"شهوة فِعل"..علِّقْ شِفاهَكَ في فمي.. / نسيبة عطاء الله
"شهوة فِعل"..علِّقْ شِفاهَكَ في فمي.. / نسيبة عطاء الله
لا ألومُ جاهِلا دقَّ جرسَ بابي وهرب:
في إحدى أمسيات واد سوف الشعرية من ملتقى أضواء الأدبي, حين صعدتُ على المنصة كنتُ محتارة ماذا أقرأ, فارتجلتُ أبياتا أهديتُها للفنانة دنيا الجزائرية التي كانت أجمل الحاضرين, فيما بعدُ قررتُ أن أتركَ للجمهور الاختيار: فقلت هل تريدون "وحيَ العسَل" أم "شهوة فِعل".. فنطق الجميعُ بصوتٍ واحد "نريدُ الشهوة"!
فهِمتُ وقتَها أنّنا جميعا نُريدُ سماع ما لا نستطيعُ قولَه, ما لا يجرؤ كثيرون على صياغتِه أو التعبير عنه, وما تتعطشُ إليه أنفسُنا, لأننا بشكلٍ ما "نرغب"
...........
قصيدتي كان مطلعها "علِّقْ شِفاهَكَ في فمي.. لأقولَ مَنْسِيَّ الكَلامْ"
هي من أكثر القصائد التي آلمَتني وكتبتُها بنفَسِ الأُنثى الأنيقة الحواس, والتي تمنَّعت عن أنوثتِها الفارهة لأنها امرأة المشاعر قبل الحواس, أميرةٌ قبلَ أن تكونَ شاعرة.. أميرةٌ تكتبُ عن الشواطئ والغابات التي تقفُ الأسوارُ حائلا بينها وبينها, وصعبٌ أن يفهمَ أولئك الذين ترعرعوا في إسطبل المفردات وشوارعِ المعنى أن يفهموا مغامرات الأميرات, وركضهن في ثياب الجواري في الحدائق المظلمة ليستنشقن عِطرَ الحياة, وليرتشفنَ قُبلةَ حُريّة.
وكان من بين الحضورِ رجلٌ من طبقةِ "سائسي الأحصنة" أرادَ أن يضعَ على صهوتي سِرجا شائكا, أرادَ أن يكتم أنغامي بلِجامٍ من حديد, لأنني آذيتُهُ في الصميم, أصبتُهُ في الدَّهشة, وأنزلتُهُ من صهوةِ فرسٍ لا يليقُ بهِ إلى طينهِ الذي جاءَ مِنه, لم يتقبَّل فكرةَ أن تعتليَ أميرةٌ صهوةَ جوادٍ لم يدخُل يوما إسطبلا ولم يُغلِق عليه سائسٌ بابَ حظيرة!
آلمَهُ أن أكونَ امرأة تقودُ الجِيادَ الوحشيّة. امرأةً تقودُ ولا تُقادْ.
لذلك تركتُهُ يدورُ في نفسه ويتخبط في كلماته التي أرادَ مِنها أن تُسقِطَ عن رأسيَ التّاج. لكنَّه تعثَّر كثيرا وهو يركضُ حتى يَنالَ مِنِّي.
وبدلَ أن يُسقِطَني سقَط.
ويبدو أنَّهُ داخ كثيرا وهو يستمعُ إليّ, عقلُهُ الذي بحجمِ "سرير" لم يُفَسِّر الحروف إلا في لباسِها, وليقول لي أنَّ الشِّعرَ عاطفةٌ وليس غريزة, خبطَ في الجِدار وصارَ يتغنَّى ب"ثدي مسعودة"!
مُستعمِلا "لفظا" هو في هويتنا الوطنية بذيئ جدا و "عيبٌ" جِدا
فمَن مِنَّا الذي كان يتحدث عن غريزته أنا أم هو؟
آلمني أنّهُ دكتور في الجامعة, تُرى ما الذي يحشوه كائن كهذا في عقول الطلبَة, أتخيلُ أنه يحشوها بالحجارة ويبني ويُعلّي ناطِحات العِناد فيهم, يصنعُ عاهاتٍ إنسانية مِثله لتواصِلَ بعدهُ طريق التصحُّرِ والجفاف.. مِن أينَ تمرُّ المِياه؟ أتساءلُ بغَيظ, إلى متى يمارس هؤلاء علينا حدودهم ويسيجون أفكارنا وخيالَنا وعواطفنا؟, إلى متى مِن حقِّ مسعود أن يتغنى ب"ثدي" مسعودة -وليته سماه ثديا- كما يشاء ولا يحق لمسعودة أن تعبرَ عن كيانِها كما تشاء؟
الدكتور الجامعيّ إعتلى المنصّة حتى يرمي في وجهي سِهامَه المسمومة, إعتلى المنصَّة لأنَّ الأقزامَ لا تُسمَعُ أصواتهم, وألصقَ فمهُ بمكبِّرِ الصّوتِ حتى ينفثَ كيرَه, ولا عجَب, لا عجَب أن يقِفَ رجُلٌ دكتور شاعِرٌ في الستين من عمره ليُحارِبَ أميرةً شاعرة صغيرة, فقط لأنها قالت ما لم يستطع قولَه "لمسعودة"!
وصفَني ب"المعسكرية" ظنًّا منه أنّه بذلك يَخِزُني في السُّلالة لكنَّ التاريخ علَّمني أنَّ شوكةَ الصِّغار لا تَخِزُ ولا تُدغدِغ. أرادَ أن يوجِّهَ إليَّ نصائح الأبوَّة, وأنا أعرِفُ أن الأميرات يلدِهنَّ الملوك وليس العبيد!.. أرادَ أن يصفعَني بكوني أميريَّة والأميراتُ في عرفِه لا يحلِّقنَ مع العصافير والفراشات بل يكتفين بالنظَر إليها من النوافذ والشرفات. تركتُهُ يقولُ ما يشاء وأنا في كامل هدوئي وكبريائي, لم أرُدَّ عليه ولم تتحرَّك مني خليَّة, فأنا مُثقلةٌ جِدا بالعزة وما أرتديه من كنوز لا تهزُّهُ رياحٌ عابرة, وجواهري لا تتساقطُ لأنها ليست مزيفة. حينَ أتكلَّمُ "أعصِفُ أو اُحرِق" لكن لا شيءَ كان أمامي يستحق.
إنَّ الأميرَ عزيزٌ حتى في ثِياب الخَدَم, والخاِدمُ عبدٌ حتى على عَرش.
لم أتردَّد أبدا في كتابة هذا المقال, لأنَّ الأمرَ يتجاوزُ شخصًا واحِدا فقط, الآفةُ عُصبتُها كبيرة وفي كل مكان هنالك من يعتلون المنابِر ليتفقَّهوا في الأخلاق ويترهبنوا في الحُبّ وهم جياعٌ يقذفون لمجرَّدِ سماع كلِمةِ "شهوة", وقد قرّرتُ من تلكَ اللّحظة وصاعِدا, أن اكون صوتَ الأميرة والأُنثى الشاعرة, لن تجعلوني أيُّها المتزمتون كاذبة, أنا إنسانةٌ صادقةٌ رغما عن "حيوانيتكم
تعليقات
إرسال تعليق