آلهة الخشب والجدران المحرمة .../ د . أحمد شنة
آلهة الخشب والجدران المحرمة.../ د. أحمد شنة
الشجاع لا يموت إلا مرة واحدة، أما الجبان فانه يموت أكثر من مرة، كلما شعر بالخوف أو أحدق به الخطر،وكذلك الشأن في هذا المضمار، مع من يسرقون أقواتنا، باسم تحقيق التنمية،ويتاجرون بأحلامنا ،باسم تعزيز المسار الديمقراطي،ويخنقون الفرحة في عيوننا، باسم العدالة وبناء المستقبل،ويتصورون أنفسهم، أمام رفضنا المؤجل، آلهة لا تنطق على الهوى،لأن كل ما يصدر عنها من قرارات، إنما هي وحي يوحى، فإما الرضا بما نحن فيه من كمد واستكانة، وإما الاستعداد لتلقى عقاب هذه الآلهة التي ليس من صفاتها الرحمة والغفران،لأنها كائنات من خشب، لا تسمع ولا ترى ولا تعقل، إلا ما يوسوس لها به المنتمون إلى بلاطها، من بطانة السوء، وشياطين الإنس من كل صنف.
هؤلاء اللصوص والسماسرة وأصحاب القلوب الغليظة،هم أكثر الناس جبنا ،فليس فيهم من يملك أدنى ملامح الشجاعة، ليعلن على الملأ فشله الذريع، في الوفاء بأبسط العهود التي قطعها أمام الناس،وهو يلعب دور الآلهة أيام الإغريق، في توزيع الأرزاق والثروات، والتكرم علينا بالفتات وبقايا موائد تلك البطانة التي أهلكت الزرع والنسل،ونفثت في سمائنا الزرقاء كل السموم والغازات والأدخنة،وأسلمتنا لغيلان اليأس والاستقالة المعنوية،وحرمتنا من ممارسة أبسط وظائف المواطنة،بل وجردتنا من أبسط وظائف الإنسانية..
لقد أعطاهم صمتنا الممتد في الزمان والمكان، حقوقا شرعية وقانونية، في اقتيادنا كل مساء إلى الاصطبلات كالأنعام،كما أعطاهم الشرعية في اختيار نوع العلف الذي نأكله، دون أن يكون لنا الحق في الممانعة أو الاحتجاج،فان تفضلوا علينا ببعض الحرية ،وسمحوا لنا أن نجهر بتذمرنا وشكوانا،فأنهم يقابلون مطالبنا بسخرية مريرة،ولسان حالهم يقول: ( سبحان الله..حتى الأنعام صارت تعرف الديمقراطية وتطالب بالحقوق؟؟؟..أتركوها تحتج وتتظاهر وتصرخ وتكتب البيانات، وتعطل حركة السير في الطرقات،وتشكو ظلمنا للهيئات والمنظمات الدولية، وتوزع المنشورات على الصحافة، فإنها سرعان ما تعود إلى هدوئها المعهود،وتدخل إلى اصطبلاتها راضية مرضية، حين نرفع من مستوى الأملاح في العلف،ونعفيها من حمل الأثقال بضعة أشهر...)..
لقد أدركت هذه الآلهة، أن صمتنا يترسخ كلما كل مرة،حفاظا على ما تبقى من رمق فينا،بعد أن طحنتنا سنابك الإرهاب والفساد، فلم يعد في استطاعتنا، ونحن على هذا الوضع البائس، أن نفكر في تمزيق ستائر وأردية الخوف،فبادرت إلى مزيد من الطحن والتفتيت، لآخر ما يختلج في صدورنا من أنفاس، حتى تضمن لهذا الصمت المزيد من التأصيل..وتضمن لنفسها المزيد من التبجيل،أمام آلهة العالم الجديد..
كما أدركت أن نخبتنا قد سلمت أقلامها عن طواعية ،وأسلمت الروح لهاوية الفراغ والبطالة والصمت الرهيب، منذ قرار شيخ النخبة،الأستاذ محمد البشير الإبراهيمي اعتزال الناس والاعتكاف في بيته، إلى أن يلاقى ربه، ومنذ توقف قلب إمام النخبة، الدكتور مولود قاسم نايت بلقاسم عن الخفقان، ذات مساء شتوي، وهو يشهد انهيار كل قيم الأصالة ، وطموحات المعاصرة التي بذل لأجلها كل سنوات عمره ..
ليس لمثلي أن يحاول إحداث هذا الثقب الصغير في جدران الصمت المحرمة، تحت أي ظرف من الظروف،مادام العلف موجود، والرزق ممدود،لأن هذا النوع من الثقوب سرعان ما يتسع،ولا يمكن بعدها لأية قوة في الدنيا أن ترتقه أو ترقعه، وهو ما يعد كفرا صريحا بتلك الآلهة، وخروجا فاضحا عن قوانينها،ولكن يجوز لي، حسب ما فهمت من تلك القوانين،أن أكتب وأكتب وأكتب... إلى أن تجف أقلامي،أو تنقطع الكهرباء عن حاسوبي، وأن أصرخ وأصرخ وأصرخ... إلى أن تتقطع حبالي الصوتية،وتتوقف رئتي عن التنفس،فهي تدرك أن كتاباتي الجارحة أو صرخاتي المجروحة، لن تغير شيئا في هذا الوضع،ولن تصل إلى أية نتيجة، لأنها هباء في هباء،وباطل الأباطيل وقبض ريح، فلا هي ستحيي ضمائر تلك الآلهة المتخشبة، ولا هي ستصل إلى اختراق ذلك الصمت السرمدي..
فاكتبوا أيها المفكرون والأدباء والصحفيون، واصرخوا أيها القادة والزعماء والساسة، فالحرية تطرق أبوابكم، والمستقبل يعدكم بالكثير من الرفاهية والتطور،لا تشغلوا بالكم بما يشيع السفهاء مثلي، عن محاولات جادة لاختراق الجدران المحرمة، فذلك ديدن البلهاء والحمقى، وشريعة المجانين وذوي العاهات واللوثات العقلية، فأنتم الآن، وبعد أن كسرتم أقلامكم،وعطلتم ضمائركم، حماة للديمقراطية، ورعاة للوطنية، وسدنة للتاريخ، وحراس للثورة، فلا تعلموا أطفالنا وشبابنا كيف يفكرون ، فذلك إثم عظيم في حق الآلهة، ولكن علموهم كيف يقيمون حفلات الهالوين وأعياد رأس السنة،دون أخطاء بروتوكولية، أو خروج عن النص الأصلي،ولا تلقنوهم كلمات الشهيد العربي بن مهيدي، وهو يلفظ آخر أنفاسه الطاهرة تحت التعذيب، فإنها تشجيع للإرهاب وتحريض على العصيان المدني،، ولكن لقنوهم آخر أغنيات الشاب هواري المنار،حين غدر به الحب، وخانه الزمان..
لكم مطلق الحرية، وكامل الصلاحيات، في شحننا بما ترونه مناسبا من شعارات وبرامج وسياسات، فنحن رهن إشارتكم وإشارة آلهتنا المبجلة وطوع بنانها، وهي تدوس بأقدامها النورانية على رقابنا وعقولنا، لكي لا نزيغ عن الطريق،أو نستسلم في لحظة ضعف بشري،لوساوس الشيطان، وهو يحرضنا على إحداث ذلك الثقب المحرم، في جدران الصمت الوطني..
إذن فلتتقدس الآلهة في خوفها الأبدي،من أحلامنا المتواضعة جدا،تواضع صمتنا المرعب،ولنواصل الكتابة والصراخ بكل ما أوتينا من قوة، فالموتى لا يؤذون..
...ولكن يجوز لي، حسب ما فهمت من تلك القوانين،أن أكتب وأكتب وأكتب... إلى أن تجف أقلامي...
ردحذفأشد على يدك صديقي د. أحمد شنة..ونعم الكلمة..