الفنان التشكيلي والناقد الأردني غسان مفاضلة../ بوكرش محمد الجزائر غسان مفاضلة الأردن





رحلتي للمشاركة بملتقى "عمان عربيا الثاني"  بالمملكة الأردنية الهاشمية بدعوة من جمعية "بقاء للثقافة والفنون " وهي أول رحلة لي بالمشرق العربي وأول بلد أزوره كان الأردن وبالتحديد "العاصمة عمان".  رفقة الفنان العراقي "علي رشيد"  وبدعوة من مديرة رواق "دار الأدنى".
زرناها..بمجرد ما سألت الأستاذة "ما جدولين غزازي الغول" صاحبة الرواق عن النقد والنقاد على مستوى الأردن والعالم العربي في حوار تم بيني وبينها يخص فضاءها التشكيلي وأصدقائه..

بسرعة وبابتسامة ودودة جدا، كان اسم الفنان التشكيلي الناقد غسان مفاضلة، الاسم  الأول الموثوق فيه والدارج في القائمة التي لن تذكر منها أحدا بعده...وأردفت قائلة: وهو أحد أصقاء رواقي التشكيلي "دار الأندى".
من بين نشاطات المدينة عمان.. زرت وصديقي الفنان العراقي علي رشيد وبقية المدعوين من الفنانين لملتقى "عمان عربيا الثاني" معرضا تشكيليا لثلاثة فنانات بمتحف الفنون المعاصرة بعمان، أين التقيت صدفة بالناقد الفنان التشكيلي غسان مفاضلة،  بمجرد ما قدم لي(بضم القاف)، بادرني بقوله: نحن أصدقاء بالفيسبوك..
نعم كان من المتابعين الجيدين لكل ما أكتبه وأنشره عن عالمنا التشكيلي العربي..
باستمرار، دون أن يحسسني  بذلك..  الى أن صرح بذلك أثناء لقائنا هذا..غمرتني فرحة اللقاء أولا وثانيا أني عثرت على جمهور متابعة لي ولنشاطي الفني الكتابي، كان ذلك إعلاميا أو تحليليا نقديا أو مقالات التعريف بفنانينا المغاربة وبعض من عالمنا العربي أو الإسلامي..
 

أمام  متحف عمان للفنون المعاصرة بحديقة خضراء متحفية للمنحوتات الصخرية والرخامية ذات الحجم الكبير والثقيل تبادلنا سجائرنا.. لف لي واحدة من تبغه المفضل وقدمت له واحدة جاهزة من نوع "ريم"  جزائرية، تعويضا وردا بالمثل.
على إيقاع حركات ما يصدر من دخان تعالى من سيجارتينا المتبادلة بدأ، الحديث عن النحت تحديدا وأهميته في المتاحف وحدائقنا ومفترقات طرقنا والساحات العمومية ..
كان الفنان الناقد الأستاذ غسان مستاء جدا حد الحزن لأنه نحات، الى حد الحياء لأنه رسام والى حد التقزز من الوصاية لأنه ناقد ومحلل.
فرصة اللقاء بقامة نقد تشكيلية وفنية ثقافية أردنية مثله فتحت شهيتي للحديث معه عن الفنانين التشكيليين والفن المعاصر بعالمنا العربي وبمن حضر ملتقانا، ملتقى "عمان عربيا الثاني" طلبنا منه تعزيز ذلك  بما يراه مفيدا يخدم ذلك وخاصة الملتقى المقبل عمان "عربيا الثالث".
 

