((مؤتمر الحمير)) / فاديا عيسى قراجه


((مؤتمر الحمير))


فاديا عيسى قراجه 

 سيدي وحبيبي عزيز نيسن لقد ورثنا الحمرنة لا أدري من أين, وكنا نقرأ عشقك للحمير بتندر وسطحية دون أن نعرف بأنك كنت تكتب وجعك وقهرك .. نتبادل معك الأدوار ونتماهى في حمرنتنا التي ما شهدها تاريخ .. بالاعتذار مسبقاً من الحمار نفسه .. فسلام لروحك التي تنعينا وتبارك للحمير الذين يلعبون بالنار ولبلادة في أحاسيسهم وموت في قلوبهم, ربما ولكونهم ورثة الحمير بامتياز, لا يشعرون بالحرائق التي يشعلونها . ربما لأنني أملك ما يكفي عشر نساء من الذكاء والنباهة والثقافة بأنواعها, والجمال والمنطق وحسن السيرة و السلوك, وسرعة البديهة, والمواقف الحيادية أمام قضايا مفصلية, وأكثر من ذلك هناك جانب اجتماعي حقق لي هذه الميزة وسوف تعرفونه من سياق ما سأرويه عليكم .. كل هذه الأسباب وغيرها جعل مني السكرتيرة الممتازة للحمار عالي المقام .. وهذا المنصب قدمني كسيدة مجتمع راق, ومتنفذة في أكثر مفاصل الدولة حساسية .. فكلمة مني تقلب أعتى امبراطوريات الإعلام رأساً على عقب .. وبإشارة مني تتغير سياسة هذه الأمبراطوريات فالذي كانت تلعنه في الماضي وتفتح دفاتره القديمة وتنشر غسيله الوسخ, يصبح في ليلة و ضحاها حليفاً استراتيجياً وشريكاً في القرارات والتصفيات والمباحثات بل ربما يصبح شريكاً في اللون السياسي والاقتصادي, ولست هنا بصدد نفي أو إثبات مشاركتي بتوريط رجال ونساء إعلام بقضايا فساد وأخلاق مما يجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يتركوا امبراطوريات إعلامنا أو يجرؤون على تسريب أسرار غرفها متعددة الوظائف, وهذا ما يفسر ردود أفعالهم الوحشية, وشراستهم في التعامل مع الضيوف المحسوبين على طرف معاد لمولانا .. أما جمهور امبراطوريات إعلامنا فهم قاعدة شعبية ونخبوية طويلة عريضة وهم أوفى من سلالة الكلاب الأعزاء في متابعتنا وتصديق كل ما نعرضه أمامهم مهما شطحنا, وأي جهة أو اسم تناولنا, ويعملون معنا سراً وعلانية تحت شعار (إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد ) .. ولإعلامنا غرف متعددة الاستخدامات وأمتعها هي غرف تصنيع الفنانين والراقصات وتسويق قناعاتهم, وطرق عيشهم, وأكثر من ذلك هناك غرف لتصنيع سيدات المطبخ وإدارة غرف النوم والاستقبال أو ما يسمى (الإتيكيت), ونجوم الرياضة والغناء, ورجال الأعمال, ونجوم الغد وما بعد, بعد الغد .. ولكل منهم ميزانيته الخاصة, وطريقتنا المنهجية في التسويق له وتقديمنا وتأخيرنا لمنجزاته وهذه الامبراطورية تخضع لمزاج عالي المقام .. وليس هذا هو امتيازي الوحيد فأنا سكرتيرة الحمار عالي المقام لي أذرعي الممتدة فوق أسرّة نوم الوزراء والسفراء ومن لف لفهم, وأذرعي التي لن أطلعكم على سرها, تحدد أوقات المضاجعة والتوالد ونوعية المواليد, وربما ترصد أفكار الأزواج والزوجات أثناء المضاجعة وتسجل خيانات مفترضة قد يحاسبون عليها إن اقتضى ذلك.. وأذرعي الطويلة الباع لها في الإعلانات التجارية وأسماء المعلن حيث بإمكاني استبعاد أسماء واستجلاب أسماء أخرى, وكم من زعامة انهارت فوق أقدام زعامة وافدة سرقت المعلن والسوق والأضواء .. حتى ما يسمى ظلماً وعدواناً ملاه ٍ ليلية فأنا بلا فخر أضبط ساعة البدء فوق حلباتها, حيث ينتصف الليل وتختلط الهمسات, ويصبح البوح والتشكي سيدا الموقف, وعلى هذه الحلبات الحمراء ما بشبهها حد التطابق فوق المنابر الثقافية .. فالثقافة والخلاعة وجهان لعملة واحدة وإياكم أن تسألوني أي تفسير لأنني سأتهمكم بالغباء والعمى .. حيث لم ينسَ أحد منا كيف تطور الحال مع راقصة التعري من راقصة درجة عاشرة إلى داعية ثم نيلها دكتوراه فخرية في فن إدارة رياض الأطفال, وسوف تعرفون أنها لم تنل هذه المراتب إلا لسد فمها الكبير .. وهي لمن لا يعرفها, صديقة طفولتي, وكلانا خرج من منبت واحد بحثاً عن عالمي الشهرة والمال .. لا أنكر بأنني عملت في ملهى القهوة السمراء ولكن وبزيارة خاطفة للحمار عالي المقام للمكان, وبعد دراسة مضنية أجراها رجاله عني و عن صديقتي تبين أن الراقصة تجتمع مع طبقة الفقراء وتتعاطف مع قضاياهم, وتستلهم من المفكرين الكثير من القيم التي لا ترتدع عن التصريح بها هنا وهناك, أما أنا فتبين أنني حسنة السيرة والسلوك وحائزة على شهادة البكلوريا الأدبية وأمتلك المقاييس كلها كي أكون صاحبة الحظوة والمناصب البراقة .. في كل عام يجب أن أعيش أجواء الاستنفار والترقب حيث يصادف كل ربيع سفر حمارنا العالي المقام للاستجمام مدة أربعة أشهر بأيامها ولياليها وتقع مسؤولياته مجتمعة فوق رأسي حيث يجافيني النوم, ولا يهدأ هاتفي الموصول تقنياً بهاتف سيدنا وهذا الأمر اكتشفته بذكائي الذي حدثكم عنه في بداية رحلتي الحميرية .. وللنكتة المحضة أنني في غياب مولاي أقيل مدراء وأعيد مدراء .. أغير في طاقم الوزارة, أو أستبدل حقائب بأخرى, ومرة جرّبت أن أغير مواعيد العطل الرسمية, والوطنية, ومواقيت الصلاة دون أن يلحظ سيدنا المبجل هذه التغييرات, وإن اكتشفها مصادفة فيكتفي بالتربيت على كتفي وإطلاق نظرات خبيثة لها مداليل التقدير والإعجاب .. أما أصحاب المعالي الذي يتم إقصاءهم أو استقدامهم فيظنون أن مولانا هو من يقيل وينصّب .. لأن سفر مولانا السنوي يجري عبر تكتم شديد خشية أي انقلاب أو حركة معادية غير محسوبة النتائج من دولة متربصة .. قرأت كما قرأ غيري بدهشة كبيرة على شاشة التلفزيون قرار الحمار عالي المقام بعقد اجتماع تاريخي يضم شرائح المجتمع وطبقاته من الوزير حتى عامل التنظيفات, وُطلب مني ومن طاقمي الإسراع بالتوجه إلى مكتب الحمار كي يتم التنسيق بين كافة الأطراف وعلى أعلى المستويات .. وكالعادة كنا على وشك طرد جحافل الصحافيين وتكسير كاميراتهم, ولكن المفاجأة كانت أكبر من أن نتصورها فقد صدر أمر حميري بالسماح للصحفيين ومن لف لفهم بحضور هذا الاجتماع لأنه أساساً سيبث على الهواء مباشرة حيث سيتابعه العدو قبل الصديق .. قبل الاجتماع أصغينا بخشوع لنشيد النهيق الوطني الذي يجب أن يتكرر ثلاث مرات .. هئ... هئ..... هئ . وبعد ذلك قبلنا خاتم الحمرنة الذي توارثه مولانا عن الجد الأول لآل حمار عاليي المقام .. بعدها خرج حمارنا عالي المقام لملم عباءته التي تكاد تتمزق على جسده الضخم .. وقف يتأمل هذا الشعب العظيم .. فتح ورقة صغيرة وبدأ يتلو ما فيها : أيها الشعب الصابر : بعد جهد جهيد ونضال مجيد قدمنا خلاله الأبناء والأوطان, وبعد تقديم الكثير من الوثائق والإثباتات والأدلة المقرونة بالصوت والصورة الثابتة والمتحركة شملت تاريخاً طويلاً من المعاناة في سبيل حصولنا على هذا الاعتراف تقرر عالمياً ومن أهم مجالس الأمم شهرة, أن أكون أنا وسلالتي الحمار المختار على كافة الأمم التي تتلون بلوننا وتأتمر بإمرتنا, وتقرر أن يطلق علينا منذ هذه اللحظة وبكل فخر واعتزاز : شعب الحمار المختار

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح

آعـظـم 100 كتاب فـي تـاريخ الـبشريـة ... (جميعها جاهزة للتحميل)