نور الدين تبرحة، الفنان التشكيلي الجزائري : أنا لست متمردا لكني مدافع عن الهوية / أجرى الحوار: قتالة جمال


نور الدين تبرحة، الفنان التشكيلي الجزائري : أنا لست متمردا لكني مدافع عن الهوية
تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 29 ماي 2013 


من أعمال الفنان نور الدين تابرحة


الفنان الجزائري نورالدين تبرحة، فنان الجذور والمعاصرة، في أعماله يتجاور القديم والحديث ولا يمكن لك الفصل بينهما. تشكل أعماله تجربة فريدة في الفن الجزائري المعاصر.. عمق الرؤية الفنية هي هاجس لا يفارقه، يجعل من سند اللوحة فنا في حد ذاته ومكونا أساسيا من مكونات اللوحة.. هذا السند الذي استمده من عالمه الطفولي حين كان اللوح الخشبي سندا للحرف والعلم والدين، ورمزا للفن أيضا حين كانت الكتابة فنا في حد ذاته.. فيه تعلّمنا أشياء كثيرة وكان الطفل الصغير يتعلّم كيف يعد يوما لوحة هكذا يصف الفنان محمد سعود  صديقه نور الدين تابرحة في حوار لـ«جريدتي”...


لا تصنّف نفسك ضمن مدرسة معينة لكن بدايتك كانت من مدرسة الأوشام، هل لنا أن نعرف هذه المدرسة؟
ثقافة التصنيف لا تعنيني كثيرا بقدر ما تعنيني قناعتي الفنية فالأحكام عادة ما تكون بدون مرجعية وبدون معرفة مسبقة لتصوراتي الإبداعية، لهذا كثيرا ما أتجاوز ما يقال عن أعمالي. فالإبداع يتفوّق عن الانتماء لمدرسة أو أسلوب أو طراز. هاجسي الأوحد هو أن ألبي رغباتي بتعبير وصدق بشكل جميل وممتع.


لكن لوحاتك تصنّفك ضمن المدرسة الرمزية ؟
الأوشام ليست مدرسة بل هي مجموعة فنية أعطت حقنة تشكيلية للفن الجزائري والمغاربي واستثمارا في التراث الشعبي فلكل فنان رؤية وتعامله مع المرجعية البصرية. أنا مدمن هوية بكل عناصرها والتفعيل التشكيلي مهم جدا في طقوسي. إنه لمن المحرج أن تصدر أحكاما نقدية دون تحليل وقراءة نقدية جادة عن طبيعة أعمال المبدعين.


وماذا عن هذه الرموز وعمقها التاريخي البادية على لوحاتك، هل من أبحاث تاريخية قبل ذلك وكيف تنتقي هذه الرموز ؟
الشكل، الرمز واللون هي عناصر أساسية في تشكيل أعمالي ومعالجتي والتعاطي معهم له ما يبرّره جماليا وتعبيريا فالفن متفتح على كل اللغات الجمالية، وأنا أحاول جادا أن أكون عاكسا لروحانية تنمو يوما بعد يوم في كياني. إني أحس باستمرارية حياة أجدادي من خلال لغة تشكيلية معاصرة تخاطبك بجمالية آنية وتفعل كيانك وتوقظ كل خلاياك الخامدة.

 

الألوان الترابية من مميزات لوحاتك، هل الأرض رمز الأصالة التي تسكنك؟
كل الألوان جميلة لا أستثني منها فقط الحاجة الملحة هي التي تفرض نفسها، طفولتي كانت موزاييك حقيقية، وكنت مولعا وعاشقا للون، أما اليوم فالنضج والتجريب رسم معالم أخرى لأعمالي لكن أمي وطني، أمي بوشمها دوما حاضرة.


في مدينة محافظة كسيدي عقبة، كيف هي نظرة المجتمع لك كفنان متمرد؟
أنا لست متمردا لكني مدافع عن هوية عن وجود وعن إثبات للذات. قد أختلف مع الكل ولكن أنا مواطن رغم كل شيء. فالمسؤولية تحتم علي أن أعكس المواطنة بأبعادها وأن أعيش في صف الكادحين.


أحسن لوحة بالنسبة إليك ولوحة رسمتها ولم تعجبك؟
أنا لا أختبر مشاعري وأحاسيسي بأحكام بتفضيل ما تقديم الأخير وتأخير الثاني، أعمالي هي مد وجزر وكل العملية هي نحت في صخور كياني. كل ما أبدعه هو زفير وشهيق لأنفاسي.

 

عرضت لوحاتك بالمركز الثقافي الفرنسي، كيف كانت التجربة وإقبال الجمهور الذي قد يكون مختلفا؟
المركز الثقافي الفرنسي بقسنطينة استضافني وهو مشكور على ذلك وهذا جميل، حيث تكون الفضاءات في خدمة الإبداع. قسنطينة مدينة الثقافة والذوق الرفيع رغم ما يحصل من تزييف لمظاهر الحضارة هي “سيرتا” التي أحبها فأسميت ابنتي البكر باسمها لقد استضافتني من قبل هذا التاريخ شكرا لأهلها لاحتضان أعمالي. أما شيء آخر أنا من صنف لا تسرقه الأضواء من نفسه ولا يتسرب إلى وجداني القحط والجفاف بعزوف الآخر لكن علينا أن نستخلص الجميل من كل حركة ومن كل همسة في حياتنا ونحولها إلى مشعل يقودنا حيث الإبداع والإنسانية بعيدين كل البعد عن الآفاق الشاذة والبليدة.


في أحد الحوارات كنت قد قلت بأن العصاميين أكثر صدقا من الأكاديميين، هل هذا الأخير يكذب أحيانا ؟
لم تفهم ما قلته فالإبداع لا جنس ولا لون له. فقد يقال لك أنت فنان لكن ما يعاب هو أن الألقاب توزّع بالمجان وهذا ما يخل بمنظومتنا اللغوية ويشوّش مفاهيمها فالمبدع مبدع كان أكاديميا أو عصاميا. أعتقد لا مجال ولا مبرر الآن لكل واحد يتهرّب من مجال النشأة والتكوين الفني فقط يجب إذابة العقد فالقيم الفنية هي السيد، فلا مزايدة. والتقنيات والمهارات هي وسائل إن لم تحسن استعمالها كانت لك منغصا فتحولك لحرفي تافه.


كيف ترى واقع الفن التشكيلي في الجزائر والمغرب العربي؟
في الجزائر نعيش دوما ثقافة بعث الموتى وعبادة القبور أما الحي فرزقه عند الله، ما يحصل عندنا هو هروب من الواقع نحو مجهول وبأساليب بدائية وبسرعة السلحفاة. دعني أقول بصراحة أنا فنان أمازيغي لا حلم لي إلا بالبربرية فلا يمكنني إلا أن أكون كذلك.


كلمة أخيرة..
الفن ينمو بسرعة فائقة ومعدل سرعته كثيرا ما تتفوّق علينا في بلد يمتلك الطاقات. أعتقد أن الاستثمار في الكائن البشري والثقافي معطل وكل الماكينات صدئة. متى سنتغيّر تلقائيا قبل أن نزول ونتلاشى.

 أجرى الحوار: قتالة جمال
ـــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

  1. حوار شيق وممتع مع فليسوف الألوان والكلمة ...

    ردحذف
  2. صور و رصومات رائعة جدا جدا

    ردحذف
  3. صور و منحوتات جميلة جدا استاذي مع الابناء belle toph ♥♥♥

    ردحذف
  4. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح