المسخ الأعظم / الحبيب السائح
المسخ الأعظم
جريدة صوت الأحرار: 22 أوت 2013
الحبيب السائح
ما ذا بوسعي أن أقول أمام هذا الجنون الذي عصف ولا يزال بجزء من الدول العربية، والذي يشع في ذاكرتي الآن بألف صورة منه خلال تلك السنين العشر السوداء من تاريخ ما بعد استقلالنا؟
أشاهد وأسمع ما يحدث في مصر الحضارة، بعد سوريا الممانعة، فيصيبني الروع من أن يمتد ذلك إلى الجزائر، في جولة ثانية بعد الأولى التي كلفتنا مائتي ألف قتيل ودمارا اقتصاديا وخرابا نفسيا فظيعين.
ذلك، إن وجدت القوى المتربصة من ينوب عنها في الجزائر لإشعال الفتيل؛ بعد تحديد الثغرة أو الذريعة التي منها أو بها يتم الدفع بجموع الغاضبين والساخطين إلى الشوارع والساحات، وقد تم ضبط إجراءات تغطية إعلامية معدة الصور والخطاب وكاستينغ الخبراء المحللين والمثقفين والإعلاميين وشبكة المراسلين وشخصيات المعارضة في الخارج خاصة ورموز المقاومة في الداخل، لإحداث الصدع في جهاز الدولة والدفع بالمؤسسة العسكرية إلى التورط في حرب عصابات وشوارع استنزافية لإضعاف قدراتها في حماية الوطن ووحدته ـ كما هو النموج السوري؛ ولا نتمنى أبدا أن يكون هناك نموذج مصري مماثل.
ومن ثمة سيظهر للرأي العام ـ كما تبغي أن تراه أمريكا وإسرائيل ـ أن الفصيل الأكثر تنظيما، الذي يحتاج دعما ماليا وإعلاميا وعسكريا غالبا، هم الإسلاميون الذين لا يحملون سوى مشروع استخلاف الدولة المدنية بالدولة الدينية؛ من أجل تجسيده يتحالفون مع من يوهمهم بأنه يوصلهم إليه، ولو كانت أمريكا نفسها التي تمزق فلسطينَ بيد إسرائيل إربا إرباً.
فأمريكا، كما أوروبا وبعض دول الخليج وإسرائيل أيضا، ليس من مصلحتها أبدا ولا كان في تاريخها أو يكون لاحقا أن تقوم دولة عربية على نظام مدني ديمقراطي تناوبي؛ لإدراكها أن ذلك سيمكن الشعب من التدخل في مراقبة تسيير الموارد وصرف المال العمومي وتحديد السياسات.
فأمريكا خاصة هي أكبر نظام في العالم ينشر الرشوة ويخطط للفساد وينصب الديكتاتوريات ويحمي الأنظمة غير الدستورية ويرسم خرائط الإرهاب ويرعاه لمصالحه وينهيه حين يكمل مهمته في منطقة ما. إن الأمثلة معروفة لدى القارئ.
ذلك كله للتذكير بأن الجزائر تشكل بمساحتها وخيراتها الجوفية والسطحية الحلم/الهاجس للإمبريالية الجديدة وحلفائها في الخليج وإسرائيل؛ المنتظرة لحظة الخطأ القاتل من قوى الجزائر السياسية والثقافية والإعلامية والأخلاقية، ومن نظام حكمها خاصة، في عدم التقدير الصحيح لمواجهة التحديات الاجتماعية والثقافية، للانقضاض عليها.
فالقوى الإمبريالية الجديدة، وفي معرض واجهتها دولٌ غير دستورية تتباكى بدموع التماسيح على الديمقراطية وحقوق الإنسان، هي التي تخطط للفوضى وتنظمها وتحركها للاستيلاء على مقدرات الشعوب النفطية والغازية أو لتفكيك دول ذات وزن مؤثر على إسرائيل.
لذا، تظل الجزائر بوزنها في عين الإعصار. لذا، وجب الإعداد لمواجهة اجتياحه.
أتساءل بخوف: ألا يوجد في الجزائر، الآن، من النساء والرجال مَن هم على اتصال ـ لسبب عقائدي أو مصلحي ـ بقنوات تلك القوى، عبر الإعلام والثقافة والأدب والجمعيات، ليشعلوا الفتيل بأمر يأتي في شكل إشارات عبر وسائط الاتصال الأكثر انتشارا الآن: الفضائيات والفايسبوك والتويتر، عند توافر الظروف التي تهيئها تلك القوى المالية والإعلامية والعسكرية والأخلاقية؛ نظرا إلى هذه القطيعة المشينة بين السلطة، في شكل نظامها الحالي، وبين المواطنين من الشباب خاصة؛ شباب لم يعد يملك غير حماسه وقابليته للانجرار وراء كليشهات الديمقراطية وشعاراتها المفبركة، ولكن أيضا استعداده النفسي لأن يحمل السلاح، متمثلا بنجوم أفلامه وبرموز من يشكلون تركيبته الذهنية كما صاغتها الخطابات الأيديولوجية المتسترة بالعقيدة الدينية، فيقتل ببرودة. وبحماس، يدمر ويحرق ويخرب؛ تفريغا لهذا الزخم البركاني المتراكم في داخله، بفعل القهر الاجتماعي والجنسي وهذا الإقصاء من المشهد السياسي المحصور لأصحاب المال والنفوذ؛ ومن ثمة ستتحول قناعته بالموت في سبيل عقيدة إلى تفكير وفعل في الانتقام؛ إنه لذلك يصير مستلبا للمال فيصبح مرتزقا، وللجنس فيمسي مهووسا؟
لذلك، فإن المخابر المشرفة على تأطير من يسمون المقاتلين والمجاهدين من الشباب توصلت إلى الحل السحري الذي يمكنها من إبقاء نبع التجنيد متدفقا: المال والجنس.
إن أحداث، مصر الشقية، بدمويتها المؤسفة والمفجعة والمحزنة، تسوغ طرح السؤال أعلاه؛ نظرا إلى الاستقطاب الذي حدث جراءها في الجزائر عند بعض الأوساط الثقافية والإعلامية؛ استقطاب يمكن أن يكون، من غير نية مبيتة من الواقعين فيه، بالون تجريب من تلك القوى لجس إمكانية التعامل بإيجابية مع سيناريو ينفذ في الجزائر، بعد مصر، بذرائع مختلفة.
وأول مؤسسة تستهدف هي المؤسسة العسكرية الجزائرية؛ لأن الشعارات المعادية، التي رفعها ويرفعها جزائريون ضد قائد المؤسسة العسكرية المصرية، تنبئ عن تهييء خطير العواقب على وضع الجزائر مستقبلا.
وعليه، لا بد من مراجعة الاعتبارات التي دفعت بعض الجزائريين إلى أن يكونوا في ذلك الاستقطاب.
محكوم علينا، نحن الجزائريين، لحرب تحريرنا وتجربتنا مع العنف المسلح ولمكانة بلدنا، أن نتبصر جيدا ونحكم العقل في ما يخفيه كل حراك من حولنا، لنتجنب المسخ الأعظم.
تعليقات
إرسال تعليق