الفن التشكيلي الاختصاري وعلاقته بالفنون التشكيلية الإسلامية.. !!




من منجزات الفنان الأمريكي فرانك ستيلا

كل من اعتنق الإسلام من غير العرب ساهم في تطوير الفنون الإسلامية بأجمل وأرقى معارفه التشكيلية التي اكتسبها من بعض تراثه وبعض الشيء من ثقافته التي رأى أنها تتقاطع بعوامل مشتركة إنسانية ولا تتصادم اطلاقا مع ما جاء به الاسلام للعالم..
انطلاقا من خير الكلام والأعمال يكون المختصر وخلاصة الخلاصات تشكيليا  بما قل ودل.. وبما يذلل المسافات والمساحات بالتجريد والاختزال قصد التلاقي والتوحد بما ينفع.. أي العمل بأشكال الحكمة المفحمة كوحدة بيانية التي لا بديل لها ما دام الانسان والإنسانية لا يمكنها الاستغناء عنها.. من بين الحكم التي طالها الانسان وعمل بها الى اليوم تطرق لها الجاحظ  بأمثلة حجمها بالاختصار المفيد جسد كتابه الشهير"البيان والتبيين".
البيان والتبيين في عالم الفنون التشكيلية اتضح جليا في اختصاص تشكيلي سمي بـفن الدراسات الوثائقية وهو رسم واقعي يعرفنا بالأشياء  ويحدد المفيد منها بطابع تشكيلي علمي تفصيلي دقيق للأشياء التي لا نعرفها بمقاربة تلامس الواقع الطبيعي لها.. استعملت للتوضيح بيانيا في الكتب العلمية وكتب التشريح العلمي والمعرفي مثل ما أستعملت في كتب القراءة التربوية بالمدارس على اختلاف مستوياتها.. الى يوم الاستغناء عنها لاحقا بعد التطور التكنلوجي وابتكار الآلة الفوتوغرافية والصورة الرقمية.. كان هذا الاكتشاف والاختراع قد اختصر واختزل معاناة الفنانين التشكيليين في ثواني التي كانت تستغرق أيام أو شهور لتجسيد الوثيقة..وأجبرت الفنانين عشاق الرسم التشكيلي البياني الوثائقي مرغمين أن يستمروا بشكل آخر ان أرادوا البقاء ..
هذا ما تسبب لاحقا في بعث وتأسيس المدرسة الأمريكية في اختصاص الرسم الأكاديمي الواقعي المفرط الذي اعتنقه لاحقا باقي فناني الدراسات الوثائقية في العالم ليضمنوا لأنفسهم الاستمرارية والظهور بوجه آخر اعجازي..

فرانك ستيلا أثناء العمل 
 
 بينما للضرورة أسست مدرسة تقول وتعمل بالاختصار والأقلية الشيئية لتجسيد أعمال تشكيلية جدارية ثلاثية الأبعاد بأقل ما يمكن والغير قابلة للتأويل، مجردة من كل ما تعرف به باقي الأعمال على اختلاف مدارسها وأساليبها التعبيرية المعروفة..

 من منجزات الفنان الأمريكي فرانك ستيلا
 
 أسس هذه المدرسة مدرسة الاقتصاد في اللون والخطوط بالستينيات الفنان الأمريكي الشهير باسم "فرانك ستيلا" وسمي فنه بالفن الاختصاري الذي لا يقبل التأويل..
وهو فن تشكيلي وظيفي وصناعي  في نفس الوقت بحكم أن الفنان فرانك ستيلا نحاتا ومعماريا .. السؤال الذي يفرض نفسه: 

من منجزات الفنان الأمريكي فرانك ستيلا

هل الفن الاختصاري فن أمريكي وحديث العهد والاكتشاف بألوانه وأحجامه المختصرة وبأبعاده الثلاثة الملازمة للتقشف اللوني والخطي ؟.
- الفن الاختصاري معروف منذ القدم عمره من عمر اختراع أنواع حروف الخطوط الكتابية اللغوية كان ذلك في السرد الموسيقي أو الأدبي أو الحسابي وهو مكون ومجسد العلامات على اختلاف اشكالها..
من منجزات الفنان الأمريكي فرانك ستيلا

وأقل أشكال الحروف الكتابية عددا في العالم باسره كفن اختصاري،  لا نجد أحسن من اختراع  علامات النوتات الموسيقية السبعة أو الحروف العربية المعروفة قبل بداية الانتشار الإسلامي وفي بدايتها المعروفة بأربعة عشر حرفا فقط.. الذي تضاعف لاحقا ليصبح 28 حرفا ليكون سهل الاستعمال والنطق به في البلدان الغير ناطقة بالعربية خدمة للإسلام وقراءة العربية التي نزل بها القرآن.. إضافة الى تجويدها الهندسي المفرط  والمذهل بتنوعه واختلافه تشكيليا عن بعضه البعض وأصبح لكل واحد منها اسما ومدارس..
تنافس المتنافسون في ذلك وأصبح عجبا تشكيليا  إسلاميا عربيا أثر في معظم الفنون عالميا ولن يتثر بها نهائيا..
وبالتالي لا أستغرب أن يكون "فرانك ستيلا" ومدرسة الفن الاختصاري التي أسسها امتدادا للجهد الإنساني تشكيليا وخاصة الأندلسي منه، مثله مثل "بابلو بيكاسو" وتأسيس المدرسة التكعيبية التي يقال خبثا أنها امتداد للفن الافريقي بدلا من أن يقال شمال افريقيا معبر عباقرة مسلمي العالم أثناء الفتوحات الإسلامية .. ومهد اختراع الأرقام الغبارية الإسلامية المغاربية التي تعتبر هي الأخرى من الفن الاختصاري وهي الأقرب بأشكالها ومواصفاتها الهندسية للفن التكعيبي من أقنعة وتماثيل الزنوج..

- من بين فناني العرب والعالم الإسلامي نذكر على سبيل المثال "1" الفنان التشكيلي التونسي نجا المهداوي الذي عمل باستعمال التشكيل الاختصاري كوحدة وكمفردة لبناء اللوحة والنحت التي عرف وتميز بها..

- "2" الفنان التشكيلي والمعماري الأردني إبراهيم أبو طوق الذي جود حروفه كفن اختصاري باختلاف عما عرفت به باقي المدارس وسماها بحروف الطوقية منها "الطوقية واحد" و"الطوقية اثنان" نسبة لمدينة مسقط رأسه.
للفنان والمعماري إبراهيم أبو طوق من الأعمال ما يجعله سيد مدرسته الطوقية.


-"3" رائد مدرسة البيكتوغراف ومؤسسها الفنان التشكيلي المصري محمد طوسون الذي جمع بين مهارات مدرسة الدراسات الوثائقية  والواقعية المفرطة في منجزه الشيئي الفني التشكيلي الذي يعتمد في بنائه على وحدة اختصارية غنية روحيا.. عكس تماما ما يقول به "فرانك ستيلا" ماديا مجردا
ويؤيده في ذلك "جاكسن  بولوك" العفوي والتلقائي.. في أمريكا ..


- "4" الفنان التشكيلي والشاعر العراقي الاختصاري "علي رشيد" القائل في حوار لي معه أنه يقتصد في الحرف في شعره وفي اللون والخطوط بمنجزه التشكيلي..

من منجزات الفنانة طاهرة فدا
- "5" الفنانة  الشابة "طاهرة فدا" من سلطنة عمان، قدمت في مشاركتها بمعرض   "السمط" 2017 الموسوم بهذا الاسم، اسم قلادة نسوية دائرية الشكل من تراث محلي سلطنة عمان كمرجع استنطقته بطريقتها وقدمت ثلاثة أعمال فنية تشكيلية اختصاريه 

من منجزات الفنانة طاهرة فدا

دائرية الشكل مستوحاة منه في غاية الأهمية في نظرنا المتواضع، اعتمد بناؤها على وحدة اختصارية تتكرر بميولات مختلفة تحيلنا الى روح  وأشكال مفردات حروفية عرفت على جدران الكهوف والمغاور الصخرية الأ ثرية بسلطنة عمان وما جاورها.


من منجزات الفنانة طاهرة فدا




- ”6“ الفنان الجزائري تابرحة نور الدين الذي سخر عمره في خدمة اللوحة ورقيها التشكيلي المستمد من وحي الفنون الأمازيغية المغاربية بما في ذلك التركيز على جمالية حروف التيفيناغ كمرجع وكمصادر الهام.
من أعماله:





 خلاصة: اذا اتفق الفنانان الأمريكيان "فرانك ستيلا" الاختصاري و "جاكسن بولوك" العفوي والتلقائي  وكثير من النقاد التشكيليين في العالم على أن نأخذ بالشيء كمادة ووجود تشكيلي قائم بذاته يستغنى بذاته تلك عن التأويل كمفهوم وكشرح  قد يسيء له بالتأكيد ولا يمثله.. واذا كان ذلك لا يكون الا علميا وبحسبان.. مفرغ ومجرد من ..العاطفة.. والأحاسيس الرومانسية أو التراجيدية.. بالصيغ المختلفة التعبيرية بتأويلات لا حدود لها، بينما هو كيان بظاهره وواقعه ذاك الملموس وجوديا، لا شيء شيء قادر على وصفه والتعبير عنه، فهم محقين ومواقفهم هذه نتيجة دراية علمية وثقافية عالمية.



- تنبيه: لذا في نظرنا المتواضع كان بعض ما جاء في القرآن الكريم: مادة شيئيىة تشكيلية ممتنعة.. لا يطالها الا عباقرة العلماء من غير المسلمين والمسلمين  باكتشافاتهم العلمية المادية  المفحمة الحاصلة اليوم كل بأوانه على مر الأزمنة والعصور..

وبالتالي لو كان السرد اللغوي قادرا بمفرده على أن يفي بطموحات المبدعين ما كان أن يكون للفن التشكيلي مربع وجود واستمرارية أصلا.. وجوده من بداية الخلق أساسي باقي ومستمر ولا لغة ولا تعبير وجود بدونه.. لذا الفنان التشكيلي كاتب والكاتب فنان تشكيلي.

- لا أستغرب نهائيا ما ذهب اليه الشعراء المعاصرون الغربيون في شهادتهم التي تقول وتخص التشكيليين: علمونا كيف نرى، علمونا كيف نصنع تكوينا، وبالأحرى علمونا كيف نكتب.

- الكل معا اختصاريا كان بيانا وتبيينا لأجمل ما في الكون..


الموضوع قابل للإثراء وابداء الرأي..


بوكرش محمد الجزائر 15/03/2017








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح