لهذه الأسباب أعتذر / الحبيب السائح



لهذه الأسباب أعتذر / الحبيب السائح

جريدة صوت الأحرار: 1 أوت 2013

يعرف أصدقائي المقربون أني أخوض منذ حوالي عشر سنين مقاومة نقابية بشكل فردي تجاه المؤسسات الثقافية والإعلامية وبعض الجمعيات ذات الطابع الثقافي من أجل انتزاع حقي في التعويض عن جهدي وأتعابي كلما تلقيت من إحداها دعوة إلى المشاركة في فعالية أدبية أو ثقافية أو فكرية (ملتقيات، مهرجانات، أيام دراسية، ندوات).
فغير ما مرة قابلني هذا المسئول أو ذاك أو من ينوب عنه، في مثل تلك الحالات، باستغراب؛ وكأن ما يسمعه مني شيء جديد تماما إن لم يكن يجده عجيبا، حين أقدم له ثلاثة شروط أساسية ـ أؤكد ثلاثة شروط ـ غير قابلة للتنازل:
1. بطاقة السفر بالطائرة أو ما يعوض عن ذلك إن كان المكان خارج نطاق النقل الجوي.
2. الإقامة في فندق لائق جدا وبغرفة فردية.
3. تعويض مادي نقدا، أو بالصك، غير مؤجل.
وهي شروط لا تعوض وقتك الذي اقتطعته من أيام عملك ومخاطر الرحلة وتعبها ولا جهدك الذي بذلته في تحضير مداخلتك ولا الوقت الذي استغرقته في إجراء الحوار الإذاعي أو التلفزيوني، إن كنت مدعوا إلى حصة أو برنامج... 
أما التكريم، الذي تسعى أحيانا تلك المؤسسات والجمعيات إلى إحظائي به، فإني طالبت كل مرة من المشرفين عليها بأن يكون عينيا. قلت مرة لأحدهم: أشكرك كثيرا. وأثمن مبادرتك. ولكني لست في حاجة إلى شهادة ولا إلى كمبيوتر محمول ولا إلى أي آلة أخرى. أريد إقامة كاملة في فندق ما في مدينة جزائرية ما لإنجاز مشروع كتابة. وإن كان هذا غير ممكن فأريد صكا يكفيني لحجز بطاقة سفر إلى الخارج مع مصارف الرحلة. فرد علي بأن ميزانية مؤسسته لا تسمح بذلك. فلم أقل له: وما ذا كنت تنتظر؟
وكذلك كنت قلت لمدير ثقافة طلب إلي أن أكون عضوا في لجنة تحضير ملتقى رشيد ميموني: «بشرط أن أمضي معك عقدا يعوض أتعابي.» فاستعجب. ولم يرد.
للحقيقة، فإني حظيت مرة بتكريم سخي جدا من مديرية الثقافة لولاية أدرار؛ للعلاقة الحميمة التي بين هذه المدينة وبيني، ولكون الصديق عبد الريم ينينة أديبا. ومرة، قبلها، من مديرية الثقافة لولاية معسكر، على عهد الصديق الأديب جمال فوعالي. 
فقد حدث أن دعاني صديق جامعي يرأس جمعية ثقافية إلى تكريم. كنت وصلت المدينة المعنية فأخذني الصديق إلى منزل غير مهيأ، حيث قبلت على مضض تناول ما سمي غداء حضره أحد الأشخاص الثلاثة المنتمين إلى الجمعية. لما سألت الصديق أين يمكن أن أقضي ليلتي في انتظار النشاط المبرمج للغد، أجابني: «هنا!» فهاتفت في الشأن صديقا جامعيا آخر من المدينة نفسها. فاتصل بعميد الجامعة فحجزوا لي مشكورين في الفندق. في مساء الغد، إذ نزلت من سيارة الأستاذ صاحب التكريم أمام باب القاعة الكبرى المبرمجة لاحتضان النشاط، واجهتني في أعلاها لافتة كبيرة مكتوب عليها ببنط غليظ: تحت الرعاية السامية للسيد والي الولاية... فانصعقت. وقلت في اللحظة لصاحبي: «لو كنت أعلم أن الأمر كذلك لطرحت شروطي على السيد الوالي نفسه وأنا متأكد من أنه سيلبيها وزيادة. ابق على خير.» فذهل. فوليت راجعا على رجلي إلى الفندق الذي غادرته صباحا باكرا، بعد أن كنت اعتذرت بحسم لمحاولات مدير الإذاعة والتلفزيون الجهويين عن العدول عن مقاطعتي نشاط التكريم.
للتندر: فإن المرحوم الطاهر وطار كان سبقني إلى تكريم من الأستاذ صاحب الجمعية نفسها فحظي باثنتين وثلاثين شهادة وأربعا وستين قبلة على خديه فكان غضبه على قدر جمع العددين! علمت ذلك لاحقا.
لأؤكد، يعلم أصدقاء أكن لهم تقديرا رفيعا يعدون برامج إذاعية وتلفزيونة أمثال: د. عمر بوساحة. ويوسف شنيتي. وغنية سيد عثمان. وآخرين في القناة الثالثة وفي إحدى الفضائيات الجزائرية الخاصة، أني اعتذرت لهم لأنهم لم يستطيعوا، مع مسئولين في دائرة الإنتاج، تلبية تلك الشروط الثلاثة. وكم أكبرت لهم تفهم! 
يذكر الصديق سعيد حمودي أني اشترطت عليه الشروط نفسها لحضور برنامجه (ليلة الشعراء) فلباها وزيادة؛ لأنه شاعر وكاتب.
يعلم الأصدقاء، من الكتاب خاصة، أنه ما كان لي لأن أذكر بعض هذه التفاصيل، في شأن لا يبدو للأسف ذا أهمية، لو كنا نتمتع بحقوق يضمنها القانون تعويضا للجهد الفكري والأدبي والثقافي؛ في غياب مؤسف لنقابة ـ نسميها اتحادا ـ تفاوض الحكومة من أجل سن قانون لترقية الإنتاج الأدبي وحفظ حقوق الكاتب وتمتيعه بالتعويض المادي العيني عن كل نشاط يقوم به لصالح أي مؤسسة عامة أو خاصة. 
كلما جاذبت الصديق الأديب السعيد بوطاجين الحديث عن هذا الهم كررت له: الجامعة هي المؤسسة الوحيدة التي لا يمكن أن يشترط عليها الكاتب أي شرط؛ لأنه يكفيه اعتبارا وتقديرا وامتيازا أنها تحضنه وتهتم بإنتاجه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح