زئير الصمت "الجز 2 " / خيرة جليل
زئير الصمت "الجز 2" / خيرة جليل
ولا يعرف المعاناة التي أعيشها في صمت ....إن كل هذا اتقل قلبي وأفرغني من كل احساس جميل ...حين يأتي المساء اكون غير قادرة على فتح باب بيتي خوفا من اي تعرض للعنف . إن تأخر احد ابنائي خارج البيت اهرع للبحث عنه . . ينتابني شعور بالفزع والخوف من أن يتعرض للعنف .. إذا تأخر زوجي بعمله أحس بالاختناق ...اخاف أن يأتوا زملاؤه ليخبرونني أنه تعرض لطعنة سكين طائشة من مجرم خطير أو ان مروج مخدرات في حالة مجنون أو مطاردة دهسه بسيارته خصوصا مع تطور العنف والعنف المضاد بالشارع العام .أعتذر لقد اثقلت على قلوبكن بقصة حياتي هذه ...إن رجل الامن متهم دائما بالفساد وأسرته تعاقب من طرف جيرانها ومجتمعها وتعاني في خفاء وفي صمت لكن يستطيع التكلم عن هذه الشريحة الاجتماعية ومن يحب الدافع عنها حتى في حالة تعرضها لأي عنف ... القانون ينتظر من أسر رجال الامن أن تكون أسر نموذجية أخلاقا وسلوكا والمجتمع ينتظر منهم درجة الكمال . لكن أين هو الوقت الذي يكرسه رجل الامن لأسرته للتربية والتعليم والترفيه إذا أصبح البيت بالنسبة له مجرد فندق للأكل والشرب والنوم فقط يلتحق به بعد أن يقضى فترة دوامه في العراك والشجار والجري وراء المجرمين ..تعب قد يحتاج لأكثر من ليلة من النوم وما حسبك به يقضي ليله على هذا المنوال ليلتحق بالبيت السابعة صباحا ليجد الابناء يغادرونه في اتجاه مدارسهم ، ليعود لحظة الغداء ويجدونه بالباب يهم بالالتحاق من جديد بعمله ولا يعود إلا إلى العاشرة ليلا ...ليغادره من جديد على الساعة الخامسة صباحا قبل أن يستيقظ الابناء من نومهم ... ايجازته لا تتعدى خمسة عشرة يوما في السنة وإن شاءت الظروف ومرض ودفع شهادة طبية يتم عقابه من طرف رئيسه المباشر بعدم اقتراحه في الترقية المرتقبة ليلفق له تهمة التمارض وتضيع سنوات تعبه بمزاجية رئيسه.... أنا لا أنفي ان هناك موظفين أمن فاسدين لكن الشاد لا يعمم ..هناك شرفاء يؤدون واجبهم بتفان لا تغريهم الاموال أو قضاء المصالح الشخصية .فهم بشر ومواطنون كسائر خلق الله يصيبون ويخطئون ،لكن منهم كذلك حاملي الشواهد الجامعية العليا ومن تشبعوا بثقافة المواطنة النشيطة و بثقافة الحق والواجب ويتفانون في اداء واجبهم. لكن اغلبهم حين يسقطون ضحية مرض أو حادثة يسدل عنهم الستار كتعبئة هاتفية تم استهلاكها ورميها . وإن شاءت الأقدار أن وصل إلى سن التقاعد تراه يمشي أعوج الظهر وجميع الامراض المزمنة غزت جسده ...أووووف أعرف أن لكل مهنة عيوبها ومحاسنها لكن هذه الفئة نحن نسائهم وأسرهم من يدفع الثمن في صمت ونكون مهددين في اي لحظة للتعرض للعنف المادي والمعنوي ."
هكذا أنهت كلامها عابدة لتحتسي أخر جرعة قهوة من كأسها وتطلق ضحكة خفيفة وابتسامة مزيفة فيها نوعا من الاستهزاء يعلو وجهها لتضيف .
"- يقولون الربيع العربي انه الخريف العربي ،إنه خريف المبادئ والحقوق والواجبات .كيف لمن يجهل الواجبات أن يطالب بحقوق هو نفسه لا يفهم دلالتها . كيف يطالبون بحقوق الانسان وزنى المحارم في ارتفاع مستمر والاغتصاب يمارس في الازقة والتشريح بالسكاكين أصبح موضة العصر ...... اي مجتمع هذا اصبحنا نعيش فيه ؟ الافضل للعوانس ان يحتفلن بعنوستهن على الاقل هن لم ينجبن ضحايا جدد في مجتمع لم ينضج بعد. الامن والسلطة موجودين ولا نستطيع أن ننعم بقسط من الراحة دون أن تحس برعب ...فظهرت لنا موضى "التشرميل " كآخر موضة في الاجرام...الشرطة لا تنام ليلا ولا نهارا والمجرمون يتباهون بالسيوف والسكاكين في الأزقة ...فما بالك بهذه الفتن التي يريدون اشعالها في مجتمع لم ينضج بعد ولازال لم يرق من درجة قبيلة إلى وطن ! أي مثقف هذا تريدونه أن يؤطر مواطن جاهل أو أمي وهو لازال يعلق حذوة الفرس في مؤخرة سيارته الرباعية الدفع لتحميه من العين ...وإن فتشت جيوبهم تجدها كما قال زوجي تزخر بأنواع التمائم والكتابات للمشعوذين يظنون أنها تقيهم من الشر وتحصنهم من السحر وتصنع لهم القبول لدى الناس خصوصا في حملاتهم الانتخابية ؟... أي مجتمع هذا الذي لازال يصوت في انتخاباته على اشخاص وأسماء أسر غنية به بدل من أن يصوت على برامج انتخابية لها مشاريع تنموية مدروسة تهدف خدمة المجتمع والفرد على حد سواء ؟ اي مجتمع هذا ولازلنا نرى البرلماني حين يتكلم بالبرلمان لغته ركيكة و النزعة القبلية تطغى على خطابه.... حين يتحدث وكأنه في مرافعة للدافع عن قبيلته وعشيرته بدل من أن يفكر أنه يتحدث عن المصلحة العامة لمجتمعه ووطنه ككل ؟ وحتى الذين يغرونك بأنهم يدافعون عن المصلحة العامة بمجرد ما يصلون إلى كراسي القرار يعانقونها ويبدلون لون جلودهم كالحرباء متنكرين لقضيتهم التي تبنوها في أول مسارهم النضالي وأتحفظ على هذه الكلمة التي لا تليق بهم لاني لا أأمن بنضال بين شعب كهذا .إن كل واحد وصل إلى كرسي ما يحاول اذكاء النعارات القبلية محركا قبيلته لرفع شعار حامي القبيلة مما افرز لنا مجتمع منفصم الشخصية لا هو مع التقاليد والموروث في ايطار الاصالة ولا هو مع الحداثة والمعاصرة .
لا أعرف لماذا كل مواطن أصبح ناطق باسمه قبيلته وأصله الا يعلمون أن سر جمال المغرب وخصوصيته هو هذا التعدد والتنوع والاختلاف في الاعراق والأصول واللغة والعادات والتقاليد ؟ ألا يعلمون أن التنوع مصدر للغنى الثقافي والفني للتراث الوطني !
ثبا لمجتمع لازال يحن إلى ايام "السيبة " والفتن ولا يعي ان الله من عليه بجميع الاشياء الجميلة . ولا يعلم أن " السيبة " ستعود بهم إلى ايام الفتنة والاقتتال والمجاعات و" القمل والوسخ " !إن الذي يعيش في نعيم لا يدرك ما معنى الجحيم ...فلينظروا إلى ما تعيشه دول الشرق العربي ...الم نصبح وجهة للأسر السورية الفارة من جحيم الحرب الاهلية ؟ ألم نصبح جنة للعيش بالنسبة للأفارقة الهاربين من الجوع والمجاعات والقتل بوسط الصحراء ! دعوا الصمت يداوي الجراح ...إن معاناتي لا تعني شيئا أمام مجتمع لازال لا يعرف ماذا يريد ؟ فتراه يندد بالحداثيين حين يدعونه إلى العمل والكد ويندد بالإسلاميين حين يدعونه إلى الرجوع إلى الدين ...فلا المجتمع راض عن هذا أو ذاك ولا الحداثي حداثي بافكاره وأفعاله ولا الاسلامي إسلامي بافكاره وأفعاله .فكيف لا يعاني ابنائنا من انفصام الشخصية في مجتمع وهم من رضعوا الانفصام في حليبنا منذ خروجهم إلى الحياة ! أوف اتركا الصمت يداري خيبتنا فقط حبيبتيْ "
من هول ما سمعناه من صديقتنا ومعاناتها اليومية اصبحت المشاكل والإكراهات اليومية التي نعيشها مجرد توابل ونكهات لمشاكل عابدة . ووجدنا أنفسنا أننا مجرد مربع ابيض أو أسود وسط هذه اللوحة الفسيفسائية الكبيرة التي تحدثت عنها صديقتنا .
