_ هكذا يُريدونَ أنْ أُحِبَّكَ يا وَطن..! / يوسف الباز بلغيث


هكذا يُريدونَ أنْ أُحِبَّكَ يا وَطن.. !


لمْ تشبعِ الأعداءُ من قِصاعِ خيراتِنا _ سنواتِ الاحتلالِ و الانتدابِ و الوصايةِ بالأمس _ حتّى أراها اليومَ _ كعادتها_ تطبقُ على أنفاسِ أوطانِنا ،بعد أنْ أفلتتْ من قبضةِ العُبوديّة و الضَّيم ؛ و لم تزلْ أوطانُنا العَذراءُ لم تستنشقْ جيّدًا نسيمَ الحُريّة و عبيرَ التّحرُّرِ ؛ و هيَ تُصارعُ الحـُلوَ و الـمُرَّ على حدٍّ سواء .

_ هكذا يُريدونَ أنْ أُحِبَّكَ يا وَطن..!

… فلا غرْوَ في همّةٍ تأنفُ بالوطن _ثائرةً_ تنشدُ الحريّةَ بحقٍّ،فتخُونها العثراتُ. و لكنْ مِنَ الكذبِ على الذّاتِ أنْ نُصَدّقَ بحُسنِ نيَّةِ الآخرِ في أنْ يُعطينَا دُروسًا في حُبِّ الوطنِ و الـمحافظةِ عليه ،بِبَثِّ معْنى " الثورة الخَضراء" بخواطرِ و أحلامِ شبابِنا .. تحتَ مُسمّى " الرَّبيع العَربيّ"؛ و هو يُساندُ و يُدعّمُ اعتقادَهم بأنَّ الوطنَ يسْتحقُّ أنْ يتحرّرَ مرّةً ثانيّةً من براثنِ الطُّغيانِ و العُبوديّة باسْمِ الحُريّةِ و الدّيمقراطيّة ؟… و هكذا يُريدونَ أن يكونَ تدْمِيرُهم لـِمُقَوماتِكَ و مكتَسَباتِكَ دليلاً ناصعَ البياضِ على حُبِّهم الصّافي الـمرتقَبِ لك..! لأنَّ ما يُصدّرُه الغَربُ الحاسِدُ إلى شبابِنا الـمُولَع به_ في أثناءِ رسْمِ خريطةِ الطّريقِ إلى حُبّ الوطنِ الـمَوعُودِ السّعيدِ _ هو ما يلهبُ وطِيسَ الـمَيدانِ في تلقُّفِ كلِّ ما لَه علاقةٌ بتلكَ الأفكار الـمُبيِّتَةِ معْنى الثّورانِ و التّألُّبِ على الـمُكتسباتِ و الـمُقوّماتِ _ لا معنى التّغييرِ و التّطوُّر _ باعْتبارِ أنّ ما بُنِيَ على باطلٍ و طغيانٍ لابدَّ منْ محْوِه.. لأنّهُ في الأصل باطل ؛ و ممّا زادَ الطّينَ بَلَّةً تَذكِيتُه الخبيثةُ للمُمارسةِ الدّينيّةِ ،حاثًّا على أنْ تأخذَ حقَّها بشكلٍ كاملٍ، مُزكّيًا معنى الطّائفيّةِ هناك و القبلِيّةِ هنا؛ و الشّبابُ لا يَعي _ أو يَعي _ بأنَّ الحربَ الأهليّةَ في الوطنِ الواحدِ أنكى و أخطرُ من الغَزْو و الاحتلال.و إذا كانَ لكلِّ وطنٍ مقوّماتُهُ و أسسُهُ فقَبولُ صياغةِ و ثيقةِ حُبٍّ لهذا الوطنِ من قريبٍ أو أخٍ أعرفُه و يعرفني ليس له في قبيل الأدبِ و الأعرافِ السّياسيّةِ حُجَّةٌ تدعمُ ذلكَ سوى مشُورةٍ صادقةٍ ،أو دعاءٍ من القلبِ خفيٍّ. فكيفَ لـِمَنْ كانتْ له وطأةٌ سوداءُ على رقبةِ و صدرِ أوطانِنا؛و هوَ أمينٌ مناوئٌ مندسٌ، أو عَدَوٌّ مُترصّدٌ مُبتَز ..!؟

_ هكذا يُريدونَ أنْ أُحِبَّكَ يا وَطن..!

إيْ و ربّي.. إنَّ لكلّ نظامٍ سيئاتٍ، و لكلّ طاغيةٍ مساوئَ و زلاّتٍ؛ و لكنّه التّسليمُ السّلبيُّ الخاطئُ بأنَّ ما تراكم من إنجازاتٍ و أفكارٍ كلُّه مزيّفٌ و كاذبٌ و حقيرٌ؛ فمِن الحُمقِ الاعتقادُ بهذا و قد ساهمَ الصّالحُون و الطّالحُون في كلّ ما فاتَ بوعيٍ منهم و دونَ ضغط..و هكَذا يريدونَ أنْ نكونَ مِعْوَلَ هَدمٍ لا بِناءٍ، و شوكةً في جنْبِكَ، لا سيفًا و عينًا. و سيكونونَ هُمْ بِمنأًى عن التّقريع و الـمتابعةِ و الـمساءلةِ.. لأنّهم بعيدُونَ عنكَ مسافاتٍ ،و قريبُونَ إليكَ بنا أشبارًا ؛و قد تولّينا الـمُهمّةَ دونهم بنجاح .




الجزائر _ فيفري _ 2012

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح