المُقَاوَلَةُ الثّقافيَّة / يوسف الباز بلغيث

المُقَاوَلَةُ الثّقافيَّة


وجهة نظر - منتديات صامطة الثقافية 

 مـُخطِئٌ مَنْ يعتقدُ بأنَّ الثّقافةَ تتأتّى قِواها من أصحابِ الأفكارِ و الرُّؤى فحسب؛ لأنَّ القِوَى و المؤسّساتِ التي اليومَ أضحتْ مصالحُها مشتركةً و متداخلةً لابدَّ لها منَ الإقرارِ بأنَّ الثّقافةَ _ كجُزءٍ هامٍّ في عمليّةِ السَّيرِ الفكريِّ لسياسةِ تلك المؤسَّساتِ_ تحتاجُ إلى مقاوَلةٍ مُدَعِّمةٍ لوجُودِها ، مثلما تُثبتُ هذه الأخيرةُ تَوَاجُدَها على أرضِ الواقعِ بمشاريعَ تنمويّةٍ عقاريّةٍ، و تنسى تَوَاجُدَها كأفكارٍ و منهجيّات..! _ هل يمكنُنا إنشاءُ ( مقاوَلةٍ ) تدعمُ الثّقافةَ بجميع فنونِها ، و تعملُ على التَّرويج لها ،لبناءٍ فِكرٍ مكتَنِزٍ ماديًّا ، نيِّرٍ ذِهنيًّا ؟! .. إنّه ينبغي لكلِّ مجتمعٍ مستنيرٍ ، متقصٍّ لدروبِ التّقدّم أنْ يدعمَ الثّقافةَ فكرًا و فنًّا .. و ليس ما يصرفُه من مبالغَ طائلةٍ على مشاريعَ ضخمةٍ بكثيرٍ إذا ما وُجِّه خُمُسُ عطاءِ هذه القُروضِ أو أقلَّ من ذلك إلى الثّقافةِ..فماذا سيضيرُ المُقاولينَ لو ٱدَّخَرُوا جُزءًا يَسيرًا فصْليًّا لدَعْمِ كتابٍ أو مجلّةٍ أو موقعٍ الكترونيّ ؟ و قد تناهى إلى لُبِّ العاقلِ أنَّ ما يُبْنَى في سنينَ مآلُه السُّقُوط أو التّرميمُ أو الطّمسُ، و قد تناهى إلى لبِّهِ _أيضًا_ أنّ ما يُبْنَى من أفكارٍ و ثقافاتٍ لا تطمسُه الظّواهرُ الطّبيعيّةُ أو النّشاطاتُ البشريّةُ .و قد يحسنُ هنا الاستدلالُ بقولِ الخليفةِ " عُمَرَ بنِ الخطّابِ " ردًّا على رهطٍ أثْنَوا بعطاياهُم و تكرُّماتِهم على شاعرٍ لهم ، ذكرَ أيّامَهم و خلَّدَ مآثرَهم بشِعْرِه :" فَنِـيَ ما أعطيتمُوه ، و بقيَ ما أعطاكُم..! ". .. لا عُذرَ لمَنْ يقفُ بحِياءٍ و حِيادٍ من هذه النّهضةِ الحالمةِ ، المشتركةِ بين المال كآلةٍ مُحرّكةٍ و بين الثّقافة كرُوحٍ مُتحرّكةٍ ؛ و البخيلُ مَنْ يعتقدُ واهمًا بأنَّ دعمَ الثّقافةِ _ كأفكارٍ ترتبطُ بمدلولاتِ المواطنةِ و قيَمِ المجتمعِ و عاداتِه _ هو نوعٌ من فضولِ الأمُورِ يمكنُ أن يُساهمَ _ بشُحِّهِ _ في إفلاسِ الخزينةِ الفكريّةِ و الوجدانيّةِ و هوَ لا يدري البتّةَ أو يدري بجهله و قلّةِ فطنتِه ، إذ باتَ من الهامّ أنْ لا يظنَّ صاحبُ المال أنّ الثّقافةَ هي عنصرٌ لا حاجةَ للمجتمع إليه ؛ و قد ترسّخَ بإيمانِه أنّها من كماليّاتِ التّحصيل ، يمكنُه أن يتواصلَ بها لمُجرَّدِ حاجتِه إلى المُتعةِ أو التّسليةِ .. و هيَ سبيلٌ حَرِيٌّ بالمجتمع أنْ يسلكَها و يتقصَّى دروبَـها ، مادامتِ المادّةُ تحتاجُ إلى منهجيّةٍ فكريّةٍ ، تُرشِّدُ تصريفاتِها خدمةً للوطنِ و حفاظًا على مقوِّماتِه. و صدق ٱبنُ القَيِّم الجوزيّة حين قال :" البخيلُ فقيرٌ..لا يُؤجَرُ على فقره.. ". .. لو يصلُ لهيبُ هذه الظّاهرةِ إلى نُهًى حصيفةٍ و أحلامٍ واعيةٍ ، مقَدِّرةٍ لمدى تأثيرِها في تنميّةِ الذّوقِ و تأصيلِ الأفكارِ لَتَوَجَّهَ كلُّ مقاوِلٍ إلى إنشاءِ دارٍ للنّشرِ أو ساهم في إدارةِ جريدةٍ أو منبرٍ ٱلكترُونيٍّ في مقابلِ إدارته لمشاريعهِ التّنمويّة الاجتماعيّةِ من سكناتٍ و مرافقَ ، و لنَصِلَ إلى هذا الوعي و المستوى يجبُ إثراءُ سلسلةٍ من النّدواتِ تشيدُ بالقضيّة ، و تصلُ يدَ المقاوِل بيدِ المبدع تحت غطاءِ الثّقافة و برعاية و تمويلٍ ماليّ. .. في الأخير ستبقى فكرةُ " المقاوَلة الثّقافيّة " مجرَّدَ حُلُمٍ ، نجترُّ جماليّاتِه ، و حالما نفتحُ أعينَنا على الواقع يتراءى لنا زبدًا لا رجاءَ فيه..! فهل من مستجيب ؟ 

بيرين / جوان2012 
 http://elbez74.3abber.com/post/63495

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح