لوحات الإمارتية فاطمة لوتاه: وجوه عابرة وأمكنة متنوعة ترسم ملامح الواقع العربي / بقلم : عدنان بشير معيتيق

لوحات الإمارتية فاطمة لوتاه: وجوه عابرة وأمكنة متنوعة ترسم ملامح الواقع العربي

بقلم : عدنان بشير معيتيق


من رهافة الفرشاة وخفتها الى قسوتها وقوتها وما بينها من انفاس ومشاعر مكتظة ببالغ القيم الانسانية تدفع الفنانة فاطمة عبدالله لوتاه بالجور والظلم عن اطفال ، نساء وشيوخ كانوا ضحايا اطماع الكائن (شبيه البشر) وجرائمه ليتسرب المعنى ويترك علاماته في الذاكرة .

رغم كل هذه المناطق التي يشوبها تلوث بصري بفعل ازدحام الصور البشعة وما تتركه في مرايا الروح من ملفات مؤقتة تالفة تثقل كاهن الجسد وتصيبه بالإعياء فتأتي اعمالها بمثابة الفورمات لهذه الذاكرة، محو ما هو تالف وتجديد نشاطها .
نفض الغبار وإزالة الحجب عن وجوه وامكنة وثقافة لزمن جميل غيبت قسرا في عتمة التجهيل وإضفاء مسحة من رهافة الروح ورشاقة الانثى وتزينها بحلي على صدور بورتريهات وجوه عربيات تحمل الآم كل البشر لهول ما حدث ومازال يحدث في اوضاع بالغة التعبيرية تصرخ هذه الوجوه بأعلى صوتها رغم شفافية الوانها وما توحي به من سكون مفزع بأوضاعها التي اتخذتها في معظم لوحاتها وهي تسكن ردهات العتمة بالكاد تظهر بعض منها عندما تضيئها انوار طافحة من داخلها بألوان مبهجة بفعل تحكم الروح بالجسد في اليات الرسم وادواته عند الفنانة ويتضح هذا من خلال عناوين لوحاتها روحانيات اجوائها : حديث السماء ، شفافية الروح ، تخطيطات لوجوه من حنايا الداخل، عشق الوطن، طنجة امواج من الحب ، اطفال الجولان ، بيروت ، ربيع ، نساء عربيات ، امكنة ، مصر ام الدنيا ، سورية، العراق، فلسطين دائما وما يصحبها من الوان، رسم ملامح المكان وتلوين الاجواء المحيطة، وجوه عابرة وملابس فضفاضة، وزينة النساء بمفرداتها هي، في مناخ الشوق والحنين الى الوطن، وجوه بالكاد تظهر ثم تختفي من جديد في خلطة الاصفر والبرتقالي، خلطة من دماء على جدران مصمتة ، كتابة على اسطح ملونة ، خيول ، فرح وحزن في آن ، وحدة ، لقاء ، حب ، تواصل ، حوار، انتظار لزمن جديد وحنين لزمن قديم ربما لا يأتي ابدا.
ترسم بالاكريليك على القماش وتستخدم الكثير من الوسائط في بعض الاحيان، فقد تبدأ اللوحة بالديجيتال آرت وتنتهي بإعادة صياغتها بعد طبعها على القماش بالاكريليك لتصبح نصا مختلطا بعدة تقنيات يندرج تحت ما يسمى فنون ما بعد الحداثة او الوسائط المتعددة في جو يحتفى بالحديث القديم متواطئا مع التأمل الصوفي ومنسجما مع ما ينتج على الساحة العالمية في الوقت الراهن من أفكار تبعث على انتاج انطباع ما يترسب في وجدان المتلقي ويؤثر فيه اينما كان وبأي عقلية وموروث ثقافي يحمله رغم محلية مفردات اعمالها ولهجتها اللونية الاصيلة، الا ان المتلقي الغربي اقرب الى هذه الاعمال ربما لذائقته البصرية وتراكمية المشاهدة عنده والارث التاريخي لفن الرسم والفنون البصرية الاخرى عامة .

 

اعمدة ومكعبات مفرغة ومضيئة من الداخل وأشياء اخرى في تجهيزات فنية لتأثيث الفراغ المحيط ورسمه ليصبح عملا فنيا هو الغاية في الكثير من الاحيان بحد ذاتها، وايضا تضفي جوا اخر خارج العمل التقليدي للوحة الحامل ومحاولة للخروج منها وتغيير طريقة العرض وبالتالي تغيير طريقة الاستقبال بالنسبة للمتلقي ايضا.
وفي احيان اخرى لوحات ورسومات بالية ذات الوان فقيرة تعلوها غشاوة شفافة يغلب عليها جو لوني واحد، تظهر اثر الفرشاة بتقطعاتها وليونة خطوطها التي تغوي العين على تتبعها في حركة ملتوية ومتغيرة الاتجاهات بشكل مفاجئ في الكثير من الاحيان وكأنها طريق لا تنتهي ولا تُمل بأجواء تركز على التجريد رغم ظهور بعض الملامح من حين الى اخر.

ولدت الفنانة فاطمة لوتاه في دبي، تنقلت بين عدة تجارب فنية مختلفة ما بين الشعر والمسرح قبل ان تختار الفن التشكيلي ملاذا لإبداعاتها الفنية، رغم ان حالة الرسم ملازمة لها منذ الطفولة وكان لدراستها في أكاديمية بغداد للفنون اثر كبير على تبلور موهبتها وخبز شخصيتها الفنية والذي ساهم في بنائها الفنان فائق حسن، قبل ان تكمل دراستها في امريكا وتعود لتستقر في ايطاليا بشكل دائم. وكان لأعمالها حضور لافت في الوسط الايطالي وتناول الكثير من النقاد تجاربها في صحف عالمية كالفيغارو الفرنسية والكثير من الصحف العربية الاخرى.

قامت بالعديد من المعارض المحلية والدولية من اهمها : معرض غزل، معرض صرخة حمزة الخطيب ، الربيع العربي (جدارية) ، معرض وطن ،أرض السلام ، والكثير من المشاركات في مهرجانات دولية ومحلية وعروض برفورمنس رسم حي على الارض للوحات مفروشة من اجل ليبيا ومصر والعراق وفلسطين في اوقات المحن تضامنا مع شعوب هذه البلدان.

*فنان تشكيلي وكاتب من ليبيا
2014.04.18