ما الذي يكون تغير..؟ / الحبيب السائح
ما الذي يكون تغير..؟
الحبيب السائح
صوت الأحرار: 24 ماي 2012
من بين الأسئلة التي كانت الصديقة وهيبة منداس الإعلامية في جريدة صوت الأحرار طرحتها علي خلال محاورتنا في 2007، تمهيدا لصدور روايتي: مذنبون؛ هذا السؤال كما هو:
ما هي قراءتك الأولية للفضاء الثقافي والإبداعي في الجزائر؟
وهذه إجابته الحرفية:
بصدق، لا أحس نفسي داخل أي فضاء. لكن سؤالك يرميني إلى أعوام السبعينيات والثمانينيات لأجدني داخل المقارنة الحتمية بين تلك الأعوام الذهبية وبين ما آلت إليه حال الثقافة والإبداع في هذا الزمن الجحود الخالي من طعم الحياة والعاري تماما من أي مسوح جمالية.
ليس ذلك مني حنينا، ولكنه الحقيقة المرة لراهن بلد عظيم كالجزائر. الجميع، كتابا وفنانين وإعلاميين وباحثين ومسئولين، يعلمون تلك الحقيقة. ويبدون عاجزين عن إيجاد الصيغة التي تخلق ذلك الفضاء.
إن مسئولية الدولة كائنة في رفع يدها عن الدعم. فمن ثمة وقع التردي. كذلك فإن مسئولية السياسي، في اعتباره الثقافة والإبداع من (الكماليات) وأحيانا من (الصبيانيات) وأحيانا أخرى من (المروق والانحلال) يزحزح أهم مقوم في بناء الشخصية الإنسانية إلى آخر درجة في سلم اهتماماته التي غالبا ما هي آنية وأنانية.
الأدباء، والأدباء الشباب خاصة، والمسرحيون والسينمائيون والفنانون من رسامين ونحاتين ومزخرفين... يعيشون الآن خارج أي فضاء. إني لا أقصد بعض الذين هم تحت جناح جمعيات تحت الطلب. أتصور أن الثقافة والإبداع، في الجزائر، لا يشكلان الظاهرة العادية للحركية الفكرية والجمالية التي تطبع حياة المجتمعات حتى تلك التي لا تملك جزءا من المائة مما تملكه الجزائر من موارد مالية وبشرية هائلة.
تصوري بلدا كالجزائر لا يملك لحد الآن أي مجلة ولا ملاحق متخصصة في الآداب والفنون! فقد تم التنازل، بفعل الحسابات الضيقة، عن ميراث عظيم من الصناعة السينماتوغرافية ومن الفن التشكيلي ومن الإخراج التلفزيوني ومن البث الإذاعي الناضج. كما أضيعت، وإلى الأبد، تلك القاعات السينمائية التي تشبه المعابد في روعتها وفي صمتها وفي رائحة خشب مقاعدها، ثم في عظمة شاشاتها التي تعطي أي فيلم أبعادا سحرية لا تحس إلا في قاعة سينما.
بما ذا أجيبك؟ إني حزين! كان الكتاب يطبع في الرغاية أو في غيرها وبعد أيام قليلة يصل إلى مئات المكتبات التي كانت تغطي الجزائر من أقصاها إلى أقصاها... حينها كانت إرادة الدولة قائمة وفاعلة؛ لأن الكتاب، مثله مثل الدواء والخبز، من مسئولياتها.
فعلى الحكومة أن تجد الصيغ الملائمة لدعم نشر الكتاب وترقية الفنون، كل الفنون، بعيدا عن احتكار النظام لأي منها؛ لأن الآداب والفنون لا تتطور إلا في فضاء من الحرية الكاملة.
وبالعودة إلى الإجابة، بعيدا عن أي نزعة تشاؤمية، لأني لا أفتح لها نافذة لدي، أتساءل: ما الذي يكون تغير إلى منتصف 2012؟
تعليقات
إرسال تعليق