نترك للأستاذ الفنان غسان مواصلة حديثه عن ذلك وعن التجربتين "عمان عربا الأول والثاني" ومستقبل ذلك في عالمنا العربي دون أن ننسى سؤالنا المحوري والجوهري الذي يخص النقد والتحليل في زمن السرقة والسطو واستنساخ مجهودات الآخرين على المستوى المحلي بالأردن والعالم العربي العربي تحديدا.
والسؤال الأخير وليس الأخير : ماذا عن غسان مفاضلة أمس، اليوم وغدا؟.
يكتب الفنان التشكيلي مشكورا قائلا ومجيبا:
 
 

•    ملتفى عمّان عربيا

-    تساهم الملتقيات الفنية في العالم العربي عموماً في تفعيل المشهد التشكيلي العربي وإثرائه لجهة تجسير العلاقات بين الفنانين، وتضيق الفجوة الآخذة بالاتساع بين الفن والمجتمع نتيجة عزلة الفنانين أنفسهم عن واقهم ومجتمعهم، إضافة إلى التعطيل الممنهج لفاعلية الثقافة والفنون في مجتمعاتنا العربية، وممارسة الوصاية على المبدعين وتهميشهم.
في هذا السياق، يأتي "ملتقى عمّان عربياً" بتوجهاته وطموحاته، ليشكّل منصةً تفاعلية بين الفنانين العرب. وعلى الرغم من أن انطلاقته لم يمض عليها سوى عامين، إلا أنه شكل إضافة ملحوظة للمشهد الفني في الأردن، خاصة مع تنوّع فعالياته الفنية، وتوجهه لترسيخ ثقافة بصرية تُعنى بالارتقاء بالذائقة الجمالية لدى الأفراد والفئات الاجتماعية على نطاق واسع.
 

ويلاحظ في الملتقيات الفنية العربية، ومنها ملتفى "عمّان عربياً" انحسار الحضور النقدي الموازي للنشاط الفني، إن لم يكن غيابه التام. وهذا الغياب من شأنه تغييب فاعلية الأعمال الفنية في محيطها الثقافي والاجتماعي. من شأن وجود محاور نقدية موازية للنشاطات الفنية، أن يسلط الضوء على العديد من القضايا التي تستقرئ بئية العمل الفني، وتعاين سياقه التعبيري والجمالي، إضافة إلى الوقوف على أفقه التفاعلي والتداولي.
•    ما يخص النقد والتحليل في زمن السرقة والسطو واستنساخ مجهودات الآخرين على المستوى العربي تحديدا.
 


-    غياب فاعلية الممارسة النقدية في المشهد التشكيلي العربي، يُرجع إلى القطيعة التي تتغذي عليها تلك الممارسة مع العلوم والمعارف التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحوهر النقد وفاعليته في حقول عمله المتنوعة. وفيما نحن لا ننتج المعرفة، بل نستهلكها، علينا مواجهة السؤال التالي: كيف نستطيع أن نؤسس نقداً حقيقياً في ظل تلك القطيعة؟ وما هي الإمكانات والشروط المتاحة لتأسيس فكر نقدي يمارس فاعليته في قرآءة المجتمع والسلطة والدين والثقافة، ومظاهر الحياة كافةً؟.
نادراً ما نجد قراءات نقدية في مشهدها العربي تنطلق من بنية الأعمال الفنية بما تتوفر عليه من خصائص تكوينية، وجمالية، وتعبيرية، والتي تُعدّ بمثابة (الهوية) البصرية لتلك الأعمال. ومن دون رصد تلك الخصائص، والوقوف على تعيّناتها وتأويلاتها، لا يمكننا التعرّف على (الماهية) التي تنطوي عليها الأعمال نفسها.
 

أضف إلى ذبك الغياب الواضح لثقافة التذوّق الفني في المجتمع العربي (أو تدنّيها في أحسن الأحوال) وهو غيابٌ ملموسٌ على نطاقٍ واسعٍ لدى أغلب الفئات الاجتماعية، ومن ضمنها فئة العاملين في الحقول الأكاديمية والثقافية والإعلامية. وسبب الفقر في ثقافة تذوق الأعمال الفنية يرجع، كما أراه، إلى سيادة "الثقافة النصيّة" بمرجعياتها المتعددة في الموروث العربي، وطغيانها على "الثقافة البصرية" بوصفها رافعة أساسية لتذوق الفنون التشكيلية التي غُيبت ثقافتها، أيضاً، في جلّ البلدان العربية، من جميع المراحل التعليمية، والوسائل الإعلامية، والبرامج الثقافية الشحيحة بطبيعة.
تظافرت هذه العوامل جميعها في تشكيل حال من الالتباس الذي بات يعلن عن نفسه من دون مواربةٍ، وتؤكده الممارسات المقرونة بتدني الذائقة البصرية والجمالية في المجتمع العربي ومؤسساته الحريصة على تكريس قيم الاستهلاك والقبح والتسطيح. والالتباس نفسهُ يتوزع على مستويين: مستوى الجمهور، ومستوى النخبة العاملة في الحقل الفني ذاته. فالجمهور الذي تشكّلت ذائقته الجمالية وفق الروافع الثقافية السائدة، له أعذاره في عدم التمييز بين العمل الأعمال الفنية الحقيقية، وبين أعمال العابثين والمقلدين والمزورين الذين باتوا، لفرط الالتباس، يتسيدون المشهد الفني بإسنادٍ من مؤسسات المال والترويج والتسويق؟
 

هؤلاء، الذين وجدوا ضالتهم في اختلاط القيم الفنية ومعاييرها الإبداعية، والتي اختلط معها "حابل" الجمال والإبداع بـ "نابل" القبح والاجترار؛ جُلّهم من المزورين والمهرّجين والمقلدين المهرة الذين سطوا على منجزات غيرهم من الفنانين الحقيقين العرب والعالميين. ومن الأعراض التي باتت علامة لصيقةً بذواتهم وليس بأعمالهم: التورم غير الحميد، حالات الزهو والانتشاء المرضية، والاختيال بصفة فنان. فيما توارى الفنانون الحقيقيون خلف الستار، إما لعدم قناعتهم وتشكيكهم بما يطفو على سطح المشهد، أو عدم مقدرتهم على التكيّف مع المناخات التسليعية الجديدة المعزولةً عن أفقها الثقافي والاجتماعي.
 

•    رؤيتي ومجال عملي
-    بعد أن توارى كل أثر للجسد من أعمالي الأولى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، سوى ذلك الأثر الذي يجعل من المرئي مساحةً مفتوحةً على التداعيات الحسيّة والتخيليّة؛ أخذت أعمالي الإنشائية والنحتية مع مطلع الألفية الثالثة بالتشكّل وفق خصائص المادة الخام، وضمن النِّسق الذي تستدعيه مقتضيات التعبير والتكوين.
تنطلق الرؤية التي تحكم مسار أعمالي ونطامها التكويني، من الكيفية التي يتم التعامل بها مع (الأثر) بوصفه مرجعاً للتعبير في الطبيعة، ونتيجةً له في الفن. فإذا كنا نتلمّس الجمال في الطبيعة ونتعايش معه بوصفه أثراً (أو إشارةً وعلامةً) فإننا نتذوّق الجمال في الفن بفعل ذلك الأثر الذي يتبدّى لنا، ويَبْسِط حضوره عبر جملةٍ من المعطيات البصرية والتعبيرية المتداخلة التي لم نعهدها من قبل.
 

وفي الأعمال التركيبية، أو التجهيزات الإنشائية، لا يسعى الفنان إلى تقليد الأثر في الطبيعة أو محاكاة ترسباته الناغلة فيها، بقدر ما يبني أثراً على أثرٍ ليخلّف أثراً، لكنه لا يعرض علينا شواهد خبرنا طريقتها في الإنشاء والتركيب.
-    شكرا للفنان التشكيلي والناقد العربي غسان مفاضلة على هذا التواصل الجميل والمفيد.. الذي لن يبخل فيه بالنصيحة الضمنية لمن هو أحوج الناس لذلك في عالم التفرد والابداع المميز.. آملين اللقاء به ثانية في ورشة عمل.. ورشة تبادل النصائح والمعارف البناءة.. شاكرين معا كل المتتبعين والقراء الأفاضل.

بوكرش محمد الجزائر وغسان مفاضلة الأردن .
الجزائر 28/05/2017

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح