بشار الحروب من فضاء صديقة الى لقاء المكان بقفصة ... لم الحذر..والكل في سبات../ بقلم: مراد الزارعي
بشار الحروب من فضاء صديقة الى لقاء المكان بقفصة
لم الحذر..والكل في سبات..
بقلم: مراد الزارعي
«الأنا تضع نفسها حينما تقاوم» ، حينما تحس بالخطر او تشعر بالقلق ، فتدق ناقوس الحذر فهي لا تستطيع ان تكون إلا من خلال مقاومتها الفعلية او الفكرية وخصوصا الفنية. حينها ستلقي حتما بكل شيء من أجل أن تصنع لنفسها موقعا في دائرة المقاومة الجسدية مهما كانت طبيعة هذه الذات او نوعية تلك المقاومة. كلنا نقاوم وليس هناك استثناء في فعل المقاومة او سياق ممارستها سواء أكان اجتماعيا أو سياسيا أو ثقافيا أو حتى فنيا ، اذ كلنا سنقدم افكارنا وموادنا ، وان لزم الامر نقدم اجسادنا الخاصة سبيلا لفن ملتزم يستوجب «التوحيد بين المستويين، القول والعمل، الفكر والوجدان، الداخل والخارج، من أجل توحيد شخصية الفنان المقاوم وتوحيد طاقاته فيصبح كالسيف القادر على القطع دون أن ينكسر الحد».
فما بالك بفنان ولد على ايقاع ترانيم كلمة «م ق ا وم ة » ، وراح يردد حروفها الأبجدية حتى صارت له مألوفة ومعهودة ، يصبح ويمسي على اثارها المادية والملموسة في البيت وفي المدرسة وفي الشارع ، على صوت صراخ الامهات الملتاعات من الفقدان والحرمان وانين الاطفال المشردين وأصوات القذائف والصواريخ التي يزداد صداها في اذنه يوما بعد يوم.
مقاومة كرس لها اباؤه وأجداده كل حياتهم الماضية واللاحقة ...ليكمل هو المسير بتغيير مفهومها من المقاومة المسلحة الى مقاومة الفكر بالفن التي يسعى فيها الفنان الفلسطيني المعاصر «بشار الحروب» الى تغيير خارطة العالم عبر استنطاق خرائط ذاته المتشعبة وقلب المفهوم المتداول والرتيب وإكسابه روحا جديدة تنبثق بالمعنى المتجدد والمنفتح على دلالات أوسع وأعمق ، دلالات الروح الفنية التي ما انفكت يوما عن البحث والتجربة والمغامرة واستكشاف المجهول الذي يرتسم في عيونهم التي توقدت ارادة وعزيمة حينما حملوا الحجارة في وجه الرصاص وانتصرت الارادة على القوة.
من بين حطام تلك الحماسة الحمقاء وذلك التدافع المجنون انبثقت زهرة امل وأينعت في بستان من الشوك والصبار ،علمها وخزه الحاد التريث والصبر والحكمة في اختيار سبل المقاومة وأشكالها ، في بيئة تلزم على افرادها الانتساب والإيمان بعقيدة المقاومة المسلحة والتيمن بها سرا وجهرا. لكن كيف السبيل لان يغير وجهة عقيدته وطبيعة ايمانه المضطرب والمختلط بالدم ، وهو ما يتنافى مع طبيعة وجهته الجديدة عقيدة الفن التي سيقاوم من خلالها ذاته الماضية وترسبات ذاكرته المختلطة بأحلام ذاته وإيديولوجيات قوم هرعوا وراء ثأرهم ولازالوا يركضون...
هو اختار الفن لكي يعبر ويقاوم ويتحرر حتى من جسده الخاص الذي صار عبئا عليه وعلى احلامه وطموحاته . ها هو يقدمه قربانا من اجل تضحياته السابقة واللاحقة متيمنا بعقيدة الفن التي صارت جزءا لا يتجزأ من ذاته وغذاء لروحه المتعطشة التي انفصلت عن جسده اخيرا وها هي تدق ناقوس الحذر والخطر الذي ما فتئ يهدد كيانه وكينونته ، ذاته ووجوده كفنان وكإنسان.
