوة الإسلامية وتعليم القرآن، وكتابة العربية المسماة إلى اليوم بالزوايا، وهذه التسمية موجودة فقط في المغرب الإسلامي الكبير.

بما أن هذه أول الأعمال التشكيلية الرمزية بالمواصفات الإسلامية فهي بداية المدرسة التشكيلية المعاصرة المتميزة بالتكرار والتوحيد التي عرف بها الفن الإسلامي.

عكفت في بحثي هذا على إعادة الاعتبار إلى هذا الرقم الموروث المغاربي الغباري، بإعادة تصحيحه بالرسم الصحيح لكل رقم، وذلك بعدد الزوايا التي يمثلها هذا الرقم، وتمثله ورفع اللبس العربي عليه ليبقى الرقم مغاربي النشأة والولادة، إسلامي الطرح والفلسفة، أما العرب تعودوا على الجاهز (الاستهلاك..) ما زالوا يستعملون الرقم كبضاعة هندية آسيوية التي طورها بعض النبهاء منهم إلى اليوم…

من خلال العرض يبدو أن هذا البحث يحمل أهمية كبرى، حتى أنه يشكل هوية لأمة بأكملها، كيف كانت ردود فعل المختصين وكل من عرضته عليهم؟ وما قصة تأخر نشره إلى حد الآن؟

ـ قدم هذا البحث في شكل محاضرات بعدة نقاط من الوطن، بين جامعات وملتقيات فنية وطنية، ..لقت إعجاب المتلقين، وما زلت مستمرا في ذلك، لكن ما أخر النشر هي الأسباب التالية، أردت أن يكون البحث رقميا يجمع بين الصوت الإيحائي والصورة البيانية بالتفاصيل.
المرجع:
http://www.aljasraculture.com/aljasra16/

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح