منسيون يصرخون في صمت قصة من صميم الواقع / بقلم خيرة جليل


قصة من صميم الواقع


منسيون يصرخون في صمت قصة من صميم الواقع :بقلم خيرة جليل

انها قصة أم عازبة ومختلة عقليا لكن الاعاقة الذهنية لم تمنعها من اداء دور الأمومة على أحسن وجه. قصة حاولت تلخيصها في فلم وثائقي قصير تحت عنوان "منسون يصرخون في صمت " فأفرزت لي أحداث تصوير الفلم قصة ومؤثرة و مثيرة للغاية . شاءت الاقدار ان تربط مؤسستي علاقة مع محيطها في ايطار تفعيل دروس التربية على المواطنة في "كيف نعالج مشكلا اجتماعيا انطلاقا من شبكة معالجة ؟ "ومن صدف هذه الاقدار ان أ تعرف على سيدة متشردة و هي أم عازبة لأربعة اطفال ...طيلة خمس سنوات وأنا أعمل من بعيد ولم أحاول الاقتراب منها لحساسية الوضع في هذه المنطقة .... لكن الجميل في الأمر ان تلاميذي بمساعدة ابائهم والعديد من المحسنين استطاعوا تأسيس جمعية بالمنطقة ليستطيعوا الدخول على الخط والعمل معي....فاستطعت بفضلهم ان استقطب جمعية اخرى تنشط في مجال حقوق الانسان و الامومة والأمهات العازيات في وضعية صعبة .... جميل ما توصلنا اليه ؛ استطاعت الجمعية المحلية في علاقتها مع الجمعية الوافدة وبتعاون مع السلطة المحلية (القيادة ) والعديد من المحسنين ان تحصل السيدة على سكن رغم انه من غرفة واحدة .لكن على الأقل هو ارحم من التشرد بأطفال قاصرين في الازقة والشوارع والنوم وسط اكوام الأزبال وسط الكلاب الضالة .تكفلت الجمعية المحلية والعديد من المحسنين بتوفير التغذية لهذه الاسرة الصغيرة التي تتكون من أم مختلة عقليا وأربعة أطفال وأن تحقق لهم نوعا من الاستقرار و الاحساس بالأمان والحماية من التعرض للاغتصاب او العنف ، كما التحق الابناء بالمدرسة المحلية .... اخيرا اصبح لهم بيتا مجهز ا بالماء الصالح للشرب والكهرباء يصون كرامتهم كانسان. وتشاء الاقدار مرة ثانية من جديد ان أتلقى تكوينا في كتابة السيناريو والتصوير و الاخراج السينمائي في ايطار شراكة مع العديد من الفاعلين في مجال حقوق الانسان والإخراج السينمائي والحقل التربوي والنسيج الجمعوي .كان همي في أول الامر أن أعمل على انجاز عمل تطبيقي لما تلقيت التكوين فيه حتى ارى مدى تمكنني من كتابة السيناريو وتقنيات التصوير وزوايا التصوير ...ولم أكن اعلم ان بطلة فلمي ستكون تلك السيدة المختلة ذهنيا وأطفالها الاربعة .... عدت وجمعت فريق عمل صغير من تلامذتي وكتبت لهم سيناريو دقيق لفيلم قصير ضبطت فيه جميع خطوات العمل لتلخيص قصة السيدة في اثنى عشر دقيقة كتجربة أولى ...عمل قصير ودقيق ومضبوط لينقل سيناريو طويل ورسالة انسانية بليغة وراقية وعميق في معنى التكافل الاجتماعي والتضامن .ع معل تطلب دقة في اختيار الكلمات والوسائل لترجمتها لصور معبرة عن وضع انساني يجب الوقوف عنده بتأني وتأمل . -الشيء الذي لم اتوقعه في برمجتي للعمل نهائيا هو ان ترفض المعنية بالأمر التصوير معنا ..... بعد جميع الاجراءات الادارية لدى المؤسسة والسلطات المحلية التحقت بعين المكان الذي تسكن فيه تلك السيدة مع اطفالها ...لأول مرة خلال خمسة سنوات أدخل في علاقة مباشرة معها وجها لوجه ....ما هالني من الامر ان المرأة كانت مثل اللبوءة تحاول ان تحمي أطفالها ...رفضت رفضا باتا ان نلتقط لها اية صورة .... الشيء الجميل والعجيب الذي شدني اليها هو في قمة جنونها وفي قمة ثورتها كانت تقول لي كلاما جد مؤثر والذي سأنقله حرفيا : ( ابتعدوا عني لن اسمح لكم لا بتصويري ولا بتصوير ابنائي ....لن تأخذوهم مني إلى اي ملجئ ..لن اسمح لكم من ان تحرموهم من حناني أنا ...قد اكون امرأة حمقاء لكن لست أما مجرمة .... أنا لم ألدهم لوحدي ،الآخرون هم المجرمون الذين جعلوني ألدهم ...لن يكون ابنائي ضحية لمرتين ...أذهبوا اينما شئتم لن أترككم تمسونهم بسوء .. سأدرس أبنائي ليصبحوا ممرضين ليقوموا بالاعتناء بي عندما اكبر....أنا أخذهم للحمام والحلاق ودار الشباب ليلعبوا مع أصدقائهم.لا تقتربوا مني ولا تتحدثوا معي. أذهبوا عند رئيس الجمعية او القائد ، هم الذين يمتلكون عقلا و يفهمون ما ستقولونه ....أنا لا أثق بأحد وأعرف من تكونين ابتعدي ، لكن زوريني بلا كاميرة ولا أحد معك إن أردت . لن اخذ اية هدية منكم وأنا ربي كفيل بي . الله الغني ....) وانسحبت من أمامنا لتدخل غرفتها تاركة كل ما حملناه لها من ملابس ومواد غذائية ... رغم ردة فعلها العنيفة هذه فرحت بذلك كثيرا ، لأنها برهنت على حبها لأبنائها ودافعت عن حقها في الامومة ...قد تكون أما مختلة عقليا لظروف خارجة عن اراداتها وفاقدة لأهليتها القانونية في نظر القانون ،لكنها أكثر وعيا بمسؤوليتها من العديد من النساء اللواتي يعتبرهن القانون عاقلات ومسئولات امامه .هي اشرف في نظري من النساء اللواتي يمارسن الرذيلة عن طواعية ويحملن بأحشائهن أطفالا غير شرعيين وترمين بهم في الازقة بين القمامة في متناول القطط والكلاب منذ اطلاقهم لأول صرخة لهم . هي اشرف من بعض النساء التي ترمي بأطفالها في مواسير المياه العديمة بدون رحمة او شفقة خوفا من نظرات المجتمع ... مئات علامات التعجب انتصبت امامي احتجاجا عن كوننا ندخل كل النساء في خانة المرأة رغم ان هناك نساء ونساء . منهن من تستحق ان يطلق عليها اسم امرأة ومنهن من تستحق ان يرمى بها في نفايات الانسانية عامة .اي نساء هذه حين تطالبن بالمساواة مع الرجال و لا تعرفن حتى أدنى مسؤوليتهن اتجاه ابنائهن،.فتجدهن يخرجن للتسكع في الازقة بين الدكاكين للتبضع العبثي تاركة ابنائهن لوحدهم بالبيت مع الخادمة التي تمارس عليهم جميع فنون الترهيب والتعذيب ! اي نساء هذه حين لا تذهب الأم للمدرسة لتضطلع على مسار ابنائها الدراسي وتعرف نوع مشاكلهم النفسية والتربوية لديهم! اي نساء هذه حين تمتهن المرأة الدعارة طواعية وترمي بأطفالها إلى الشارع للتسول والسرقة في أول يوم يطلقها زوجها أو تترمل فيه ! اي نساء هذه حين تتخذ الواحدة منهن قرار التخلص من جنينها بالإجهاض وهي تعرف ان بداخلها كائن حي كتبت له الحياة وليس لها الحق في ان تسلبها منه مهما كانت المواقف والظروف ! اي نساء هذه حين تلد المرأة مولودا غير شرعي فتقرر قتله او رميه بمطرح القمامة وهي التي من المفروض كأنثى أن تقف امام العالم كله لتحميه مهما كان وضعها الاجتماعي ! هكذا استمرت علامات التعجب في الخروج من معسكرها محتجة عن النساء اللواتي نسيت دورهن البيولوجي والإنساني لتصبحن مجرد وحش مفترس ينهش كائنا بريئا خرج إلى الحياة مرغما عنه ... تقتله بسبق اصرار وترصد ببرودة أعصاب بعدما خرج من أحشائها وهو الذي كان يقتات من دمها ويتنفس من هوائها ... فعلا ايتها السيدة اني اعتبرك اشرف من الشرف .والمجرمون الحقيقيون هم الذين ارتكبوا في حقك جريمة الاغتصاب تحت جنح الظلام معتقدين ان لا أحد سيعلم الحقيقة ونسوا ان الله يعلم ما ظهر وما خفي وانه يمهل ولا يهمل ....................خيرة جليل

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح

آعـظـم 100 كتاب فـي تـاريخ الـبشريـة ... (جميعها جاهزة للتحميل)