قصة :سر يعلمه الرجال فقط..!...من مجموعة :قصص يتيمة لخيرة جليل
قصة :سر يعلمه الرجال فقط..!...من مجموعة :قصص يتيمة لخيرة جليل
"جميلة رائحة التراب عند سقوط المطر تذكرني بشيء لا أعرفه لكنني أعشقها ....ربما تعود بي الى فترة الطفولة حين كنت أهرب للسيدة الوالدة لألعب مع أخوتي الذكور وأعمامي عند سقوط الزخات المطرية الاولى المبشرة بانتهاء فصل الصيف وبداية فصل الخريف ....لذة وانعتاق طفولي كان ينتهي بأخذ فلقة من عند السيدة الوالدة لتذكرني بأن مكاني كفتاة هو البيت لينقدني والدي من بين ايدها بسؤاله الاستنكار : ومن قال لك أنها بنت أصلا ؟ هيا اتركيها بسلام عودي لتلعبين كما تشائين وأنا أصيك يا ابنتي أن لا تلعبين ولا تتعاملين إلا مع الذكور لتتعلمين كيف تتعاملين مع الاخر الذي سيكون أخاك وصديقك وزوجك وابنك ....لترقد روحك بسلام يا ابي كنت نعم الصديق والمعلم ......"
هكذا تخبرني صديقتي المهندسة فرح والتي غادرت مدينة طفولتها فاس في اتجاه مدينة الدار البيضاء لتتزوج وتنجب أطفالها ....اليوم ونحن نحتسي قوهتنا قررت أن تخبرني عن أول سر احتفظت به لنفسها فقط أزيد من خمسة وثلاثين سنة ....
"تعودنا ان نسمع من النساء أن فقيه الدرب تسكنه جنية ...إنهن سمعناه يتحدث اليها عدة مرات طول الليل .....كيف تسكنه جنية ويتزوج بها وهو يقرأ القرآن صباحا ومساء. اوصلت ازمة السكن عند الجن إلى هذا الحد حتى تسكن جسدا بشريا لا يغادر المسجد إلا لقضاء اغراضه الملحة . عمتي تقول انه تسكنه جنية جميلة تغار عليه وإلا لماذا لم يتزوج إلى حد الان والزواج يتمم نصف دينه ؟ تعودنا أن نتلصص عليه من فوق السطوح ..فكانت مهمتي أن اراقب الدرج حتى لا تضبطنا الجدة في فعلتنا هذه الشنيعة . كان همنا الوحيد هو ان نراه جالسا مع زوجته الجنية حين يكون في جلساته الحميمية التي تتحدث عنها النساء في جلسات الشاي.
شاءت الظروف اليوم ان نجلس وننصت لكلامه الذي لازال يتردد في أذني بعد أن حجزنا لنا مكانا قبل صلاة العشاء بالدرج المؤدي إلى فناء بيته ...
" أنا متحرر من كل قيد سوى قيدها الذي اقبله عن طيب خاطر وفي كامل الوعي ، أول لها مرات عديدة "حرام على ظلمك أيها الملاك الإبليس الجميل ،لا أعرف هل أنت روحي أو جزء من جسدي ؟" لا يمكن الفصل بين الروح والجسد ..لا يمكن الفصل بين الجمال وما يحمله من فكر إنهما المبتدأ والخبر في أن يجتمعان في الإنسان الذي تعشقه حتى ولو كلفك الأمر أن تبقى تحبه في صمت... معجبا وعاشقا لوحدك .... لا توجد امرأة سهلة أو صعبة إذ لكل امرأة قوتها قد تكون صامتة أو ثرثارة أو مختصرة... في كتاب "طوق الحمامة " قرأت تعريفا جميلا بأن "الحب أوله هزل وآخره جد "...فكان مرورها كعطر "الصرح " لعبد الصمد القرشي ؛ إنه عطر مميز يحاكي أعمق الأحاسيس بعبق عود عتيق ممزوجا بالمسك ليُوصل الأريج الغربي إلى القلوب مباشرة ؛ اصبح حبها يلفت الانتباه دون إحداث ضجيج ...لكنه يحدث بلبلة في القلب ..تتلاشى امامي المستحيلات حين أقرأ ان الله على كل شيء قدير .....ولما لا ؟....بدأت حكاية حبي لها هزلا ولحد الان لازلت لا أعرف هل لازلت في الهزل أم وصلت الجد ..كل ما أعرفه هو أن وجودها وحديثها معي يستفزني ..كلماتها تزرع في دهني حكايات جميلة أغرق فيها وفي قلبي نبضات ...فكانت الغائبة الحاضرة في عالمي ..وأشد أنواع الآلام رؤية الغائبين في الاحلام ..وهي أصبحت حلمي الذي لا يغادر عالمي .......قالت لي يوما إذا أردت امتلاك قلب لا تتحدث عن الحب بل تصرف بحب ...لتسألنني لكم من امرأة أحكي مثل هذا الكلام المعسول ؟ ولم تدرك انه كلام طيب والكلام الطيب صدقة ...والصدقة في المقربين أولى ...."
