ندوة الشروق أون لاين في عددها الثاني مع الأديب والإعلامي الأستاذ حمري بحري
استضافت ندوة الشروق أون لاين في عددها الثاني الأديب والإعلامي الأستاذ حمري بحري،
وناقشت معه موضوع دور المثقف الجزائري في المشهد السياسي .. بين الغياب والتغييب. السيد حمري معروف بكتاباته الملتزمة وقلمه السيال والحر، ومواقفه الصريحة التي لا مداهنة فيها ولا مهادنة لا يذهب من أبواب متفرقة ليقول رأيه وإن كان"موجعا"، ولا يخاف في الحق لومة لائم ولا يرجو من السلطات جاها ولا منصبا فتراه لا يتحفظ في تحميل السلطة والمثقف معا مسؤولية الهزال الثقافي الحاصل والغياب المزمن لنخبة مثقفة في البلاد.. حمري بحري ببساطة يعتبر المثقف العربي عموما والجزائري خصوصا مواطنا جبانا... من هذا المنطلق فجر الأستاذ حمري قنبلته الثقافية في ندوة الشروق أون لاين...
السيد حمري لعل السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح أين هو المثقف الجزائري حاليا؟
لا أدري من أين أبدأ فيما يخص المثقف الجزائري والعربي بصفة عامة، وأول كلمة أضع تحتها خطين هي ان المثقف الجزائري والعربي عموما "جبان" ولا يستطيع ان يبدي رأيه في مسائل تهم الشأن العام لأنه يرى في إبداء الرأي العقوبة قبل أن تصل الفكرة إلى المتلقي وبالتالي كل مثقف في الجزائر يقبع في داخله "شرطي" داخلي أو خارجي وهو الضمير وأظن أن المثقف في الجزائر "سلبي" ويكتفي بما يكتبه من رواية أو قصة أو شعر ولا يتعدى إلى إبداء الرأي في القضايا التي تمس الأمة بصفة عامة لان الكاتب ليس من يكتب فقط وإنما من يبدي الرأي في مسائل يراها جوهرية.
المثقف الجزائري هش أو "خبزيست" ... والوحيد الذي تكلم بصوت مسموع هو الدكتور أبو القاسم سعد الله رحمه الله
وبصفة عامة لا يمكن أن نسمي كاتبا معارض لأن المعارضة للأحزاب وليس للكتاب الذي يحملون أقلامهم وكتبهم وليس وراءهم جماهير تؤيدهم وتساندهم وهذا هو الإشكال المطروح منذ الاستقلال إلى يومنا هذا فالمثقف غائب تماما عن الحياة الاجتماعية للمواطن.
هل هذا يعني أنه ليس ثمة نخبة في الجزائر بالمعنى السياسي؟
النخبة هي مجموعة من الأشخاص تتميز عن غيرها بطرح أفكارها المخالفة للرأي السائد وترى ما لا يراه الآخرون وبالتالي فهي عرضة للنقد فكريا غير أننا في الجزائر نفهم النقد بطريقة مختلفة ونعطيه صبغة أخلاقية وقلما نجد حزب ينتقد حزبا آخر في الأفكار أو شخصية سياسية لأن الطرف الآخر يكون عنيفا ولا يتقبل النقد وهو الشيء نفسه بالنسبة للسلطة التي لا تقبل من يغضبها ونرى أن السلطة حتى تكون فعلية يجب أن توازيها معارضة قوية فلا دولة قوية بدون معارضة قوية فالنظام سيكون هشا ولا يستطيع أن يخلق معارضة توازيه وتواجهه.
وبالتالي هذا يقودنا إلى الحديث عن مثقف هش في الجزائر؟
طبعا المثقف الجزائري هش أو "خبزيست" كما يقال بالعامية ويمارس التقية ونادرا ما يخرج رأسه إلى النور ويتكلم بصوت مسموع والوحيد الذي تكلم فعلا بصوت مسموع هو الدكتور أبو القاسم سعد الله رحمه الله فكان كلما يحدث إشكال في الجزائر إلا وقدم رأيه في المسألة.
هل هذا راجع إلى غياب المثقف في حد ذاته أم أنه مغيب من طرف السلطة؟
في عهد الحزب الواحد كان الاختلاف داخل الحزب نفسه ... كانت هناك حياة ثقافية نشيطة جدا
المثقف جبان كما قلت وهو الذي غيب نفسه ولم يستطع أن يفرض نفسه من خلال المنظومة السياسية ككل. فالأحزاب مثلا لا يوجد فيها مثقفون وهناك مثقفون بلا أحزاب كذلك لان المثقف عندما يذهب إلى حزب ما يعني أنه اقتنع بأفكار ذلك الحزب و يدافع عنها و ينشرها غير أن مثقفينا لا انتماء لهم والمثقف يبنغي أن ينتمي و أنا ضد أن يبقى بدون انتماء فيجب عليه أن ينتمي إلى المجتمع وإلى فكرة يدافع عنها.
هذا الأمر يخدم السلطة من خلال تغييب المثقف؟
المثقف الجزائر يحتاج إلى تعديل لأن السلطة استطاعت أن تسطح أفكار الناس والمجتمع وأصبح هذا الحيز خال من المفكرين ولو نأخذ اي مواطن بسيط ونجري معه حوارا نجده إنسانا فارغا ومسطحا إلى أبعد الحدود، حتى السياسيين عندنا أفكارهم مسطحة فتجد زعيم حزب سياسي مناضلوه أكثر ثقافة منه و أكثر شمولية و رؤية للحياة.
هذا الوضع له جذور تاريخية أم وليد المرحلة الحالية؟
الثورة التحريرية لم تقم على أفكار وتجليات بل كانت ثورة مسلحة لطرد المستعمر فقط أما كيف نكون بعد طرد المستعمر فكان غائبا وغير موجود وبالتالي فنحن طردنا المستعمر ككيان عسكري والمستعمر الفكري والثقافي موجود حاليا يعني أن فرنسا ككيان فكري وثقافي ما زالت متجذرة في الجزائر.
انت تنفي بذلك دور بعض الجمعيات وعلى رأسها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ونجاحها في نشر الوعي الفكري والسياسي قبل وأثناء الثورة التحريرية؟
نعيش مرحلة المثقف الأجوف الذي لا يقول شيئا وهو الذي تُملأ به الصحف والمجلات والقنوات ولا يؤثر في السلطة التي وضعته في الواجهة.
جمعية العلماء المسلمين لعبت دورا كبيرا في تحضير الناشئة إلى الثورة المسلحة ولا يستطيع اي كان أن ينفي ذلك وبالتالي فهي جمعية واحدة ولم تكن كحراك لجمعيات داخل المجتمع حتى بعد الثورة وبقيت معزولة في الواقع لكن الثورة بعد انطلاقها في زمن التعددية السياسية التي كانت موجودة انتقلت إلى الحزب الواحد وهو حزب جبهة التحرير الوطني والناس دخلوا فيها كأشخاص وليس كجمعيات وبالتالي مناضلو جمعية العلماء دخلوا كذلك كأفراد وليس باسم الجمعية.
على ذكر جبهة التحرير أنت ترسم صورة سوداء وتصف المثقف بالجبان لكن العيب ليس في المثقف بقدر ما هو في السلطة التي أعطت الدليل على أنها لا تتوانى عن البطش بأي كان.. فإما يكون معها أو سيلغى ويهمش والدليل على ذلك انه حتى في عهد الحزب الواحد كان للمثقف دور في تلك المرحلة؟
أنا أتفق معك في هذا الطرح لأنه في عهد الحزب الواحد كان الاختلاف داخل الحزب نفسه وكان اليميني يجالس اليساري والإخواني والعكس فكان حزبا تعدديا داخل هيكله التنظيمي ففي هذه المرحلة كانت هناك حياة ثقافية نشيطة جدا ونجد الكثير من المجلات على غرار مجلة الثقافة ومجلة آمال ومجلة ألوان ومجلة الحلقة ومجلة الرؤية ومجلة الأصالة لوزارة الشؤون الدينية وغيرها أما اليوم فلا يوجد أثر لهذه المجلات.
لا يوجد في وزارة الثقافة مثقف واحد وهو حال الملحقين الثقافيين في السفارات الجزائرية بالخارج لا يمتون إلى الثقافة بصلة
ومنذ 15 سنة تم تصحير الحياة الثقافية بشكل كبير جدا وكأننا في هذه الديمقراطية انتقلنا من حكم الحزب الواحد إلى حكم الفرد الواحد الذي جمد كل شيء وأصبحت الحياة الثقافية عبارة عن رقص ولا تنتج الأفكار بل تعيد إنتاج أفكار سابقة لا تضيف شيئا لذهن القارئ.
ومن هو المسؤول عن كل هذا؟
السلطة هي المسؤولة لأنها حاليا سلطة من لا يقرأ وهذا ما يخيف الكاتب والمثقف بصفة عامة لأن الأمية الجديدة التي نتحدث عنها اليوم تتمثل في من يحسن القراءة والكتابة ولا يقرأ فتجد أستاذا أو معلما لا يقرأ في السنة كتابا واحدا فهذه الأمية الجديدة تمثل خطرا على المجتمع وهنا يبدأ الإشكال لأننا أمة يفترض أن تكون أمة القراءة والكتابة فأول آية نزلت من القرآن طلبت من الإنسان القراءة ولم تطلب منه أن يصلي أو يصوم لكن نحن حاليا أمة لا تقرأ وهو النموذج الذي تريده السلطة فللسلطة مثقفيها كما قال الراحل عبد الحميد مهري لكل زمن رجاله وهذا زمن الرداءة فهي عدوى فأينما كان شخص غير مثقف يجتمع حوله أشخاص غير مثقفين في مستواه وشكله.
أين هو دور وزارة الثقافة لوقف هذه الفوضى؟
وزارة الثقافة عبارة عن جهاز في قطيعة كاملة بينه وبين المثقف وعبارة عن جيش من التكنوقراطيين والإداريين لا علاقة لهم بالثقافة على الإطلاق حتى أن وزارة الثقافة ليس لديها بطاقية للمثقفين والفنانين والأدباء ثم أن المديريات الولائية يشرف عليها مجموعة من التكنوقراطيين الإداريين لا علاقة لهم بالثقافة لا من بعيد ولا من قريب.
تتحدث عن غياب المثقف أو تغييبه هل ثمة دور للمثقف في التأثير على الرأي العام والموقف السياسي؟
المثقف هو من ينشئ الأفكار والتصورات داخل المجتمع ويعيد توزيعها أما من لا ينتج هذه الأفكار فنسميه متعلم وليس مثقفا. المثقف أنواع مثقف "زمار" وهو ما تعتمده السلطة ويبرر ما تقوم به وهناك مثقف لا هو مع السلطة ولا مع المعارضة فهو يزمر خارج السرب فالذي لا يغير بأفكاره لا يستطيع أن يغير في نفسية غيره.
تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية لم نستفد منها بل صرفت عليها أموال طائلة دون جدوى فانا أسميها عبثا ثقافيا مجانيا.
الرأي العام غير موجود في الجزائر بل موجود فقط في منطقة القبائل فحينما يحدث أمر ما كل الناس يتفاعلون معه أما في باقي مناطق الوطن فليس هناك شيء اسمه الرأي العام وأظن أننا نعيش مرحلة المثقف الأجوف الذي لا يقول شيئا وهو الذي تملأ به الصحف والمجلات والقنوات الإذاعية والتلفزيونية ولا يؤثر في السلطة التي وضعته في الواجهة فقط.
هذا يقودنا إلى الحديث عن مشكل المضمون الذي يقدمه المثقف للمجتمع، ألا ترى أن السلطة تعمل على كبح المثقف حتى لا يقدم ما هو منتظر منه لفائدة المجتمع؟
السلطة لها دور في الموضوع فهي تريد أن يكون المثقف تابع لها ويمثلها كواجهة وتحارب الجرأة والأفكار المغايرة والجودة داخل العمل الثقافي ونجد هناك مجازر مرتكبة من طرف وزارة الثقافة التي ينبغي أن تكون البيت الذي يشع على المثقفين.
ولعلمكم كذلك انه لا يوجد في الوزارة مثقف واحد وهو حال الملحقين الثقافيين في سفارات الجزائرية بالخارج لا يمتون إلى الثقافة بصلة فهم إداريون معينون من طرف وزارة الخارجية.
نظمت السلطة تظاهرات ثقافية عديدة على غرار السنوات الثقافية في تلمسان وقسنطينة ألا ترى بأن السلطة تبذل مجهودا لخلق حركية ثقافية من خلال هذه التظاهرات؟
عاصمة الثقافة الإسلامية التي جرت في تلمسان كانت متعددة اللغات شملت مشاركين من مختلف أنحاء العالم ولم نستفد منها بل صرفت عليها أموال طائلة دون جدوى فانا أسميها عبثا ثقافيا مجانيا بدون مردود ولا يفيد.
الحرية تؤخذ ولا تعطى فعلى المثقف أن يأخذ حقه ويخرج من دائرة العدم إلى دائرة الفعل ليؤثر في الآخرين..
فالثقافة تكون وسيلة للتنمية الاقتصادية عندما ترتبط بالمنظومة السياحية وعندما تكون نشاطات سياحية تكون هناك نشاطات ثقافية ونحن لا سياحة لدينا.