التفتت تثريث وتنفست الصعداء وقالت :
- وأنا التي اقول إني أنا الوحيدة التي أعاني في صمت من زوج سكير ومتهاون ويتكل علي في كل شيء ... نعم وجدت نفسي يوما متزوجة ليس بدكتور له مركزه المرموق بالمجتمع وإنما بزير نساء ...ويا ليثه كان زير نساء فقط . إنه زير نساء من نوع خاص إنه زير طالبات يبدلهن كما يبدل ثيابه الداخلية في كل يوم . أسمعتم قصة الاستاذ الجامعي الذي نشر له فيديو إباحي مؤخرا بالانترنيت . إنه المصون زوجي الكريم حفظه لي الرب وأطال الله عمره . عشيقته الطالبة سجلته له شريطا يمارس فيه العادة السرية عبر "الشات" المباشر معها بالأنتيرنيت بغرفة نومنا المقدسة وابتزته عدة مرات وفي الاخير عندما رفض الخضوع لابتزازها المتجدد قررت أن تنزله على الشبكة العنكبوتية . يهيم بالايام والليالي خارج البيت و حتى ولو دخل مبكرا للبيت وأغلق عليه غرفة نومنا أو المكتب لا تعرف ما هي المصيبة التي يقوم بها ...لهذا هربت ابني الوحيد لدراسة الهندسة الجينية بأمريكا لأبعده عن فضائح والده المتكررة ....لا أريد الحصول الطلاق نكاية في عشيقاته لأجعله عبدي الذي يقبل حذائي في كل مرة حين تستدعني الشرطة لمخفرها لأعمل له تنازلا عن حقي المدني في كل خيانة زوجية ضبط بها . أعرف أنه معسر ماديا لكثرة ديونه للعبه الميسر والقمار في شكل "اللوطو" و"البوكير " فأعاقبه بان أتركه يذهب للجامعة بسيارته المهترئة في الوقت الذي اخرج أنا فيه بسيارتي الفخمة. أو أتركه يركب الحافلة العمومية مع سائر ابناء الشعب ليتعلم فيه اللصوص تقطيع جيوب سرواله في كل مرة . أتعمد أن ارى في عينيه الحسرة والألم حين ينظر الي وأنا اراكم أموالي في البنك وأرسل لابني ما يحتاج اليه .... تصورا انه بلغت به الجرأة والوقاحة أن أخبرني يوما أن الزكاة التي أخرجها للفقراء والمحتاجين تجوز له لأنه معسر . اني فقط أحتفظ به كما تقول أمي كغطاء للرأس يحميني من اعين الطامعين في جسدي أو أموالي ....إننا نحتفظ يا حبيبتي بالواجهة الجميلة أمام الغريمات فقط نحتفظ ب"الفيترينا " كما يحلو للمغاربة أن يسمونها كلنا نعاني في صمت ولا يجوز لنا حتى التكلم عن آلامنا لا لأسرنا أو إلى المحسوبين على أصدقائنا ." لتنهي حديثها بأخذ نفس عميق ونبرات الحسرة بصوتها وحزن يغلف ملامحها .
أخيرا التفتتا الي وهنا يبتسمن لي بمكر ودهاء الصديقتين .
- وماذا ورائك انت يا تايمة ؟
هكذا نطقت الاثنتان في نفس الوقت .
-ضحكت طويلا حتى اغرورقت عيني بالدموع وقلت :
- وهل تظناني أني أحسن منكما حالا ....نحن مجرد موظفين عاديين نعيش الحياة ببساطة ليس لنا هم شراء فيلا ولا سيارة فخمة ولا قضاء عطل خارج المغرب ...نحن نعيش هنا في هذه القرية الصغيرة بمنزلنا البسيط خلال اوقات عملنا ولما تحل العطل نهرب بالأبناء إلى شقتنا الصغيرة بالمدينة الشاطئية .نحن نعودهم على التعايش مع جميع الأوضاع لأننا أسرة عصامية بدأت حياتها من الصفر وأنتما تقاسمتا حياتي في بدايتها ....تركنا الجاه العائلي بعيدا عن حياتنا الأسرية الصغيرة . لا يهمني عائلته الغنية او عائلتي الميسورة. نحن نعيش اعتمادا على إمكانيتنا المادية الخاصة بنا .أنا مشكلي من نوع أخر ...أسرنا لا تتقبل أننا نحب الاستقلال بأنفسنا عن مشاكلهم التي لا تنتهي ...أسرنا منذ ازيد من خمسة وعشرين سنة لازالت لا تفهم أننا لا يستهوينا لا الجاه أو العز ...نريد أن نعيش حياة بسيطة بعيدة عن البروتوكولات والمجاملات والابتسامات المزيفة .... بدأ الابناء يكبرون ويطلبون منا مطالب . يطلبون ما هو فوق طاقتنا وحين نقمعهم ونقول لهم الأجدر بهم أن يعملوا لتحقيق أحلامهم بأنفسهم كما فعلنا نحن ،يستهزؤون منا ويقولون أننا اتينا من كوكب غير الارض. اصبح الابناء يتبرمون من كوننا عزلناهم عن أسرنا ..يريدون أن يلتحقوا بموكب السهرات والحفلات التي ينظمونها أبناء العائلة في كل مرة . ولم يستوعبوا بعد أن هناك فترة للعمل وبناء الذات وفترات للراحة والاستجمام . جيل يريد اللبس الممتاز والاكل الممتاز والترفيه الممتاز ولا يحب العمل الجاد والممتاز ..إنه جيل انتهازي من نوع خاص ولما لا وهو من فتح عينيه في اكثر من تلفاز وحاسوب ببيت واحد .!..فتح عينيه وهو يملك الهواتف النقالة الذكية ...فتفننوا في وسائل الغش أكثر من وسائل العمل...أسألوني أنا من يقضي يومي معهم بالقسم والنوادي الصحية والحقوقية ..لا التحسيس و لا التوعية تعطي اكلها ولا الدراسة ترمم ما افسده مجتمع منفصم وتائه ... إني استوعب كل التناقضات الحياتية والغضب اليومي بركوب الجنون هكذا ."
فوقفت تايمة فوق الصخرة وصرخت بأعلى صوت والجبل يردد صوتها ليفزع الطيور العائدة ألى أعشاشها .
-أنا سعيدة رغما عنك ايتها الحياة .....حتى وإن كانت حياتي سندان وإكراهاتك اليومية مطرقة . سأعيش بينهما وأتمتع بك رغما عنك كيف ما كنت. لا يهمني الاخر ولا تهمني الاحكام التي يطلقها عني .أعرف انه حين يكون زوجي متفهم لأوضاعي سيتهمونني باني دكتاتورية ومتسلطة ..وإن تفهمت أوضاعه سينعتونني بضعيفة الشخصية والخنوعة ...أعرف ان لا أحدأ يسلم من ألسنة الناس. لهذا أعيش حسب منطقي أنا وليس حسب ما يمليه غيري علي .... إن كرهت شيئا صرخت وإن احببته فرحت . أعيش بطريقتي وحسب امكانياتي المادية ...أنا لست الكمال والكمال ليس انا ."
هكذا ختمت حديثي بخرجتي المسرحية المجنونة هذه .
- هكذا انفجرت تثريث وعابدة بالضحك وحينها قالتا لي كنا نعلم انك انت الوحيدة المجنونة بيننا ...
- وهكذا انتهي يومنا وقد وعدنا بعضنا على ان نخصص يوما لبعضنا بعد كل خمسة عشرة يوم لنفرغ الضغط الذي يمارسه علينا المجتمع والحياة ككل ونمد يد المساعدة لبعضنا ونتبادل المشورة والنصائح كما كنا نفعل ايام حياتنا الجامعية لأننا ما احوجنا لأن ننصت لبعضنا البعض فقط . ونكسر جدار الصمت السميك الذي يبنيه المجتمع من حولنا ليسجننا داخله بدون رحمة أو شفقة .لاننا إن صمتنا وتسترنا على آلامنا ولم نعمل على إخراجها من صدرنا ستمارس ثقلها على صدورنا لتجثو على قلوبنا و ستكبر الهوة بيننا ونبتعد عن بعضنا .وبذلك سيغرق كل واحد منا في عالمه الخاص وينقطع على العالم الخارج ، هذا الاخير الذي أصبح في تغير مستمر. أعلم أنه لا شيء يرضي الاخر وأن ارضاء الاخرين ضرب من الجنون لكن لنرضي ضمائرنا ونفك العزلة عن ذواتنا ونجعلها أكثر انفتاحا حتى لا نزج بأنفسنا في سجون نفسية لا إرادية تعقد حياتنا وحياة من يحيط بنا .
خيرة جليل
تعليقات
إرسال تعليق