الفنانة التشكيلية المغربية سميرة أمزغار !! / حوار أجراه بوكرش محمد


الفنانة التشكيلية المغربية سميرة أمزغار !! /  حوار أجراه بوكرش محمد


المغرب الأقصى  قطعة من الأندلس بقصورها ذات المعمار الإسلامي المغاربي ومرجع  ثري ثقافي فني يجمع بين ما هو عربي أمازيغي وافريقي.. والمغرب أيضا بلد سياحي مطل على المتوسط شمالا  وعلى المحيط الأطلسي غربا ..المغرب متقدم بجامعاته ومخابرها ومتميز بذلك في عالمنا العربي بقدرات نقاده ومبدعيه.. من بين هذه العينات خريجي معاهدها ومدارسها الفنية ونخص بالذكر اليوم تجربة الفنانة الواعدة التشكيلية المغربية سميرة أمزغار.
سميرة فنانة تعيش على ما يبدو من أعمالها هاجسا أقل ما يقال عنه أنه هاجس انساني فني بحت ..ينطلق عنان فكرها الايقاعي التحليلي في بناء أو تفكيك لوحاتها التشكيلية الفنية من تساؤل معروف ملازم لحياة المبدعين وغيرهم  ويكون بذلك السلوك العملي التطبيقي  لهم بدوافع: اما للخوف من.. أو للخوف على ..أو من أجل . ويكون السلوك في ذلك بدرجات متفاوتة الأهمية ولكل أدواته وطرقه.. فيه ما تكون نتائجه واستنتاجاته شعرا، قصة ، رواية ، صورة،  وفيه ما يكون شريطا تصويريا موسيقىا أوفنا تشكيليا..
تشرفنا بالتعرف على سميرة وببعض من صور أعمالها التشكيلية، حبا في ذلك واستحسانا له بطمع منا  قراءة ذلك بعيدا عن المغامرة والتجني،  بعيدا عن الاسهال السردي ونفخ ما لا ينفخ كما تعود على فعل ذلك الدخلاء على الميدان (ظنا منهم أن الحشو  والتعبير اللغوي الذي أشبهه في مثل هذه الحالة بفقاعات رغوة الصابون تمثل ما جاء في لوحة تشكيلية..) أردنا عكس ذلك اجراء هذا الحوار معها لفائدة متتبعي محراب التشكيل فضاء بوكرش للفنون والآداب نستهله بما يلي لنتقرب منها أكثر ونستفيد بما تراه يمثلها كحس تشكيلي أو كتحسيس تشكيلي  نتخذه مفاتيح نوافذ أعمالها المطلة على واقع يخصها وحالات يستحيل معرفتها والوصول اليها دون تدخلها بحديث يوضح الدوافع التي تركتها تختلف وتتميز بنسبة واضحة عن كل ما عرفته عن التشكيل العربي شكلا ومضمونا ، تختلف عن بعض شبه الفنانين والفنانات باسلوبها السهل واقتصادها في اللون بعيدا عن المألوف والاستنساخ الذي عصف بكثير ممن يدعون...:
-    أردت أن أعرف شيئا عن طفولتك والمحيط الذي ترعرعت فيه بين اللعبة والمرح، السرور والغضب.. بين الأم والأب.. بين الجد والجدة ..
هل أنت من أسرة فقيرة، من أسرة ميسورة الحال أو من أسرة غنية؟.
اختيار واحدة من هذا الثلاثي يكفي أن يكون السؤال المحوري وماذا عنك وعنه في تكوين قوة شخصيتك المعروفة بها في أعمالك الآن وربما لاحقا؟.

-    أولا وقبل كل شىء أود أن أتقدم بالشكر الجزيل للفنان المبدع محمد بوكرش، صاحب فضاء محراب التشكيل على اهتمامه بأعمالي وسعيه لإجراء هذا الحوار الذي أتشرف به، شكرا.
الطفولة هي طبعا مرحلة جميلة ومهمة في حياة الإنسان، ففيها تبدأ علامات الشخصية الأولى بالظهور، وكذلك المواهب، فالبنسبة لطفولتي..لها ذكرى طيبة جدا في نفسي، فقد ولدت وترعرعت في مدينة طنجة الشمالية، و كنت طفلة مهذبة، خجولة جدا ومتفوقة في دراستي كذلك، ولهذا كنت أحظى بحب واهتمام الجميع.
نشأت في أسرة ميسورة والحمد لله واهتممت بالرسم والتصوير منذ نعومة أظافري، فلذلك لم أكن أميل كثيرا لللعب  مع باقي  الأطفال سواء داخل البيت أو خارجه إلا نادرا..وكنت غالبا ما أنزوي في غرفتي على مكتبي الصغير وأمكث هناك بالساعات، أرسم وألون، وهكذا كنت أقضي معظم أوقات فراغي، بالإضافة إلى قراءة بعض قصص الأطفال وخصوصا المجموعة الرائعة  لقصص المكتبة الخضراء والتي لم أكن أمل منها مطلقا. فبين الرسم والقراءة، كان البعض يراني طفلة منطوية بعض الشيء ، لكني كنت سعيدة جدا بعالمي وخيالي وأحلامي الصغيرة.. وهذا ما ساهم كثيرا في صقل موهبتي وتكوين  شخصيتي.
-    ان كنت على اطلاع بما عرفت به البادية والريف المغربي ومدنها السياحية وغيرها من خلال الاعلام والأشرطة الوثائقية ، هل توغلت شخصيا ولمست ذلك عن قرب بالاحتكاك مع أنواع الحالات والعينات الفسيفسائية في المجتع المغربي..؟
-    في الحقيقة لا، للأسف، زرت الريف المغربي في طفولتي، وكان عمري أنذاك لا يتجاوز الخامسة، ولا أذكر إلا القليل جدا من الصور التي اختزنتها ذاكرتي الطفولية، أكيد هناك حالات  كثيرة تستدعي الوقوف أمامها، وتأملها وملامستها عن قرب لأن لديها الكثير مما تحكيه لنا، فربما تطرقت لهذا في أعمال لاحقة، من يدري؟
-    ما مدى انعكاس ذلك وما يحدث خارج المغرب في البلاد الإسلامية حاليا عن كيانك الإنساني وبالتالي عن كيانك التشكيلي؟.
-    بطبيعة الحال أن كل ما يحدث في البلاد الإسلامية وحتى غير الإسلامية يمسني، كل ما يمس الإنسان  وكرامته كفرد و كيان يهمني، ويؤثر في بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وهذا طبعا قد ينعكس على نفسيتي..ومن ثم على عملي كفنانة تشكيلية، وكل ما يحدث الآن  في عالمنا، من تغيرات، وحروب، واضطهادات، فجسدت في أعمالي الأخيرة، وخصوصا في معرضي الأخير والذي كان بعنوان " بدون هوية" بعض تجليات الخوف والألم والموت، فجسدت العديد من الأشخاص المعصوبي الأعين، وآخرون قد غطيت وجوههم، فهم بالنسبة إلينا مجهولون، لا نعرفهم، ولكن هذا لا يمنع من أن  نحس بمعاناتهم، فرسمت فقط، ذلك "الآخر" الغائب، الذي يعيش في مكان ما من العالم، لكنه حاضر معنا بآلامه ومعاناته.
-    أي نوع من الروايات والقصص ودواوين الشعر تفضلين المحلية منها والأجنبية وما مدى تأثرك بها في حياتك الشخصية العملية..؟
-    أحب القراءة كثيرا بصفة عامة، وقديما، كنت أقرأ كل ماتقع عليه يدي، ولو بمحض الصدفة،  لدرجة أن جعلتها عادة يومية قبل النوم، أغلب قراءاتي الروايات والقصص، ربما كان رصيدي من القراءة الشعرية قليل جدا بالمقارنة مع الرواية، ولو أني أحب الشعر القديم أكثر، لكني أعشق كذلك قصائد نزار قباني ومحمود درويش. قرأت للأجانب مثل غابرييل كارسيا ماركيس، باولو كويلو، ألبير كامو، وللألماني باتريك سوسكيند رائعته "العطر" ولكتاب آخرين أجانب ليسوا مشاهيرا يالضرورة، كما قرأت لكتاب عرب كثيرين كذلك، أذكر منهم نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، وكان هذا من بدايات قرائتي للقصص، وكذلك أذكر من المغاربة محمد شكري والطاهر بن جلون، وآخرون... فواضبت في السنوات الأخيرة على زيارة معرض الكتاب في كل مرة ، وأقتني العديد من الكتب لكتاب معروفين، وآخرين شباب، لا يهمني شهرة الكتاب كثيرا، فأشتري كتبا بالعربية، وأخرى بالفرنسية والإسبانية، أحاول أن أقرأ كل كتاب بلغته الأصلية، لأنه يكون أصدق.
-    ماذا عن المرأة ودورها الوجودي من كل هذا ؟.
هل تحسين بأنك مرأة وبالأنوثة وأنت منهمكة في بناء وتركيب فكرة بعملك الفني.. أم هاجس الانسان فيك هو المهيمن ولماذا؟.
-    في الحقيقة هذا سؤال مركب، فأنا حين أشتغل لا أفكر إلا بالموضوع الذي بين يدي، وكيف أشتغل عليه وأطوره تشكيليا، لذا فيمكن ان أجيبك بنعم،  وأقول أن هاجس الإنسان  فعلا هو المهيمن، لكن لا أنكر أنه بحكم طبيعيتي كامرأة، قد تتأثر أعمالي بهذا سواء بطريقة أو بأخرى، لكن إن كنت تقصد من السؤال أن معظم أعمالي  عن المرأة خصوصا، أعمالي الحديثة، فأقول أن ارتباطي بالعمل على الجسد يعود إلى وقت بداياتي الأولى، فكان مضمون أغلب لوحاتي هو الجسد، حتى في فترتي التجريدية، واختياري غالبا للجسد الأنثوي يعود كذلك ربما لاشتغالي لفترة على تصميم الأزياء، فكانت الأنثى دائما حاضرة في كل أعمالي واشتغلت كثيرا على تفاصيل جسدها، فربما يعود التأثر لهذا السبب  وليس لكوني امرأة أيضا، ومع هذا فأنا ضد التنصيف تماما، فليس هناك تشكيل أنثوي وآخر رجالي ، هناك فكرة تتبلور فنيا حسب معطيات عدة، وتختلف من امرأة لامرأة، من رجل لرجل، من إنسان لإنسان. ..كل حسب منطقته وتربيته  وطموحاته وموروثاته الثقافية أيضا، ثم نظرته الشخصية للعالم حوله، كل هذا يجعل منه إنسانا مختلفا عن الآخر ويتعامل بطريقة منفردة، تخصه وحده، وهذا هو ما يغني العمل الفني بحد ذاته.
-    تجيب الفنانة أو لا تجيب فهذا لا يزيد ولا ينقص شيئا من مستوى أعمالها الفنية التشكيلية..

-    تحدث الروائي الجزائري واسيني الأعرج * بفلسفة واسهاب عن منجزاتك الفنية واقتصادك في الألوان واختيار المعبر منها عن جسد بين الحياة والموت بشتى الطرق.. ما مدى قرب مقارباته وتوافقها مع ما تعمدت أنت كفنانة تشكيلية أن يكون بالشيئية البنائية التشكيلية، كان ذلك باللون  أو الأشكال التي لا بديل لها كتعبير، ما دامت مقصودة وقائمة بذاتها كتشكيل شيئي..؟.
-    واسيني الأعرج كاتب وروائي كبير ومميز، وشرفني بكتابته عن أعمالي، وعن معرضي الشخصي الأخير، له ثقافة واسعة في ميدان الفن والتشكيل كذلك، فبعد لقائنا لاول مرة  في مدينتي بطنجة،(وهو لقاء مدبر من طرف صديق مشترك بيننا ) كان لنا نقاش مطول عن الفن والعمل، فلمست روحه الجميلة، وسخاءه، وتسامحه، وثقافته للامحدودة ، ثم بعد ذلك بدأ هو في الكتابة والتحليل عن أعمالي، وبدأت انا في قراءة كتبه وأعماله، لأنني للأسف الشديد لم أكن أعرفه قبل ذلك اللقاء، فوجدت متعة كبيرة في قراءة أعماله المميزة وقرأت معظمها في وقت وجيز، وعرف كل منا أكثر عن الآخر،  وربما  كان لهذا التقارب الروحي  ما جعله يكتب بدقة وبتحليل عميق لكل معطيات اللوحات، مع التركيز على جانب شخصي، عرفه من حواراتنا، ثم التطرق بعد ذلك للمحاور التشكيلية وتسلسلها، وبكل صدق وأمانة أستطيع القول، ان مقارباته أدهشتني لتوافقها مع الكثير مما تعمدته في العمل، أو حتى ما لم أتعمده وكان تلقائيا محضا، فكأنما قرأ روحي ووجداني فجاءت النصوص مكملة للعمل الفني، وفي هذا يتجلى الجمال والإبداع، وأنا أعتز جدا بنصوصه وبمعرفته وصداقته.
-    شكرا للفنانة المغربية سميرة أمزغار على تفانيها ووسع بالها وتفهمها يوم طلبت منها أن تعرض علينا ما يكمل عملها الفني للتعرف عليها والتقرب منها أكثر فكان لنا وللقراء ذلك..
سميرة كفنانة تشكيلية تعد من اللواتي نفتخر بهن كعينات تبشر بالخير والمستقبل المنير. شكرا سميرة مع وافر محبتي.

بوكرش محمد الجزائر.
27/07/2016
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع:
https://www.blogger.com/blogger.g?blogID=7595147213617587197#editor/target=post;postID=1536524519249895605;onPublishedMenu=overview;onClosedMenu=overview;postNum=8;src=postname


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح