دفاعا عن النقد.. بين الناقد والقارئ.. أي مساهفة؟ / حبيب مونسي
دفاعا عن النقد..
بين الناقد والقارئ.. أي مساهفة؟
بين الناقد والقارئ.. أي مساهفة؟
حبيب مونسي
حينما يستأنس الناقد في عمله التأسيسي بآراء غيره، يجد متسعا في تصنيفها إلى ثلاثة أصوات فاعلة في حياة النص الأدبي. وهي صوت الروائي، صوت الناقد، وصوت القارئ. بيد أن النقد الحداثي أحدث كثيرا من الثلمات في هذا الصرح، حينما قتل المؤلف وأحل محله القارئ، مانحا إياه سلطة التسلط على النص وامتلاكه، وإجراء الرأي فيه من دون حسيب أو رقيب.. وقد هلل المبدعون لهذا الزعم، ورأوا فيه فوزا للنص، وتذليلا لعقبة كان يمثلها النقد، وفتحا للرأي الحر الذي بإمكانه أن يتأرجح من الاستحسان إلى الاستهجان، دون أن يؤثر ذلك في النص المقروء.. ثم عمد النقد الحداثي إلى الناقد وسفه معاييره، واعتبرها من الآثار الرجعية، والسلط الأبوية التي لا تليق بالإبداع في اندفاعه نحو التجريب، واستكتاب أشكال جديدة لا تضاهيها أشكال أخرى من قبل. وعد كل حديث عن المعيار والقيمة، من قبيل الانتكاسة التي يجب على الإبداع التنصل منها إذا أراد أن تكون له الصدارة في إيجاد الجديد دوما.. فأحكام القارئ مهما كانت قيمتها المعرفية هي مجرد أحكام، ليس لها الشرعية التي كانت في يد الناقد، حينما يصدر حكمه.. ومن ثم غدا هم الروائي في إرضاء القارئ.. وأي قارئ؟ فهو لا يدري في أي يد سيقع نصه؟ ولا بأية معرفة سيدار الفهم في معانيه؟ وما قيمة الحكم الذي سينتهي إليه القارئ إن هو سجل رأيه.
يقول الروائي "محمد مفلاح" : " عندما ينجز الأديب عمله الإبداعي يستعد مباشرة لمواجهة فترة جديدة كلها مخاوف وهواجس، وهنا تظهر مكانة القراء المؤثرة بعد ميلاد النص الأدبي الذي أصبح ملكا للآخرين " ... هناك إذا فترة عامرة بالمخاوف والهواجس، سببها القراء وليس النقاد.. فالقراء عادة يقبلون على النصوص قراءة، وليس المطلوب منهم أن يسجلوا انطباعاتهم عليها.. من يفعل ذلك هم النقاد أصلا، لأنه يقع في واجبهم المتابعة، والتثمين، وإصدار الأحكام. هناك إذا نقل واضح للسلطة من جانب مخصوص وتمييعها في جمهور غير متجانس يسمى "القراء". وتأتي المغالطة الحداثية من هذا الباب.. إذ كيف يتسنى للروائي أن يعرف ردود أفعال القراء؟ هل سيألهم واحدا واحدا؟ هل يكتفي بعينة منهم؟ وما هو مستوى هذه العينة؟ وعلى أي أساس ستصدر أحكامها؟ إنها الأسئلة التي لم تجب عنها الحداثة،ومن ثم ورطت الروائيين فيها، حين بات اهتمامهم بالقراء يستدرجهم للنزول إلى رغباتهم المتقلبة، وأهوائهم المتحولة. فلو كان توجس الروائي من النقد، لكان توجسا سليما، يستند إلى رأي شريحة متميزة، لها من الدراية والنزاهة ما يخول لها تقييم وتقويم الأثر الأدبي.
وكأن "محمد مفلاح" يدرك طبيعة ذلك المنزلق فيقول :" أجل.. للقراء دور مؤثر في حياة الأديب إذ يشعرونه بمسؤوليته كمبدع يجب عليه أن يؤدي مهمته الإنسانية بوعي وجدية، لهذا يظل هو أيضا متشوقا لمعرفة رأي القراء الذين يعطون للنص نفسا جديدا " فهو لا يقصد عامة القراء، وإنما أؤلئك الذين يقدمون رأيا في الرواية. وحين تنحصر الدائرة في هذه الطبقة ندرك جيدا أن المعنيين بالأمر هم القراء المتخصصون، وتلك لعمري تسمية أخرى يتحاشى النقد الحداثي من خلالها تسمية النقاد باسمهم الحقيقي. فهم الذين يشعرون الروائي بمسؤوليته، وبمهمته الإنسانية، فلا يكون عمله إلا عملا جادا واعيا. وكأن الروائي لا يهمه أن يكون للقارئ العادي رأيا في عمله، سواء أدلى به في مجمع من القراء أو كتبه عرضا في تعليق، لأن مثل هذا الرأي لا يؤخذ بجدية من طرف القراء أنفسهم. ولكن الرأي الذي يؤسس عليه الروائي مقدار القيمة التي يتمتع بها عمله، هو الرأي الذي يأتيه مسنودا إلى مرجعية معرفية معتبرة، مدفوعا بتجربة عملية مؤكدة، يحتل من ورائها مكانة في الرأي النقدي الرسمي المتداول والمسجل في المجلات والكتب.
إن الروائي لا يعيش من أجل قراءة هذا أو ذاك، ممن يقبلون على نصه إقبال المصادفة ثم ينصرفون عنه إلى نصوص غيره، مما يجدونه معروضا في رفوف المكتبات، ومعارض الكتب. وإنما يطمح الروائي إلى ضرب من المتابعة التي تستغرق نشاطه في نصوصه كلها. لأنه لا يتحرك مثل القارئ من رواية إلى أخرى، وإنما حراكه يتم ضمن مشروع ينشأ معه حينما أقبل على الورقة البيضاء في أول سطر سطره..
حينما يستأنس الناقد في عمله التأسيسي بآراء غيره، يجد متسعا في تصنيفها إلى ثلاثة أصوات فاعلة في حياة النص الأدبي. وهي صوت الروائي، صوت الناقد، وصوت القارئ. بيد أن النقد الحداثي أحدث كثيرا من الثلمات في هذا الصرح، حينما قتل المؤلف وأحل محله القارئ، مانحا إياه سلطة التسلط على النص وامتلاكه، وإجراء الرأي فيه من دون حسيب أو رقيب.. وقد هلل المبدعون لهذا الزعم، ورأوا فيه فوزا للنص، وتذليلا لعقبة كان يمثلها النقد، وفتحا للرأي الحر الذي بإمكانه أن يتأرجح من الاستحسان إلى الاستهجان، دون أن يؤثر ذلك في النص المقروء.. ثم عمد النقد الحداثي إلى الناقد وسفه معاييره، واعتبرها من الآثار الرجعية، والسلط الأبوية التي لا تليق بالإبداع في اندفاعه نحو التجريب، واستكتاب أشكال جديدة لا تضاهيها أشكال أخرى من قبل. وعد كل حديث عن المعيار والقيمة، من قبيل الانتكاسة التي يجب على الإبداع التنصل منها إذا أراد أن تكون له الصدارة في إيجاد الجديد دوما.. فأحكام القارئ مهما كانت قيمتها المعرفية هي مجرد أحكام، ليس لها الشرعية التي كانت في يد الناقد، حينما يصدر حكمه.. ومن ثم غدا هم الروائي في إرضاء القارئ.. وأي قارئ؟ فهو لا يدري في أي يد سيقع نصه؟ ولا بأية معرفة سيدار الفهم في معانيه؟ وما قيمة الحكم الذي سينتهي إليه القارئ إن هو سجل رأيه.
يقول الروائي "محمد مفلاح" : " عندما ينجز الأديب عمله الإبداعي يستعد مباشرة لمواجهة فترة جديدة كلها مخاوف وهواجس، وهنا تظهر مكانة القراء المؤثرة بعد ميلاد النص الأدبي الذي أصبح ملكا للآخرين " ... هناك إذا فترة عامرة بالمخاوف والهواجس، سببها القراء وليس النقاد.. فالقراء عادة يقبلون على النصوص قراءة، وليس المطلوب منهم أن يسجلوا انطباعاتهم عليها.. من يفعل ذلك هم النقاد أصلا، لأنه يقع في واجبهم المتابعة، والتثمين، وإصدار الأحكام. هناك إذا نقل واضح للسلطة من جانب مخصوص وتمييعها في جمهور غير متجانس يسمى "القراء". وتأتي المغالطة الحداثية من هذا الباب.. إذ كيف يتسنى للروائي أن يعرف ردود أفعال القراء؟ هل سيألهم واحدا واحدا؟ هل يكتفي بعينة منهم؟ وما هو مستوى هذه العينة؟ وعلى أي أساس ستصدر أحكامها؟ إنها الأسئلة التي لم تجب عنها الحداثة،ومن ثم ورطت الروائيين فيها، حين بات اهتمامهم بالقراء يستدرجهم للنزول إلى رغباتهم المتقلبة، وأهوائهم المتحولة. فلو كان توجس الروائي من النقد، لكان توجسا سليما، يستند إلى رأي شريحة متميزة، لها من الدراية والنزاهة ما يخول لها تقييم وتقويم الأثر الأدبي.
وكأن "محمد مفلاح" يدرك طبيعة ذلك المنزلق فيقول :" أجل.. للقراء دور مؤثر في حياة الأديب إذ يشعرونه بمسؤوليته كمبدع يجب عليه أن يؤدي مهمته الإنسانية بوعي وجدية، لهذا يظل هو أيضا متشوقا لمعرفة رأي القراء الذين يعطون للنص نفسا جديدا " فهو لا يقصد عامة القراء، وإنما أؤلئك الذين يقدمون رأيا في الرواية. وحين تنحصر الدائرة في هذه الطبقة ندرك جيدا أن المعنيين بالأمر هم القراء المتخصصون، وتلك لعمري تسمية أخرى يتحاشى النقد الحداثي من خلالها تسمية النقاد باسمهم الحقيقي. فهم الذين يشعرون الروائي بمسؤوليته، وبمهمته الإنسانية، فلا يكون عمله إلا عملا جادا واعيا. وكأن الروائي لا يهمه أن يكون للقارئ العادي رأيا في عمله، سواء أدلى به في مجمع من القراء أو كتبه عرضا في تعليق، لأن مثل هذا الرأي لا يؤخذ بجدية من طرف القراء أنفسهم. ولكن الرأي الذي يؤسس عليه الروائي مقدار القيمة التي يتمتع بها عمله، هو الرأي الذي يأتيه مسنودا إلى مرجعية معرفية معتبرة، مدفوعا بتجربة عملية مؤكدة، يحتل من ورائها مكانة في الرأي النقدي الرسمي المتداول والمسجل في المجلات والكتب.
إن الروائي لا يعيش من أجل قراءة هذا أو ذاك، ممن يقبلون على نصه إقبال المصادفة ثم ينصرفون عنه إلى نصوص غيره، مما يجدونه معروضا في رفوف المكتبات، ومعارض الكتب. وإنما يطمح الروائي إلى ضرب من المتابعة التي تستغرق نشاطه في نصوصه كلها. لأنه لا يتحرك مثل القارئ من رواية إلى أخرى، وإنما حراكه يتم ضمن مشروع ينشأ معه حينما أقبل على الورقة البيضاء في أول سطر سطره..
تعليقات
إرسال تعليق