هكذا كان يبوح لصديقه الذي كان ممددا إلى جانبه وهو يدخن لفافة حشيش ...
لم أكن اعلم أن فقيه دربنا بهذه الرومانسية ..تسللت وراء عمي دون أن أحدث ضجيجا وأنا اكاد ان افقد الوعي من اختناقي من الرائحة القوية وعمي يحاول منعي من العطس أو السعال بوضع يده على فمي إلى ان أوصلني إلى السطح وهو يعلن اللحظة التي وثق بي ليؤمنني على سر من اسرار مغامرته مع اخوتي الذكور فوق السطوح .
-لا أعرف كيف تورطنا في اشراكك في مغامرتنا هذه ولكن في المرة المقبلة لن تحضري معنا هذا إن كانت مرة قادمة ...
هددتهم بأنهم إن لم يصطحبوني في المرات القادمة أني سأخبر والدي ....توالت الحراسة المشددة على بيت الفقيه أرضا وجوا ....ونحن الادرى بمتاهات هذا البيت العتيق الذي يفضي إلى الفناء الخارجي لمسجد الحي....
اليوم حجزنا مكاننا كالمعتاد في الدرج ، الظلام حالك و شعري القصير ولباسي الرياضي الفضفاض لن يسمح لأحد أن يدرك اني فتاة ... جلس الفقيه بوسط فناء بيته وهو في قمة أناقته ينظر إلى ساعته بلهفة ...العاشرة ليلا والظلام حالك وشاءت الاقدار ان تتزامن اللحظة مع انقطاع الكهرباء في الدرب ...يطرق الباب بطرقات مسرعة وخفيفة ...يفتح الباب وتدخل سيدة مسرعة ...لم نستطيع رؤية اي شيء ...صوت نسوي رقيق ...كلنا نرتعش خوفا من الجنية ومن يجرأ منا على الهبوط اكثر لرؤية الاحداث في الداخل ...نخاف من أن ترصد الجنية انفاسنا وتحولنا إلى أحجار أو حيوانات أو لا نعرف ما مصيرنا ...أخيرا تشجع عمي العلماني الذي لا يؤمن إلا بما لامست يداه . الفقيه يشعل شمعة طويلة مثل تلك التي تباع أمام ضريح مولاي ادريس زرهون ...كلنا نشرئب برؤوسنا لنرى ما يقع في الداخل.
-لا تخافين الكهرباء لن يعود إلا صباحا ،لقد وضبت الأمور كلها ...
تنزع المرأة عن نفسها جلبابا رجولي لتتنفس الصعداء لتقول :
-إلى متى يستمر الوضع هكذا إن البليد يظن اني عند عائلتي بالجبل ...لقد تركت له الاطفال ... لن يعرف أني عدت عندك غدا يلزمني العودة للجبل باكرا ...
- قولي أبنائنا ،لا تخافين حبيبتي سيحملك صديقي بسيارته التاكسي إلى دواركم بالجبل لا أحد سيعرف ، هو الوحيد الذي يعلم لاني أكلمه عنك دائما ...
- وهذا ما يخيفني يا حبيبي إلى متى يستمر الوضع الان ست سنوات ونحن على هذا الحال والطفلين يكبران يوما بعد يوم ،الافضل ان اطلب طلاقي منه ونتزوج فيما بعد .
-ايتها الحمقاء كيف تفكرين بهذه البساطة ...انت تعرفين بأنه عاقر ولا يلد .أبناؤنا هم الورثة الشرعيون له ما داموا أبنائه قانونيا ....ان طلقت منه قد يكتشف عقمه إن تزوج أخرى ويحرم الاطفال من الارث ويفضحك أمام الناس ....أتتذكرين حين حضرت عندي لتعملين له كتابا حتى تستأثرين بقلبه حين لم تخلفي أولادا منه لمدة سنتين ...وبعد علاقاتنا انجبت له الطفلين. إن الامور واضحة كالشمس أيتها البلهاء .....
يتكلمان بكل حرية وثقة ....لكن الصدمة هو ان صوت السيدة مألوف لدينا ...الفضول يحرق أعصابنا ....حاولنا الاقتراب أكثر فأكثر .تنزلق رجلي بعد أن تعثرت في الظلام الدامس بشيء لم ننتبه له ..إنه برميل ماء .أتدحرج قبله لأسقط عمي وإخوتي ونجد أنفسنا وسط فناء البيت وجها لوجه أمام الفقيه والسيدة إلى جانبه... إنها تَهْيا زوجة المجوهراتي جارتنا من الجهة الغربية للبيت ؛هي التي لم لا يجرأ أحد على الاشارة لها بسوء يوما ولا يكاد أحد إطالة النظر في وجهها لجمالها الفاتن .حاول الفقيه الهروب لإطفاء الشمعة لكن عمي الشاب الممتلئ الجسم أمسكه بقوة ....
-لا تتهور وتعمل شيئا تندم عليه ، نحن لم نراك ولم ترانا منذ الان وسنخرج من الباب ولكن المطلوب منك أن تغادر هذا الحي في سلام بدون فضائح ولا خراب بيوت.إن سمعت هذه الحكاية في دربنا جميع نساء الدرب ستعاني من مشاكل .
جرني عمي من ذراعي وهو يلعن اللحظة التي وضعنا فيها أرجلنا فوق السطوح لنتلصص عن الجيران .
غادر الفقيه الدرب في الليلة الموالية ولم ينتبه اليه احد إلا في الصباح الموالي ..
تعود تهيا لدربنا بعد شهر من الغياب لتخبر الجميع ان أمها كانت طريحة الفراش لتهرع اليها النساء لتحمدها على السلامة وتخبرها أن الجنية حضرت وأخذ معها فقيه دربنا المسكين تاركا الباب مفتوحا وجميع أمتعته مرمية أرضا ولا أحد يعلم وجهته ....
بعد مدة تصاب تَهْيا بعلة غير معروفة .في كل يوم تزداد هزالا حتى تراها مثل الشبح وسط ثيابها الفضفاضة . أصبحت جد مواظبة على الصلاة مع العجائز بالمسجد . كلما التقينا صدفة أخفضت عينيها انكسارا نحو الارض ...لم تجرأ ابدا على اقتحام عالمي ولو بإلقاء تحية .....
لم أزرها إلا يوم كانت على فراش الموت امسكت بيدي وسألتني والدموع بعينيها :
-لماذا لم تخبرين أحدا عن سرنا ؟ أرأيت حتى زوجي لم يكن ملاكا ! انه مجرما من نوع خطير وخاص ....
-لاني وعدت عمي وإخوتي أن لا أخبر أحدا فقط ....حتى لا أكون مجرد فتاة كما تقول امي ...ولكن كيف أن زوجك لم يكن ملاكا ...؟
لم تجبني بل تركت دمعة تنزل على خذها فقط
غادرت بيتها ....ليمسكني زوجها من يدي عند الباب ويهمس في اذني :
-" إني علمت الحقيقة من طبيبي الخاص ....لكن أحببت أن أحافظ على أسرتي وعند الله كل واحد سيجزى على أفعاله وهي قد أدت ثمن فعلتها هنا في الحياة ..أما الفقيه فأظن أنه توفي بحادثة سير وهو في طريقه إلى احدى المداشر ، يسرني أن تحضرين حفلة تخرج ابني من مدرسة المهندسين وابنتي من كلية الطب ...يشرفني وجودك .
-كيف توفي بحادثة سير ؟
-نعم وربما في هذه الايام المقبلة سندفن الجزء الثاني من السر .....
-قد لا استطيع الحضور يا سيدي لكن لا أعلم عن ماذا تتحدث وإلى اية حقيقة تلمح ؟
هكذا غادرت منزلهم وأنا أتسائل هل يمكن أن يكون للزوج يد خفية في موت عشيق زوجته ؟ وهل هو سبب علة زوجته المجهولة ؟
كل ما كنت أعرفه من نساء دربنا ان زوجته تعاني من مرض سببه "التوكال " وهو شعوذة تسبب التسمم للجسم وتؤدي حتما إلى الموت .....خيرة جليل
اشكرك ايها الصقر على النشر
ردحذفAmazing short story (y)
ردحذفThank you for sharing it :)