يستعرض الفنان الفلسطيني المعاصر «بشار الحروب» في عمله الفوتوغرافي (الحذر) المنجز سنة 2015 جسده الخاص مغطى بشرائط مسترسلة صفراء وملصقات الاشعار بالخطر والحذر ...ليقول حان الوقت للفعل ، للتحرر ، للمقاومة واستشعار الخطر المحدق بالبشرية التائهة والضائعة في مسارات متشعبة تشبه الى حد بعيد خرائط ذاته المتحولة والمتجددة والباحثة دوما عن مستقر جديد ومفر تلجأ اليه حينما تحس بالخطر ، أو حينما تريد أن تتخلص من عذابات قلقها الوجودي المستمر وسؤالها الملح عن الخلاص.
لعلّه ايضا ما يشغل بال ذلك المتأمل في خرائط ذاته والكون والباحث عن اسراره والمقتفي لأثرها وآثارهم في المكان ، هو ذا «بشار الحروب» الذي تتعدد ادواره بين فنان باحث وراهب متصوف ومبشر بالخلاص والطمأنينة حينما تزداد وطأة القلق والخوف الناتج عن احد الانفعالات الانسانية السلبية الاساسية، أو إحدى الحالات النفسية والفسيولوجية، الناجمة عن الشعور بالخوف والتوتر والترقب والإحساس بالخطر وعدم الاطمئنان... وهي حالة تعكس ما يعيشه الانسان المعاصر من ضغوطات يومية ونفسية. يحاول الفنان الفلسطيني المعاصر الوقوف عند مسبباتها ونتائجها ، فيستعير ويعير للعالم جسده وروحه عبر عمليات أدائية تتجاوز ما هو حسي مرئي ووظيفي نحو اللامرئي المتخيل والمنتج للدلالة والمعنى الفني لمفهوم الحذر فلسفيا وجماليا وسيكولوجيا.
حذر دائم وقلق وجودي مرعب من كل شيء ، من كل جديد وطارئ ، من كل قديم مستهلك وبائد يسكن أطلاله العدم، من فكر متعصب متعطش للدم ، من اضطراب كياننا العربي، من تشظي ذواتنا واغترابها وتغريبها وتغربها. من ضعف الروابط المتلاشية التي تجمعنا وتوحدنا، وضياع الأنا بين منظومة الهو والأنا الاعلى بين الالتزام والتحرر، بين الانصياع والتمرد ، بين وبين وبين ... بين الكبت والبوح عبر شرائط الحذر التي لا تنتهي ...تظل تترجم بلا أناة ولا هوادة رغبات هذا الجسد الساكن المتأمل المتعطش للأمل والحرية ، هذا الجسد المنتظر قدومه من بعيد والحامل معه تباشير الخير والطمأنينة ننتظره ايضا بشغف وحذر، ليستدرجنا معه بتكويناته الاسطورية المغلفة بالمعاصرة ويصطحبنا معه كالسندباد اينما يحل نحو الحريات المنتظرة ، ليحقق لنا آمالنا وطموحاتنا التي لم تتحقق بعد ، ليسحبنا معه بعد حين بروحيته الشفافة وفكره المقاوم ورؤيته الذاتية الحدسية، نحو تأملات الصمت واختراقات الوجود المتهالك بأجساده وأمكنته وبكل ما يحتويه من ثنائيات وتناقضات الارض والسماء ، الجسم والروح ، المادة والعدم ، والولادة والموت ، والهدوء والحذر...
حذر من سؤال بات يؤرقه باستمرار ، من نحن ؟ الى اين نحن ذاهبون ؟ وما موقعنا من الثقافة من الفن والدين والعولمة ؟ ام لازلنا نصارع من اجل اثبات موقعنا الذي لم يتحدد بعد ونحن مثل مجموعة من البيادق التي لا حول لها ولا قوة، تتقمص أدوارا ثانوية فوق رقعة شطرنج كبيرة تحركها الايادي الخفية من كل جانب وتحدد وتتحكم في مصائرنا للابد ، ترسم وتخطط وتمحي خطوطنا وحواجزنا الجغرافية كما تشاء ، ترسم خطوط اجسادنا ايضا بكل جرأة وتملي عليها حتى اشد رغباتها وخصوصية . وحاجتنا للشعور بالانتماء إلى أرض وأم وحبيبة تبعث فينا الطمأنينة والرضى وسط ما نحسه من اضطراب وقلق دائم. وكأن القلق هو المصير الحتمي للإنسان الذي يحيا ويفنى على القلق. وهو ما يعبر عنه (جان بول سارتر) في قوله «إن الوجود ليعلن أن الإنسان يحيا في قلق ويكابد القلق».
يحاول «الحروب» من خلال هذه التجسيدات الفنية الخاصة والتمثلات المعاصرة للجسد أن يجد خطابا يجمع بين جدلية الفكر والوعي والممارسة التي توحد كل تفاصيل المشهد البصري الواحد بخلفياته المتعددة، بدلالته الاستبطانية الظاهرة المخفية لتحقيق الوحدة المتشتتة للجسم البشري وامتداداته الفيزيقية والمادية في المكان والزمان ، ليعطي استمرارية الرؤية الادراكية للكائن البشري في مسيرة التطور والعولمة و ربطها بديمومة الفعل والتفاعل الجسدي المتنامي لحركة الاثر وتفاعله مع الاخر ومع العالم ومع ترسبات الذاكرة وتراكمات الوعي التي تزداد يوما بعد يوم ثقلا ووهنا .وهنا يعمق الفنان من خلال استعراض جسده كيانه الروحي الموصول بالفن والثقافة ليتسامى بالوجود الى مناطق المثال لتمتد العلاقة الجدلية ما بين الجسد كمقولة والفن كثقافة للإبحار عميقا في ايماءات الجسد المعاصر بتشفيراته الملغزة وجمالياته المحيرة وتمظهراته الغريبة بين الحضور والغياب والوجود والعدم. هذا الجسد الفني الذي ينتصب متأهبا لكل طارئ ، ليقاوم ويحارب كل أشكال الكبت والخضوع والخوف من اجل ان يتحرر ماديا وفنيا ويحرر أساليبه التشكيلية وموضوعاته الفنية ويقدمها بأكثر جرأة وتحد لكل المعوقات والارتكاسات والإيديولوجيات التي تقف حاجزا امام الحرية التعبيرية والممارساتية للفنان العربي الذي مازال يعيش حظرا ورقابة ، حان الوقت لان ندق لها ايضا ...ناقوس الحذر.
باحث وناقد فني من تونس
لعلّه ايضا ما يشغل بال ذلك المتأمل في خرائط ذاته والكون والباحث عن اسراره والمقتفي لأثرها وآثارهم في المكان ، هو ذا «بشار الحروب» الذي تتعدد ادواره بين فنان باحث وراهب متصوف ومبشر بالخلاص والطمأنينة حينما تزداد وطأة القلق والخوف الناتج عن احد الانفعالات الانسانية السلبية الاساسية، أو إحدى الحالات النفسية والفسيولوجية، الناجمة عن الشعور بالخوف والتوتر والترقب والإحساس بالخطر وعدم الاطمئنان... وهي حالة تعكس ما يعيشه الانسان المعاصر من ضغوطات يومية ونفسية. يحاول الفنان الفلسطيني المعاصر الوقوف عند مسبباتها ونتائجها ، فيستعير ويعير للعالم جسده وروحه عبر عمليات أدائية تتجاوز ما هو حسي مرئي ووظيفي نحو اللامرئي المتخيل والمنتج للدلالة والمعنى الفني لمفهوم الحذر فلسفيا وجماليا وسيكولوجيا.
