على قدر المستطاع من التشابه / وفاء عبد الرزاق

على قدر المستطاع من التشابه / وفاء عبد الرزاق

  

wafaa abdulrazagh

 مازال الظل مثقوبا فاغرا فمه.. ويتساءل. الكلمات مجرد كلمات لا تسأل ولا... لكن هو له تساؤلاته: - لماذا صنعوه من جلد فاخر؟ جلد حقيقي لثعبان سلخوه ليدبغونه بإحكام،،تلمسوه وتأكدوا من صفائه.. لا يحتاج لإضافة ألوان، فهو أسود مشبَّع بدوائر بيض،، مرقَّط جميل يسر الناظرين الباحثين عن التباهي والافتخار بثمنه الباهظ. الصانع الماهر وهو يصنعه على قياس 39 ويتفوه بتذمر، صدرت منه دمدمة: - جلد الثعبان للثعابين...نصنع من كل لون أربعة مقاسات فقط،، ونرفع أثمانها عاليا. حين اختاره ذات يوم الرجل ذو السترة الزرقاء الفاخرة ودفع ثمنه دون تفاوض،، طلب من حارسه أن يضعه في السيارة. كانوا صامتين، السائق والحارس والرجل ذو السترة الزرقاء،،وهو الغريب الوحيد في السيارة، تائه غير عارف لوجهته،، لا يشم غير رائحة غلاف العلبة التي وضعه فيها البائع ورائحة الرجل الذي اشتراه. كل له لغته ...غرباء عنه لا يعرف منهم سوى أعينهم المبحلقة. ركن السائق السيارة في مرآب القصر الكبير وأخذه إلى غرفة السيد، ثم تركه جانبا منتظرا أن يرحمه أحد ليعرف أين مستقره الأخير. السادة لا ينهضون باكرا،، ويتأخرون ليلا. دخل السيد إلى غرفته ثملا ورائحة الخمر تلوَّث هواء الغرفة، نظر إلى العلبة التي رفع السائق عنها الغطاء وأمعن النظر في تفاصيل الحذاء. في حينها،، تمنى السائق أن يملَّ منه سيده ليلبسه، خاصة وأن مقاس قدمه 39 كما السيد. شعر الحذاء بيد السيد الثقيلة وهو يرفعه من غرفته الصغيرة ويضعه أمامه،، تجشأ بعد وجبة دسمة ومسح جلده الأملس. قال في ذاته: - ما أنا إلا حذاء سيدي وصنعوني لأكون في خدمة قدمك. فتح الرباط عنه، لكنه تململ وقال غدا يومك ،،لي موعد مع السيد الرئيس. استغرب الحذاء.. ترى هل للرؤساء رؤساء ! وقت ودع الحارس سيده إلى غرفة نومه قال له: - نوما هانئا أيها الرئيس. نظر إلى قدم السيد اللينة المترفة وجواربه البنية واستبشر خيرا رغم سمنة الرجل وكرشه المتهدل. لم ينقض خوفه مما سيحل عليه غدا.. لكن. في الصباح وخارج حدود الطاولة الكبيرة لم يسمع غير الشتائم تصب على رأس السيد،، بينما عشرات من الأحذية مثله تنتظر حركة أقدام سادتها لتتخلص من هذه الساعة اللعينة. لمح حذاء الرئيس الكبير من أسفل كرسيه المصنوع من جلد كوبرا نادرة، يتلون بعدة ألوان حسب الضوء الساقط من النافذة عليه وحسب مزاج السيد الكبير. حين غضب على الآخرين أصبح داكنا، ولما سمع السادة الآخرين يتوسلون الهدوء لسيدهم الأكبر تلون بلون رصاصي لامع. لماذا كل هذه الضجة الصادرة من حذاء وكرسي؟ مجرد سؤال طرأ على بال حذاء. حذاء الرئيس ضاج مثله وعابس في وجوه باقي الأحذية. وقف ذو الحذاء الضاج مؤشرا بإصبعه: - لا أعرف من أية جلود أنتم وكيف ترضون لرئيس الوزراء أن يتآمر على الحكم ..أنا باق وبقوتي سأقهركم جميعا وما جلدك أيها السافل إلا جلد كلب حقير. سحبوا السيد وقادوه حيث أمر الرئيس إلى غرفة خاصة ريثما يصدر مرسوم بتنحيه عن رئاسة الوزراء. انتظرا حتى خيم الليل. .. نظرا إلى بعضهما،،، جلد أفعى متعب من ثقل رجل أكرش،، وجلد الكلب.

تعليقات

  1. أفاعي ثعابين وعقارب في سلة واحدة...هي الأنطمة العربية.
    من أحسن ما قرأت هذا الشهر..سلمت وسلم قلمك

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح