شربة / الشاعر صلاح الدين مرزوقي
شربة / الشاعر صلاح الدين مرزوقي
تقدم رجل رث الثياب متثاقل الخطوات على وجهه صفرة توحي بتعب كبيريشتري شربة وقت الإفطار ، وكان صاحب المطعم شابا وسيما زادته لحيتة السوداء المتدلية على صدره وقار العارفين ويوحي وجهه المشرق شبابا بسخاء الأكرمين ، كان يرتدي قميصا صينيا متقن الصنعة أبيض ببقع ثلجية تزين رأس جبل ، وساعة سويسرية لا تقدر بمال تجمل معصمه الأيمن وجورب فرنسي نسيجه من الحرير الغالي الذي لا نعثر عليه إلا في محلات شانزليزي فقال الرجل بصوت خافت تخنقه نبرة حزن شديد لا يكاديسمع : الله يحفظك طبسي شربة وكان البائع جالسا مثل عزيز يهابه الناس وبين يديه مائدة كالتي أنزلها الله على الحواريين ... لحم طير مما نشتهي وفاكهة وعصير وماء بارد وخبز وسمك ..فنهض البائع وأعطاه صحن شربة تسبح فيها قطع صغيرة من اللحم ، فمسك الصحن ويداه ترتعشان وبدأ يرتشف شربته وهوواقف وكأنها قدر من العسل الأسود النادر ويتلذذ طعمها الميت..فصرخ البائع في وجهه : ألا تخاف الله يا رجل كل شربتك وأنت جالس حتى لا يشاركك الشيطان إياها ....فابتسم الرجل إبتسامة حزينة تشبه إلى حد بعيد لوحة فاخوخ وقال له : أيعقل أيها الشاب الأنيق المتدين أن يترك الشيطان كل هذا الجمال الذي بين يديك ويطمع في شربة بالية من رجل متعب مثلي .
تعليقات
إرسال تعليق