ماذا نقصد بالصدق الفني؟ / حبيب مونسي
ماذا نقصد بالصدق الفني؟
حبيب مونسي
من المفاهيم النقدية التي يساء فهمها عادة في الكتابات النقدية: الصدق الفني... حين تحال قضيته سريعا إلى الجانب الأخلاقي، ومن ثم ينشأ الوهم الذي يتحول به الأدب – عند بعضهم-إلى خطاب واعظ، أو إلى لوحات داعية لمذهب، أو تصور مشبع بقيمة أخلاقية، أيا كانت تلك القيمة عند أصحابها. بيد أن الأمر مختلف جدا.. لأن ما يُقصد بالصدق الفني في الخطاب النقدي، هو ضرب من "الاحتمالية" يتشبع به الأثر الأدبي ليغدو أثرا "محتمل الوقوع" حتى وإن كانت مادته عجائيبة، أو غرائبية، أو غارقة في الخيال العلمي.. لأنه ليس من شأن الأدب أن يعكس الواقع عكسا مرآويا، وإنما شأن الأدب وديدنه الأصلي أن ينشئ واقعه الخاص، سواء استند إلى الواقع المعطى أو تجاوزه إلى المتخيل الكلي. ومن ثم فالواقع الذي يعرضه الأدب، لا يمت بالصلة المباشرة لما يحياه الناس في اليومي، وإنما يمت إلى عناصر يتم رفعها إلى الفن، لتغدو عناصر لواقع جديد. يستقيم فيه الحديث عن الإنساني المرتفع عن العادي الغلف. وكلما كانت احتمالية الوقوع كبيرة في هذا الواقع، وكلما كان تمثيله للحقيقة الإنسانية في كل هيئاتها: من صعود ونزول.. من تألق وخفوت.. من تسامي وارتكاس.. كان ذلك أوغل في الصدق الفني. لذلك ننعت النصوص التي عرفت كيف تستخرج من لحظات الضعف الإنساني، أو لحظات التسامي فيه، عصارة التجربة التي تدخل فضاء المشترك الإنساني، ننعتها بالنصوص الخالدة.. لأن خلودها ليس في تعبيرها عن قضايا عالمية، وإنما يأتيها الخلود من ولوجها عالم التجربة المحتملة في كل الأجيال والثقافات. ولذلك كانت مثل هذه النصوص قليلة نسبيا إذا ما قيست بالكثرة التي تُعرض في الروايات على مر الأزمنة.
إذا حقق الأدب هذا الشرط.. شرط "الصدق الفني" احتاج إلى توشية خارجية، هي اللمسة الأسلوبية الجمالية التي يُضفيها الأديب على أدبه. ومن هنا يجب أن نشير إلى شيء مهم في الأدب.. هناك مرحلتان: مرحلة التفكير في الموضوع وإنشائه، وبنائه، وتكوينه، وهندسته، يقع خارج النص.. وهي أشد المراحل خطورة، لأنها تكشف الجانب الحِرَفي في الأدب، والذي يكون فيه الأديب شبيها بالبناء الذي يجمع المادة الخام، ثم ينظر فيها ليفصلها، وفق تخطيط، وهدف يرومه في النهاية، بأدوات يتم إحضارها، والتأكد من سلامتها.. حينما ينهي الأديب هذه المرحلة، يكون العمل الفني قد انتهى افتراضيا في ذهن صاحبه، وتكون أهدافه ومراميه قد تحققت.. وساعة يجري الخياط المقص في الثوب.. وساعة يمرر الرسام الفرشاة على قماش اللوحة.. وساعة يجري الأديب القلم على الورق.. ساعتها ينتهي دور الحِرَفي ليبدأ دور الفنان المتقن لفنه..
من المفاهيم النقدية التي يساء فهمها عادة في الكتابات النقدية: الصدق الفني... حين تحال قضيته سريعا إلى الجانب الأخلاقي، ومن ثم ينشأ الوهم الذي يتحول به الأدب – عند بعضهم-إلى خطاب واعظ، أو إلى لوحات داعية لمذهب، أو تصور مشبع بقيمة أخلاقية، أيا كانت تلك القيمة عند أصحابها. بيد أن الأمر مختلف جدا.. لأن ما يُقصد بالصدق الفني في الخطاب النقدي، هو ضرب من "الاحتمالية" يتشبع به الأثر الأدبي ليغدو أثرا "محتمل الوقوع" حتى وإن كانت مادته عجائيبة، أو غرائبية، أو غارقة في الخيال العلمي.. لأنه ليس من شأن الأدب أن يعكس الواقع عكسا مرآويا، وإنما شأن الأدب وديدنه الأصلي أن ينشئ واقعه الخاص، سواء استند إلى الواقع المعطى أو تجاوزه إلى المتخيل الكلي. ومن ثم فالواقع الذي يعرضه الأدب، لا يمت بالصلة المباشرة لما يحياه الناس في اليومي، وإنما يمت إلى عناصر يتم رفعها إلى الفن، لتغدو عناصر لواقع جديد. يستقيم فيه الحديث عن الإنساني المرتفع عن العادي الغلف. وكلما كانت احتمالية الوقوع كبيرة في هذا الواقع، وكلما كان تمثيله للحقيقة الإنسانية في كل هيئاتها: من صعود ونزول.. من تألق وخفوت.. من تسامي وارتكاس.. كان ذلك أوغل في الصدق الفني. لذلك ننعت النصوص التي عرفت كيف تستخرج من لحظات الضعف الإنساني، أو لحظات التسامي فيه، عصارة التجربة التي تدخل فضاء المشترك الإنساني، ننعتها بالنصوص الخالدة.. لأن خلودها ليس في تعبيرها عن قضايا عالمية، وإنما يأتيها الخلود من ولوجها عالم التجربة المحتملة في كل الأجيال والثقافات. ولذلك كانت مثل هذه النصوص قليلة نسبيا إذا ما قيست بالكثرة التي تُعرض في الروايات على مر الأزمنة.
إذا حقق الأدب هذا الشرط.. شرط "الصدق الفني" احتاج إلى توشية خارجية، هي اللمسة الأسلوبية الجمالية التي يُضفيها الأديب على أدبه. ومن هنا يجب أن نشير إلى شيء مهم في الأدب.. هناك مرحلتان: مرحلة التفكير في الموضوع وإنشائه، وبنائه، وتكوينه، وهندسته، يقع خارج النص.. وهي أشد المراحل خطورة، لأنها تكشف الجانب الحِرَفي في الأدب، والذي يكون فيه الأديب شبيها بالبناء الذي يجمع المادة الخام، ثم ينظر فيها ليفصلها، وفق تخطيط، وهدف يرومه في النهاية، بأدوات يتم إحضارها، والتأكد من سلامتها.. حينما ينهي الأديب هذه المرحلة، يكون العمل الفني قد انتهى افتراضيا في ذهن صاحبه، وتكون أهدافه ومراميه قد تحققت.. وساعة يجري الخياط المقص في الثوب.. وساعة يمرر الرسام الفرشاة على قماش اللوحة.. وساعة يجري الأديب القلم على الورق.. ساعتها ينتهي دور الحِرَفي ليبدأ دور الفنان المتقن لفنه..
تعليقات
إرسال تعليق