الشاعر محمد رفيق طيبي في حوار لـ "الحرية: "النخبة المثقفة اليوم لم تعد تشكل صوتا قويا يُعتمد عليه الشاعر محمد رفيق طيبي في حوار لـ "الحرية"/ أمال بابا
الصحفية اللامعة "أمال بابا" تخصنى بهذا الحوار الجميل بجريدة "الحرية" الشكر موصول لها ولكل الأحبة ..
الشاعر محمد رفيق طيبي في حوار لـ "الحرية":
النخبة المثقفة اليوم لم تعد تشكل صوتا قويا يُعتمد عليه
متأثّر جدّا بالرائع نزار قباني وعاشق للغائب الحاضر محمود درويش، الشاعر الشاب محمد رفيق طيبي، يشرع في خط اسمه بأحرف مقتناة بعناية فائقة في الساحة الأدبية. كيف بدأ مشواره وبمن تأثّر؟ وما هي نظرته للواقع الثقافي الجزائري ودور النخبة فيه؟ هي أسئلة وأخرى ناقشتها "الحرية" مع صاحب كتاب "عاصفة العاطفة".
الحرية: من مواليد 1991، طالب حقوق، كيف بدأت ميولات محمد رفيق طيبي الأدبية؟
محمد رفيق طيبي: الميول الادبى كان واضحا وباديا علي منذ الصغر واكتشافه لم يتطلب أي جهد من الذين أحاطوني وسهروا علي رعايتى. البداية كانت بالاهتمام بالكتب ومحاولة فهم محتواها والسؤال الكبير الذي أحاط طفولتي هو لماذا توجد هذه الكتب؟ وما الغرض منها؟ حيث كنت أرى الكتاب قدوة كبيرة وشخصيات عظيمة من خلال صورهم في الأغلفة.
شرعت في كتابة الخواطر والرسائل كأي طفل يحاول أن يكون متميزا ويبحث عن شئ ما لا يفهمه. حينما وصلنى كتاب لنزار قبانى مصادفة شعرت أنه يقودنى نحو كتابة لون ما ويمدنى بقلم وينزع عنى الخوف. طالما رأيت فيه المثل الأعلى والسبب الأول لشروعى في كتابة الشعر فكانت الانطلاقة.
بعدها بحثت كثيرا فيما يسمى الشعر والشعراء فوصلت إلي محمود درويش، وهنا أدركت بعد الاطلاع عليه بأنّني قد أمسكت الشعاع وأنه نقطة الاندفاع التى زادت من حماسي وإبداعي لاحقا.
أمّا دخولى إلي كلية الحقوق فقد كان اقتداء بنزار قبانى الحقوقي والشاعر العظيم. ثم لاحقا بدأ اهتمامي بالسرد كون الشعر لوحده وما يتمتع به من خصائص لم يعد كافيا لاحتواء الضجيج الفكرى الداخلى الذي امتلأت به، فاتجهت نحو الرواية والكتابة الطويلة التي تعتبر ملاذا كبيرا لأيّ مبدع من أجل إبراز طاقاته وتفريغ معاناتاه وحتّى هشاشته.
ـ في كتاب "عاصفة العاطفة" الذي جاء في 8 فصول، تناولت مواضيع اجتماعية ذات دلالات نفسية. كيف جاءت الفكرة؟
الفكرة لم تكن وليدة العبث أو الصدفة كما يعتقد البعض بل هي تأمل طويل ودقة نظر ومن زاوية خاصة نحو المجتمع الذى يعانى من تشوهات وتفككات كبيرة وخطيرة في الوقت نفسه. في حياتى اليومية كنت ومازلت ألعب دور المشاهد المتألم الذي يحلم بمجتمع مثالى مؤسس خارج إطار الفوضى والمصالح المتعارضة وغيرها من الاختلالات الاجتماعية في خضم تفكيري في هذه المسائل وجدت أن الأمر يحتاج فعلا لإفراغ في نص.
حين شرعت في الكتابة لم يكن لدي هدف محدد فكل تركيزي وضعته في مسألة نقل الواقع وإعطاء حلول جديدة والتنبيه إلى زوايا أخرى للنظر فيها، خصوصا في الجانب العاطفى الذي أصبحت أفكاره بالية جدا لا تحقق الغايات المنشودة للإنسانية لذا فالفكرة الأساسية التى منحتنى هذا التوجه هي الالم الذى غمرنى جراء النظر الي مجتمع يعانى ولا يملك عدد هائل من المنخرطين فيه.
كان للدكتور "هانى جرجس عياد" المختص في علم الاجتماع دور كبير أيضا في تحديد بعض الافكار وتنظيمها وقد نجح بجدارة في تقديم الكتاب كما إن تخصصه كدكتور في علم الاجتماع بجمهورية مصر أعطى إضافة ثمينة جدا ودفعا للمواصلة.
ـ ماذا عن الثالوث "حب ـ جنس ـ خيانة" الذي ركزت عليه في "عاصفة العاطفة"؟
ـ الكلام في مواضيع مثل هذه فعلا ليس سهلا ويفتح العديد من الآفاق كما أنه يشعر الكاتب بمسؤولية مضاعفة، أمّا الحب فحضوره كان ضروريا فهو لب العاطفة وجوهرها. وقد تطرقت اليه من منظور ايجابى عام كتقديم لفكرة عنه وعن العلاقات العاطفية التي يرسم خريطتها لكنني لم أعتني بايجابيته بقدر ما وضعت الأحرف علي جانبه السلبى، فلطالما شكل عائقا كبيرا وعاملا مدمرا للحياة النفسية لدى الخائبين والفاشلين الذين لم يتمكنوا من إحراز المبتغى العاطفي. أمّا حديثي عن الخيانة فهو امتداد مباشر نحو مصطلح الفشل والانهيار فلا اعتقد تماما أن هناك شعور أقسى، بحكم إنّ الكثير من الافراد تغيرت حياتهم تماما وانقلبت بسبب حادثة أو قصة عاطفية احبطت سواء بسبب العوامل الخارجية او العوامل الداخلية والتى من ضمنها الخيانة للطرف الآخر.
أما فيما يتعلق بالجنس فلا اعتقد أنّني نجحت في تغطية كل جوانبه، كونه موضوع كبير جدا ومستعصي خصوصا ونحن نعيش في مجتمع لم يتشبع بعد بالثقافة الجنسية ولا يزال يدرجها ضمن فئة الممنوع والمسكوت عنه ولهذا حاولت تقديم وجهات نظر وأفكار قد تخدم القراء وخاصة الشباب منهم، وكل هذا وفق خاصية البحث وقراءة ما بين السطور لأنّ كتابتي ترتكز في بعدها الاجتماعى علي تقديم العبرة والتجربة ليستفيد منها الآخر وعدم احتكارها والدليل هو الشواهد الامثلة التى طرحتها في فصول الكتاب.
ـ بالنظر لصغر سنك، بمن تأثرت في بداياتك؟
ـ البداية كانت مع أستاذي الشاعر ساعد بولعواد الذي كان يقدم لنا قصائده الجميلة ونحن تلاميذ في المتوسطة والتي لا تزال عالقة بذاكرتي إلى غاية اليوم، وهو الذي جعلنا نحب الأدب بطريقة ما.
لاحقا تعرفت على أهل الأدب وأصبحت متابعا جيدا لهم ولا أزال أتذكر الأيادي التي امتدت إلى من أجل مساعدتي ولا أنكر أبدا فضلها. أجمل مصادفة في مجال الأدب حدثت لي هي أنني التقيت بالروائي الكبير عز الدين جلاوجى الذي قدم لي أشياء حفزتني على المواصلة وبذل الجهد والعناية في مملكة الإبداع العظيمة، وكذلك عبد الحليم بولعراس الشاعر الكبير أيضا وهو الذي اختار البقاء في الظل لأسباب كثيرة، وقد استفدت من شعره وإنسانيته الطيبة واختصارا لابد من القول ان نزار قبانى ومحمود درويش كانا السبب في اكتشافي لهذا العالم الجميل الملء بالإنسانية والإبداع.
ـ كيف ترى دور النخبة المثقفة في المجتمع؟
ـ النخبة المثقفة دورها الاساسى هو الدفع بالمجتمع في مضمار التقدم والحرص على توجيهه فالتقاعس إن وجد في مجتمع ما فالمسؤولية تعود على هذه النخبة.
إنّ المثقف الحقيقي هو من يجدد ويسعى إلى خلق أفكار في مجتمعه وتحريرها دون الالتفات الي العوارض والمعيقات فنحن كمجتمع لدينا من الاشياء المخيفة الكثير ولدينا من مواطن التعتيم الكثير ايضا وهنا يكمن دور النخبة وهو تسليط الضوء عن هذه الأشياء ونقلها ومعاجلتها وفق منهجية محددة ولكن للأسف الشديد النخبة المثقفة اليوم لم تعد تشكل صوتا قويا يعتمد عليه بل تماهت في الكثير من الاشياء العابرة التي لا جدوى منها لذلك نحاول دوما بناء هذه النخبة بشكل سليم كي يعتمد عليها لاحقا في توجيه المجتمع ومساعدته في الخروج من مختلف الأزمات الثقافية والفكرية وغيرها.
ـ ما هو جديدك مستقبلا؟
ـ أعمل حاليا على كتابة رواية بعنوان "الموت في زمن هش" حيث ستعالج بعض المواضيع المحتاجة إلى الكشف وتسليط الضوء بالإضافة إلى محاكاة الواقع العربي، كما أفكر في إنشاء جمعية تتكفل بالشباب الموهوب والمبدع لأنّ هذه الفئة تحتاج فعلا لمن يدعمها ويدفع بها نحو الارتقاء والإبداع الجيد.
حاورته: أمال بابا
تعليقات
إرسال تعليق