قراءة في راوية " لها سرّ النحلة" لأمين الزاوي: بقلم/ رشيد زهاني



 



قراءة في راوية " لها سرّ النحلة" لأمين الزاوي:

بقلم/ رشيد زهاني

فرحت بشئين في رواية أمين الزاوي "لها سرّ النحلة" : الإهداء الخاص جدّا جدّا الذي أحضانيه، وكذا التعرّف على مقربة من مرمى حجر لأيقونات الجسد دون خلفيّات دينيّة بحتة

"لها سرّ النحلة" رواية خاطف



ة للألباب، مفعولها كسحر عسليّ يغريك للتذوق والاقتراب من المعاني حرفا حرفا، "لها سرّ النحلة" أيقونة متفتّحة على عوالم غير العوالم ومعاني غير المعاني التي نعيش في هذه المساحة المنغلقة على ذاتها.

أمين الزّاوي انتقل بين الأفكار ليميط لثاما أسودا عن واقع حقيقي نعيشه، إلا أننا نحكم إغلاقه في أدراج مفقودة بالكيان، حرجا وخوفا من مواجهة مجتمع يبغض المخنّث وحديث الجسد والجنس والسّرير، ويمارس العادة السرية في صحوته ونومه، ويعشق رجاله ونساؤه الالتصاق الحراري والتسبيح بحمده كما قال الروائي.

أمين الزاوي رسم طريقا حثيثا في قصصه المتصلة عن وهران وعن مطعم آرتور رامبو الحقير، بكل التوصيفات الممكنة لتجعل القارئ يغوص في المشاهد وكأنه مالكها والمتحكم فيها، "لها سرّ النحلة" رواية ذات تنويم مغناطسي تجعلك تعتصر الألم من ذاتك وأنت ترى كامل عُقَدِكَ تنفجر أمامك في سيل من صفحات بيضاء لترسم نفسك من جديد، علّك تحرز ما تريد من هذه الحياة الفانية.

أبدع الزاوي في رسم شخصيّاته، فقد لوّن الأديب، الشّابة المتذبذبة في شهواتها تجاه الرّجال "فاطي" وحسّن صورتها المُراهقة من كل الجوانب حتى تصل نقيّة، كما هو عليه حقيقة الشباب المفعول به دون معرفة ما يريد من إغواء أو توجه نحو الهاوية.

يتسلسل بك الزاوي بخبثٍ فنّي حتى تجد نفسك مقيّدا إلى مومو وما يحمله من صوت جميل وأنامل نسائية وقصصه المجنونة التي حاكها بالحديث مع فاطي التي أغرته وأثارت فيه غيرة الرجال رغم تخنّثه الواضح وإتقانه العزف على العود لتميّزه وإثباته لرجولته المهزوزة والتي رسّخها فيه والده وهي نقطة هامة أثارها الكاتب لما لها من تأثير على الأبناء.

يسير بك الزاوي ببطء قبل أن يدفعك إلى حافّة أين تقف مبهورا من تصويره للخالة يامنة الزاهدة المؤمنة ومشاحناتها مع الرجال في تصوير بليغ، يلاحقه عشق والد فاطي لها وغيرة نسائية فاضحة من خليلته أم فاطي التي قبرها الكاتب سريعا لتفسح المجال لتفجر أنابيع من الغواية وتصاعد محموم في الشّبق، مع تضمين الصراع بين الأنا الأعلى المتمثّل في الدين ورغبة بني البشر في ممارسة حقّ "الشّبعة" من مشرب الجنس الذي يبقى إكسير الحياة حسب الزاوي.

أمين الزاوي يبعث في زفراتك الآهات وفي شهقاتك لحنا قصصيا لا تكاد تخرج منه إلّا لتعود إليه حامي الوطيس تحارب صبرك لإكمال الرواية التي تريد ان تقلب آخر صفحة منها لقراءتها إلّا أن تراتبية الأحداث تجعلك منكسرا لتتبعها بلهفة منقطعة لتفسير ما وراء الجسد وعلاقات بني البشر الساخنة في الليل.

لها سرّ النحلة تشتبك مع الوقت في رفع أنقاض أفكار متحجرّة بأذهاننا، تجلدك سياط الترسيخ العابث وتحريم العلائقية بين الرجل والمرأة أينما كانت ووجدت حتى بين الزوج وزوجته التي أشار إليها الزاوي بذكاء في فتوى الشيخ الزمزمي بين الخالة يامنة والإمام أحمد، المُبيحة لثقافة جنسية غائبة عنّا إلى اليوم رغم اشتهائنا لمختلف فنونها.

وأنا أنسحب من قراءة رواية لها السرّ النحلة، تصعّدت في التنّفس وتساءلت بصدق هل هذا ما ينقصنا قبل الدين والشّرع والفتوى؟؟

هل لنا أن نُبتِّلَ الأنثى ونخصي الرّجل مرضاةً لله، أم نتحرر وفق القواعد التي رسمتها الديانات المتعاقبة، أم نختصم إلى قول ثالث يُنشد العلاقات الإنسانية دون خوف من حساب ولا عقاب.

يدغدغ فيك الباطن بعد استكمال آخر حرف من "لها سرّ النحلة" مجموعة أسئلة تركها الكاتب مفتوحة فيك:

هل فاطي هي مريماَ؟

وهل الثّعبان الأسود الذي يظهر ويختفي هو مومو؟

ومن ذا المؤذّن الذي يُرسل رسائله بالآذان فيخترق السّماء والسّمع قبل الآذان؟

هل ما داخل الرواية هو حبّ أم غضب وشهوات متقطّعة؟

كيف نستطيع الإبتعاد عن هذه الرواية التي تخربط الإحساس وتخلط الوعي فتشبكه بين حيرة مريرة بعد الفشل في حلّ جميع رموزها الكائنة؟

سؤال خاص جدّا إلى أمين الزاوي: في صفحة الرواية رقم 183، عندما كانت فاطي تُسافر إلى وهران جاءت الجملة التّالية:حين نزل المسافرون جميعا، قال لي القط غاتا: - أنظري با مريما إلى السّماء.

من تحمل من في الرواية؟ مريما أم فاطي؟

وهل مُتعمّد هنا قلب الإسم ثم ملاحقة الأحداث المقلوبة؟.

رشيد زهاني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح