" النظام المغشوش.. والبناء المغشوش" / بشير حمادي



" النظام المغشوش.. والبناء المغشوش" / بشير حمادي

منذ أحداث أكتوبر 1988 التي أسماها البعض ثورة شعبية ورفع ضحاياها فوق مرتبة شهداء ثورة التحرير، والجزائر ما إن تخرج من أزمة حتى تغرق في أخرى، وما إن تنقشع عنها غمة حتى تعمها أخرى!
ومنذ أحداث أكتوبر 88 التي "أسقطت" النظام الأحادي وأنجبت لنا "التعددية الديمقراطية" والنظام يزداد أحادية، ومنذ ذاك وهو يزداد ابتعادا عن الشعب، وعن انشغالات البسطاء والمسحوقين منه الذين يزدادون عددا وسحقا من سنة لأخرى.
وكلما ازداد النظام المفترض أنه "تعددي وديمقراطي" انغلاقا واستبدادا، كلما ازداد ابتعادا عن الجماهير واقترابا من الأنظمة المافيوزية القائمة على زمر عشائرية أو عرقية أو لغوية، وكلما ازدادت الهوة عمقا بين الحاكمين والمحكومين، كلما ازداد المحكومون كرها وازدراء للحكام، وفجّروا غضبهم في رموز النظام كلما سنحت لهم الفرصة، ووجدوا ساحة للنزال يحققون فيها انتصارا معنويا على النظام، ولو بالصراخ والشتم و"التطياح"..!
وعندما تتجاهل وسائل إعلام النظام الثقيلة والخفيفة العلاقة المتشنجة بين الحاكم والمحكوم، بل وتقدمها على أنها علاقة ود ومحبة وهتاف بحياة الرئيس في كل مكان "يتكرم" بزيارته، وعندما تزيّف وسائل الإعلام الخاصة الحقائق وتتحول الى ما يشبه المهرج في السرك، يلجأ "الغاشي" الى وسائل التعبير الخاصة به.. يلجأ الى المساجد ليحولها الى منابر للخطابة ومحاربة فساد النظام متمسكا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وعندما يغلقها النظام، يلجأ "الغاشي" الى الملاعب التي يتعذر عليه إغلاقها، ويصبح حضور رئيس الجمهورية مباراة واحدة في السنة جحيما لا يطاق، مما يسمعه من شعارات وعبارات مناهضة للنظام وجارحة للرئيس، لا تتقيد بقانون ولا بضوابط أو أخلاق! وعندما تغلق المؤسسات والدوائر الحكومية في وجه المواطن البسيط، ويصبح الحصول على رخصة الدفن يحتاج الى المعرفة والوساطة يلجأ "الغاشي" الى الشوارع يقطعها، والى الساحات يعتصم بها، مطالبا رموز النظام بالنزول اليه، وغالبا ما يتحول الاحتكاك الى غضب وتدمير وحرق!
وكلما ازدادت العلاقة توترا بين "الغاشي" والنظام، كلما ازداد أهم رموزه خوفا من هذا "الغاشي"، ومن انتقامه إذا ما تمكن من حكم نفسه بنفسه، وازدادوا بالتالي انكماشا، وبحثا عن أراذل القوم وأسوئهم ليكونوا ستارا وسياجا لهم.. وهؤلاء الذين يقومون بدور الكلاب وفاء لسادتهم، ونباحا على كل من يقترب منهم، ونهشا فيمن يمسهم، هم الذين يغذون الخوف من "الغاشي" ويعمقون الهوة بين النظام و"الرعاع" الذين يستحقون الضبط والربط والقهر!
لم تعد القصور الموجودة عندنا التي يقيم فيها رموز النظام قريبة، ولا معبرة عن "الغاشي" في هذا البلد، حتى قصر الشعب الذي "أعاده" يوما الرئيس المرحل للشعب كما قال لم يعد الشعب يشعر بأنه يتحسس نبضه، فقد تحول الى حائط مبكى لعائلات المفقودين، ولا من مجيب. قصور النظام أصبحت قلاعا يتعذر على المواطن الاقتراب منها، وأضحى الوصول الى قصور الملوك والأمراء في الأنظمة الملكية العربية والغربية، أسهل من الوصول إليها. وأصبح الوصول الى المقيمين فيها ممن انتخبهم الشعب افتراضا أصعب من وصول الشعوب الأخرى الى ملوكها وأمرائها، ممن "اصطفاهم الله" للملك!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح