الأجدر بكم أن تصمتوا لبعض الوقت ! / الحبيب السائح

الأجدر بكم أن تصمتوا لبعض الوقت !

الحبيب السائح

وددت لو أني ما تدخلت في موضوع "اللغة العربية" الذي تحركه، لأغراض ضيقة ونفعية وأنانية، الأيديولوجية الجديدة المهددة لأحد مكونات وحدة الجزائريين.

فصحيح أن اللغة العربية، في الجزائر الآن، في وضع لا تحسد عليه؛ مثلها مثل ثقافتنا الوطنية بكامل روافدها. 

ولكني وجدتني، كما لا بد كثير من الجزائريين، في قلق أمام هذا الدفق من "التحامل" الذي يكاد يتحول إلى "حرب ارتزاق" على اللغة العربية، عبر بعض وسائل الإعلام ووسائط الاتصال الرابطة لها، يغذيها بعض "المثقفين والكتاب والخبراء" تجاه اللغة العربية، لزحزحتها من الفضاءات التي تحتلها؛ استبدالا لها بلغة أخرى يعرف الجزائريون جميعا غايات من يعمل على تكريسها في الجزائر، حد القتال، ويتلقى، من أجل ذلك، الدعم اللوجستي والمالي.

فهؤلاء الذين يتكلمون، عن أفول اللغة العربية وعن موتها الحتمي، لأنها لا تنزل إلى درجة اللهجة الجزائرية، يفعلون ذلك من غير معرفة باللغة العربية، أصلا. بل، إنهم غالبا ما يفعلون ذلك لأن اللغة العربية تقهرهم.

وإنهم يفعلون ذلك من غير اطلاع على غنى اللغة العربية في الشعر والفلسفة والتاريخ والاجتماع والترجمة والرياضيات وعلوم الحياة والبرمجيات والرواية، الآن، والنقد واللسانيات والإعلام والتواصل.

فالأجدر بمثل هؤلاء أن يلتزموا الصمت قدر ما يكفيهم من الوقت ليتعلموا اللغة العربية، كما فعل من قبلهم المستشرقون، ثم يقرأوا، تدريجيا، كما أطفال المدارس، كل هذا التراث، كل هذا الأثر الذي خلفته اللغة العربية وتخلفه؛ بعيدا تماما عن "القرآن"، بعيدا تماما عن "الخطاب الديني".

وإنه ليظهر، للعيان، من حملة "الحرب" هذه، أن ما يرعب هؤلاء "المقاتلين المرتزقة" هو هذا الجيل الجزائري الجديد الذي يفكر باللغة العربية، ويبحث بها ويكتب بها أدبا يترجم إلى لغات أخرى، ويتواصل بها؛ بغض النظر عن لغة أمه ومنطقة لهجته أو لغته الثانية، ويتطلع عبرها إلى لغات عالمية أخرى.

اكتبوا، في الجزائر، بأي لغة اخترتم، بأي لهجة شئتم، فإن العربية لا تمنعكم.

اكتبوا بعربيتكم التي تتصورونها خارج هذه اللغة العربية ذات النظام النحوي والصرفي والمجازي المكتمل، فمن يمنعكم؟

اتركوا العربية لحالها؛ لا تتباكوا عليها بهذا الفيض من النفاق والتبْييت. 

ثم، كونوا نزيهين مع أنفسكم؛ لا تكتبوا باللغة العربية؛ فإنها "متخلفة" و"آيلة إلى زوال"!