إيحاءات الثـــــــــــورات العربية / الباحثة التشكيلية يامنة الجراي
إيحاءات الثـــــــــــورات العربية
الباحثة التشكيلية يامنة الجزاي
المزاوجة بين
السياسة والفن ونقل الواقع المعيشي مثل في
كثير من الأحيان هاجسا فنيا، إذ يجد الفنان نفسه
أحيانا ناطقا بلسان عصره وشاهدا على فترة زمنية معينة عايشها، ومنهم على سبيل المثال الفنان "دي
لاكروا" في لوحته الشهيرة"la liberte guide le peuple الحرية
تقود الشعب.
فلقد نقل المعاناة
والتوتر والوحشية والموت تلك
المعاني ذاتها برزت في لوحة بيكاسو"" قيرنيكا" التي مازالت إلى
اليوم شاهدا ملموسا نقلت الوحشية والدمار بأسلوب
فني عصري نادر، أسلوب فني يعتمد على نقل
الواقع بالتجريد الممزوج بالتشخيص ولم تكن
هذه المعاناة بعيدة عمّا عاشته البلدان العربية، فقد ساهمت العلاقة العمودية بين الحاكم والمحكوم وتردي الأوضاع
المعيشية بشكل كبير في امتداد البعد الفكري
الثوري إلى أعمال الفنانين التشكيليين، فكانت مصدر إلهام، أسهم في إحداث تواصل بين
المكان والزمان، وبذلك أنتجت أعمال تشكيلية
مخصوصة اعتمدت على مفاهيم عديدة أثرت في الصورة واللون : كالتلاشي والتجاوز ولاحظنا أيضا الحضور النصي الغني
بالدلالات والمقاصد.
والتمس الفنانون
في هذه الموجة الجديدة أساليب فنية مبتكرة وحلولا تشكيلية كثيرة كانت نتيجة البحث
في موضوع الثورة وتيماتها الفرعية بما جعل فن الثورة بحثا برؤيا مختلفة وعروجا بالمادة إلى آفاق أرحب فعرفت المزج و
التجريب المتواصل لتكتسب أبعادا تختلف عن أبعادها المعهودة، وضمن هذا التوجه في البحث التشكيلي
نضمت جمعية فنون الواحة وثقافاتها
معرض أساتذة المعاهد العليا للفنون
التشكيلية حمل عنوانا مميزا: " من إيحاءات الثورة".
وقد مثلت العديد من الأعمال المعروضة قطعا مع
المتعارف عليه في نقل الأحداث
الدامية التي عادة ما ترتبط بنقل
واقع الثورة، وانفتحت التجارب على عديد التأويلات
والأبعاد التشكيلية، وقام المشاركون وهم أساتذة
جامعيون بنسج أعمال تشكيلية فنية تشكيلية متنوعة الاختصاصات، تصويرا و نحتا وخزفا
وانفتحت تجاربهم على عديد الخلفيات فكان
النص متنوعا ومختلفا، فكل على طريقته أنتج
وكل على طريقته يؤول نتيجة تنوع المواد والنصوص .
انطلقت دراستي بتناول بعض أعمال الفنانين بالتأويل والدراسة التشكيلية و التوقف عند
بعض نصوصهم على المستوى التركيبي والدلالي
والمعاني والمقاصد المراد تبليغها
وهو تأكيد على الاختلاف الفكري لكل باحث تشكيلي، فكل تناول الثورة بمنظاره
وكل استنطقها على طريقته فكانت ملفوظاتهم تعبيرا مخصوصا عن رؤاهم.
فالباحث التشكيلي" الحبيب زوينخ" وهو أستاذ
بالمعهد العالي للفنون والحرف بقابس تناول
الثورة بأسلوب تجريدي، فتمثل الدماء بألوان حمراء قاتمة على سطحه التصويري، فاصلا
بذلك بين جزئي اللوحة، فجزء يتداخل فيه اللون الأصفر بالأخضر والأحمر، والجزء الثاني وهو يحتل ثلثي اللوحة جعله باللون الأحمر
القاتم وهو بذلك يفصل بين المعاناة وقساوسة واقع الثورة، وبين الأمل الذي حتما
سيتحقق وجعل فسحة الأمل في الجزء
العلوي من اللوحة
كأنما الأمل رباني يأتينا من السماء وهو بذلك يؤكد أن الأمر هو إرادة ربانية، فالعمل غارق في
التجريدية ومثقل بالمعاني والمقاصد لتتحول
اللوحة إلى قماشه يتحاور فيها الأمل والألم تؤثثها عناصر تشكيلية من قبيل الخط النقطة الدائرة،
وهو بذلك يتناول واقع الثورة بأسلوب خاص إيحائي وعلى المتقبل
والمشاهد إن يؤول وينتج نصه وفق خلفياته الثقافية والفكرية وأننا بهذه الدراسة نكون قد ركزنا على الجانب
الدلالي أكثر من التركيبي لأن ما يهمنا هو تمثل الأبعاد الدلالية والمقصدية من
الفعل التشكيلي.
"حبيب
زوينخ"
أما الباحث
التشكيلي محمد أمين حمودة وهو أستاذ بالمعهد العالي للفنون والحرف بتطاوين ،فقد
تناول هذا المحور وحاول البحث فيه تشكيليا ،فكان نصه صورة صامتة مكبلة الفيه، وكأنما يقول لنا الثورة واقعة والحرية مطلب وهي تمثل صورة لشيخ
واضع يديه على فمه متجه بنظره إلى السماء كأنما يستشرف المستقبل المجهول، والفم مكبل ويؤكد بذلك أن الحرية زعم
وهذه الصورة تستبطن حسب رأينا رفض ما آلت إليه الثورة وعدم الانغماس في
انتهازية الفعل السياسي الذي أعقبها ويؤكد لنا أن الواقع كان وسيظل أبكم.
محمد امين حمودة
أما الباحثة التشكيلية أمنة الجراي وهي أستاذة
بالمعهد العالي للفنون والحرف بتطاوين، فقد تناولت الموضوع من زاوية أخرى وبأسلوب
تشكيلي مختلف إذ ركزت على الواقع المعيشي،
فكان منطلق بحثها تجربة" بيكاسو" في لوحته الشهيرة "قيرنيا" لكنها
أرادتها قيرنيكا جديدة خاصة تحمل عبق الأرض الخضراء وطابق الوطن فقد تناولت الواقع
الذي عاشه بلدها في رحلة بحثه عن الحرية، فاستنجدت بالنصوص المدونة على جدران
الشوارع العامة وجعلتها في سطحها التصويري كما مزجت بين الألوان لتأتي ضبابية وهي
بذلك تنقل الواقع الضبابي للثورة.
يامنة الجراي
لقد أنتجت الثورة نصوصا وصورا واستطاع الفنان نقل
الوقائع بأساليب تشكيلية مختلفة لكن يظل السؤال قائما حول إسهام الفنان في الفعل
الثوري؟ وهل سيقنع بمجرد نقل الواقع وهو الذي يستطيع أن يسطر للناس مستقبلا أفضل؟
الباحثة التشكيلية يامنة الجراي
تسلم ايديك على الموضوع Räumung
ردحذفRäumung