حذر دائم وقلق وجودي مرعب من كل شيء ، من كل جديد وطارئ ، من كل قديم مستهلك وبائد يسكن أطلاله العدم، من فكر متعصب متعطش للدم ، من اضطراب كياننا العربي، من تشظي ذواتنا واغترابها وتغريبها وتغربها. من ضعف الروابط المتلاشية التي تجمعنا وتوحدنا، وضياع الأنا بين منظومة الهو والأنا الاعلى بين الالتزام والتحرر، بين الانصياع والتمرد ، بين وبين وبين ... بين الكبت والبوح عبر شرائط الحذر التي لا تنتهي ...تظل تترجم بلا أناة ولا هوادة رغبات هذا الجسد الساكن المتأمل المتعطش للأمل والحرية ، هذا الجسد المنتظر قدومه من بعيد والحامل معه تباشير الخير والطمأنينة ننتظره ايضا بشغف وحذر، ليستدرجنا معه بتكويناته الاسطورية المغلفة بالمعاصرة ويصطحبنا معه كالسندباد اينما يحل نحو الحريات المنتظرة ، ليحقق لنا آمالنا وطموحاتنا التي لم تتحقق بعد ، ليسحبنا معه بعد حين بروحيته الشفافة وفكره المقاوم ورؤيته الذاتية الحدسية، نحو تأملات الصمت واختراقات الوجود المتهالك بأجساده وأمكنته وبكل ما يحتويه من ثنائيات وتناقضات الارض والسماء ، الجسم والروح ، المادة والعدم ، والولادة والموت ، والهدوء والحذر...
حذر من سؤال بات يؤرقه باستمرار ، من نحن ؟ الى اين نحن ذاهبون ؟ وما موقعنا من الثقافة من الفن والدين والعولمة ؟ ام لازلنا نصارع من اجل اثبات موقعنا الذي لم يتحدد بعد ونحن مثل مجموعة من البيادق التي لا حول لها ولا قوة، تتقمص أدوارا ثانوية فوق رقعة شطرنج كبيرة تحركها الايادي الخفية من كل جانب وتحدد وتتحكم في مصائرنا للابد ، ترسم وتخطط وتمحي خطوطنا وحواجزنا الجغرافية كما تشاء ، ترسم خطوط اجسادنا ايضا بكل جرأة وتملي عليها حتى اشد رغباتها وخصوصية . وحاجتنا للشعور بالانتماء إلى أرض وأم وحبيبة تبعث فينا الطمأنينة والرضى وسط ما نحسه من اضطراب وقلق دائم. وكأن القلق هو المصير الحتمي للإنسان الذي يحيا ويفنى على القلق. وهو ما يعبر عنه (جان بول سارتر) في قوله «إن الوجود ليعلن أن الإنسان يحيا في قلق ويكابد القلق».
يحاول «الحروب» من خلال هذه التجسيدات الفنية الخاصة والتمثلات المعاصرة للجسد أن يجد خطابا يجمع بين جدلية الفكر والوعي والممارسة التي توحد كل تفاصيل المشهد البصري الواحد بخلفياته المتعددة، بدلالته الاستبطانية الظاهرة المخفية لتحقيق الوحدة المتشتتة للجسم البشري وامتداداته الفيزيقية والمادية في المكان والزمان ، ليعطي استمرارية الرؤية الادراكية للكائن البشري في مسيرة التطور والعولمة و ربطها بديمومة الفعل والتفاعل الجسدي المتنامي لحركة الاثر وتفاعله مع الاخر ومع العالم ومع ترسبات الذاكرة وتراكمات الوعي التي تزداد يوما بعد يوم ثقلا ووهنا .وهنا يعمق الفنان من خلال استعراض جسده كيانه الروحي الموصول بالفن والثقافة ليتسامى بالوجود الى مناطق المثال لتمتد العلاقة الجدلية ما بين الجسد كمقولة والفن كثقافة للإبحار عميقا في ايماءات الجسد المعاصر بتشفيراته الملغزة وجمالياته المحيرة وتمظهراته الغريبة بين الحضور والغياب والوجود والعدم. هذا الجسد الفني الذي ينتصب متأهبا لكل طارئ ، ليقاوم ويحارب كل أشكال الكبت والخضوع والخوف من اجل ان يتحرر ماديا وفنيا ويحرر أساليبه التشكيلية وموضوعاته الفنية ويقدمها بأكثر جرأة وتحد لكل المعوقات والارتكاسات والإيديولوجيات التي تقف حاجزا امام الحرية التعبيرية والممارساتية للفنان العربي الذي مازال يعيش حظرا ورقابة ، حان الوقت لان ندق لها ايضا ...ناقوس الحذر.
باحث وناقد فني من تونس
تعليقات
إرسال تعليق