كيف ترى انعكاسات ذلك على المثقف ما دام غير منتج وما السبيل إلى الخروج من هذا الوضع المزري؟
أعتقد أن هناك انعكاس لفعل الرداءة الموجودة في الأحزاب السياسية والسلطة انعكس ذلك على الحياة الثقافية بشكل مباشر لان الرداءة لا تنتج إلا الرداءة والتخلف لا ينتج إلا التخلف ولا يمكن أن يأخذنا ذلك إلى مستقبل وحياة أفضل ومن هنا أرى هذا التناغم بين الرداءة في الأحزاب والسلطة والرداءة في الحياة الثقافية بشكل عام أدى إلى تسطيح الحياة الإجتماعية والفكرية وانعكس على المواطن نفسه، فنرى حصص ثقافية لا علاقة لها بالثقافة ولا بد من الإشارة إلى المجلس الأعلى للآداب والفنون الذي تأسس مؤخرا في غياب المثقفين ونحن لا نعرف من أعضائه الناشطين إلا المغني عبد القادر دعماش أما دور المجلس ومهامه فلا نعرفها لأن جميع أعضائه معينون من طرف وزارة الثقافة وهو أمر غير معقول تماما فلا توجد ديمقراطية في التعيين.
"غرداية تحترق في الجنوب" وكتابنا منشغلون بالكتابة عن مشهد من رواية أو قصة ولا يتكلمون عن المشكل ولا يبدون رأيهم فيه فهم منفصلون عن الواقع تماما
ما السبيل إلى تغيير هذا الواقع حتى يسترجع المثقف مكانته في المجتمع؟
الحرية تؤخذ ولا تعطى فعلى المثقف أن يأخذ حقه ويخرج من دائرة العدم إلى دائرة الفعل بحيث يؤثر في الآخرين وذلك لن يتم إلا بإسقاط النظام ويذهب من حياتنا تماما لأن النظام الذي لا يحمي الثقافة والمثقفين مآله الفشل وهو لا يعتمد على المعرفة التي هي أساس أي حكم في العالم فكل النظم مبنية على المعرفة وبدونها لا تستطيع السير إلى الأمام وأتمنى أن يصل إلى السلطة من يقرأ الكتاب ومن يؤمن بالأفكار وتحليلها ويرى بان السلطة ليست التسلط على الناس بقدر ما هي مشاركتهم في السلطة.
على ذكر المعلومة ومع تطور تكنولوجيات وسائل الإعلام والإتصال ألا ترى بان هذا الإنفتاح كسر القيود التي فرضتها السلطة فأصبح الحاكم والمثقف ينشر ويبدع ويوصل صوته دون المرور عبر القنوات الرسمية للسلطة؟
في الواقع وسائل الإعلام والتقنية كلها هاجمتنا دون ان نكون مستعدين لهذا الهجوم لأن السلطة لم تهيء الناس وتثقفهم وبالتالي فهي الآن وقعت في ما زرعت لأن الأمور فلتت من بين أيديها ولم تستطع منع أي إنسان ان يفكر بصوت عال ويكتب في أي مجال دون أن يخضع للمراقبة من خلال المواقع الإلكترونية وهذا ما يخيفها.. والسلطة لوكان بإمكانها أن توقف هذه المواقع لفعلت لأنها لا تسمح بالرأي المخالف والرأي الآخر، حيث أن النظام الجزائري فريد من نوعه ويترك المجال مفتوحا حتى يقال بأنه ديمقراطي والحقيقة أنه ليس كذلك والانتخابات الأخيرة بينت أن كل القنوات التلفزيونية تمثل جهة واحدة.
التناغم بين الرداءة في الأحزاب والسلطة والرداءة في الحياة الثقافية بشكل عام أدى إلى تسطيح الحياة الإجتماعية والفكرية
أرى أن المستقبل للصحافة الإلكترونية لأنها تتعدى ما هو موجود من رقابة إلى فضاء أوسع وأرحب يستطيع من خلاله المواطن أن يقول ما يريد خاصة الكتاب، غير أن بعض الكتاب حتى في هذه الفضاءات لا يكتبون فأرى مثلا في موقع فيسبوك "غرداية تحترق في الجنوب" وكتابنا منشغلون بالكتابة عن مشهد من رواية أو قصة ولا يتكلمون عن المشكل فعليا ولا يبدون رأيهم فيه فهم منفصلون عن الواقع تماما ولا أستطيع ذكر الأسماء احتراما للاشخاص لأنهم أصدقاء لنا.
تعليقات
إرسال تعليق