قراءة لتنصيبة "هروب أزرق " Evasion bleue / محمد فارس


الفنان  محمد فارس

قراءة لتنصيبة "هروب أزرق " Evasion bleue

للهروب من الذاتي لما هو عام و مشترك و للهروب من مجتمع الواقع إلى مجتمع أزرق مصغر يجمع بين الواقعي و التمثيلي و الافتراضي قامت تنصيبة "هروب أزرق " Evasion bleue  على التلاعب بالفضاءات و الأزمنة و المراوحة بين الضمني و الافتراضي و الواقعي. 
منحوتات و رسوم زرقاء هي في مواجهة مع المتلقي تدعوه للتفاعل معها، تجسدت في هيأة بشرية و انتصبت جنبا إلى جنب لتجالس الزائرين و تعايش لحظة ولادتها و تشكلها. 



"هروب أزرق " Evasion bleue هو عمل فني بتصور معاصر تنمحي فيه صورة الفنان التقليدي ليتحول إلى الإخراج على حساب الفعل التشكيلي، فكان الهاجس الأول هو استغلال و توظيف الفضاء و جعله سكنا للعناصر التشكيلية ما يخول التفاعل معها.

بأزرق ذو فاعلية في تحرير الذاكرة و الرؤية من الارتهان للواقع برتابته. يدخل كرهان لخلق عوالم فنية ذاتية و من ثم جماعية نفارق بها الزمن الطبيعي و ننسلخ عن كل تحديدات مثقلة بالمرجعيات, بأزرق واسع الدلالات و متفاوت الدرجات قادر على خلق الخيال و مساحات من التصريح و التلميح. نهرب إلى فعل تخييلي و نهرب من الواقع دون أن ننفصل عنه، لنعايش تشكل شخوص متمردة تبتدع عالمها و تأثثه و تحطم سياج الفضاء المألوف و تجعله فضاء حلم و تتسلى برسم أقدارها.


كائنات زرقاء  تمجد الحياة  و تحتفي بالجسد فبين الظاهر و الباطن و الواقعي و المتخيل استقرت بين وجود عيني مدرك و آخر تخييلي و تحولت الجسدية إلى موضوع يتملص من محدودية الوجود الواقعي إلى عوالم تنفتح فيها الرؤية و تتحول فيها المستحيلات إلى ممكنات. في ذاك الحين تولد هذه  الكائنات بعد أن أرهقها البحث عن كيفية تشكلها، فتتحسس ملامحها لتتعرف على هيأتها فترتضي الأزرق لونا لها، و تجلس منتظرة خلاصها بعد أن تكبدت عناء رحلة الخلق و التكوين.

 مازالت هذه الكائنات تبحث عن صيغة اكتمال وعيها بالوجود و عن خيط يربطها بمفردات العالم لذلك كان لزاما عليها أن تتعلق بشيء موجود تتواصل معه بحميمية و تستعير مفرداته، هكذا تقيم علاقة فعل مع ما يحيط بها.


تتخبط في هذه التنصيبة كائنات منحوتة في نسق الموجودات فتنتصب ليكون لها رمزية و فاعلية و شكلا و مضمونا وتحمل التنصيبة قلقا ابداعيا على المستوى التقني كما التعبيري و تنم عن رغبة في البحث عن أسلوب يكون ممزوجا بأحاسيس نابعة عن تجربة ذاتية و ما تحمله من أسئللة مقلقة لذلك فإن تنصيبة "هروب أزرق " Evasion bleue تجمع نصيبا من الذاكرة ونصيبا من الحلم و تتحطم فيها حدود الواقع وتمثل احتفالا بالحركة و الديناميكية الحية و تنسج علاقات مع المشاهد بمفرداتها التي تتجاوز الحدود البصرية، و فيها يتحول الزمن الواقعي إلى زمن فني ينقسم بدوره إلى زمن ضمني هو زمن إنجاز المنحوتات و الذي كشفه الزمن لافتراضي في عرض مسقط لشريط فيديو يتابعه المشاهد وهو جالس جنبا إلى جنب مع تلك الكائنات ، و تجتمع كل هذه الأزمنة في زمن واحد هو زمن مساءلة ذاك المشاهد الحاضر في الزمن الواقعي. 


امتدت التنصيبة على الجدران و الأرضية مشكلة لغة جديدة للفضاء البصري في علاقته بالمشاهد، و مؤدية إلى إدراك حسي يلعب دوره في تأسيس قراءات فنية عند الحركة و التجول و الطواف حول الشكل الدائري الأزرق الذي شكله فتاة الإسفنج الإصطناعي و يتوسطه مجسم في هيأة بشرية مطروحا أرضا و يصارع كتلة كروية الشكل. بذاك الطواف يتحرر الفضاء من ثباته و سكونه من خلال الحركة القائمة بغية التوليف بين جملة العناصر المكونة للتنصيبة و التي تحوله من فضاء هندسي إلى فضاء فني و تجعله يتفوق على ما هو يومي و سائد و مألوف، و يكون زاخرا بالدلالات و القراءات.





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح

آعـظـم 100 كتاب فـي تـاريخ الـبشريـة ... (جميعها جاهزة للتحميل)