*البصق على وجه الحداثة* / عبد الكريم ينينة


عبد الكريم
*البصق على وجه الحداثة*
ينينة عبد الكريم

يذكر تاريخنا العربي اجتماع ثلاثة شعراء عند الخليفة المأمون، وكان يأكل، فقال للأول كُلْ فأكل، وقال للثاني كُلْ فأكل، وقال للثالث كُلْ فقال: أنا لا آكل فضلات الملوك، فما بالك بفضلات الشعراء مثلي، فقال له المأمون: إذن لن يُروَ لك بيت واحد، وهكذا كان الأمر، حتى إن المؤرخين تناسوا ذكر اسمه، فنُسِيَ الرجل.
لم ينته التجاذب ومحاولات السلطة لاحتواء الكاتب يوما، فلم يكن الكاتب إلا ضميرا حيا لأمته، متخندقا مع الجياع المقهورين، والعرايا المقرورين، ضد المتخمين والمترفين، وضد كل سلطة جائرة، يذكر التاريخ أيضا كثيرا من الشعراء تمردوا على السلط بشكل عنيف، ولقد قيل: لا توجد قصة خروج على السلطان إلا وخلفها فقر قد نهش أصحابه، يقول الشاعر ابن طباطبا:
وكنت على جد من أمري فزادنـي
إلى الجد جدا ما رأيت من الظلم
لعمـــــرك مــا أبصـرتـُها فسألتُـها
وجاوزتُـها إلا لأمضي في عزمـي

وسبب ذلك أنه كان في بعض شوارع الكوفة "إذ نظر إلى عجوز تتبع أحمال الرطب، وتلتقط ما يسقط منها وتجمعه في كساء لها رث، سألها فقالت: إني امرأة لا رجل لي يقوم بمؤنتي، ولي بنات لا يعدن على أنفسهن بشيء، فأنا أتقوت من هذا وبناتي، فبكى ابن طباطبا وقال: أنت والله وأشباهك تخرجونني غدا حتى يسفك دمي" وكان كذلك، وفي تاريخ الطبري قصة شاعر كان يقاتل وهو ينشد:
عليك ثوبان وأمـي عـــــاريه
فالقِ لي ثوبك يا ابن الزّانيه

هذه النماذج -على سبيل المثال-أعتبرها أكثر حداثة من كثيرين تنكروا للإنسان البسيط، وتنكروا لشرف الكلمة، وغرقوا في تهويمات ومسائل تدور حول نفسها، ما تكاد تنتهي حتى تبتدئ من جديد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح