(النسوية) في التشكيل المعاصر / الفنان والناقد علي النجار


الفنان والناقد علي النجار

(النسوية) في التشكيل المعاصر
..............................
لم يكن أمر الفن كممارسة ثقافية مهنية نسويه, كما هو الآن, ولو أن هذه, الآن, هي الأخرى خاضعة للتساؤل أيضا, وبحدود ما. مع ذلك. فان فرقا شاسعا يفصل ما بين زمنين, هما قبل عام(60) من القرن عشرين, وما بعده. أنا أتكلم عن متغيرات المنجز الثقافي و بالذات التشكيلي الجنساني العالمي بمراكزه الحضرية المعروفة, وتخصيصا, الحركة النسوية, او كما اصطلح عليها(النسوية) ـ1ـ) التي انبثقت منها (النظرية النسوية). والسؤال الذي يطرح نفسه هنا, مع كل هذا الكم الهائل من الأسماء الفنية الذكورية التي احتفظت بها السجلات التاريخية والى زمن قريب, فأين معادلها من الأسماء الأنثوية. وإذا كانت ممارسة الفن الإنتاجية وكنشاط غريزي وذوقي جمالي. أو كحاجة إنسانية جوانية لا تخضع لحكر جنس أنساني بمعزل عن الجنس الآخر. أو كما اصطلح عليه من قبل الذكور ب(الجنس الثاني) تمييزا له عن الجنس الأول(المتفوق!). فأين هي أسماء الفنانات على امتداد التاريخ الشخصي التقويمي للفن التشكيلي.



يبدو أن ثمة إقصاء متعمد, أو أن اخصاء(بالمعنى الثقافي ذكوري), لكل ما يمت للإبداع النسوي التاريخي السابق للثورة الستينية(النسوية). بدأ من العصور الذكورية البطولية الأولى(الرجل..السلاح), وحتى أزمنة الثقافة الكهنوتية للأديان والمعتقدات المختلفة, بما حملته من تفسيرات وتلميحات جنسانية دونية وتهميشية. ولم يستثنى من ذلك طروحات الرجل الفيلسوف, المشرع, العالم, المثقف. وحيث أن معظم النتاج الأثري الفني غفل من توقيع أسماء مبدعيه, إلا قلة وهم أساسا من ذوي الامتيازات السلطوية أو الكهنوتية لبعض الأزمنة الغابرة. سواء كان نحتا أو مصوغات, أو فخاريات, أو حتى مدونات فخارية او حجرية. فمن يضمن بان كل هذا الإرث هو ذكوري فقط. وحسب ما وصل لنا افتراضا. وما تخليد سيرة بعض النوابغ الفنية لجواري(السبايا) للعصر الإسلامي الوسيط. او المحضيات الأوربيات في بلاط
الملوك. إلا لكونهن مطلوبات لمتعة راعيهم الشخصي أو لتكملة الإطار الديكوري للأبهة والاستئثار المعنوي والثقافي ألذكوري. لقد شكلت تلك التواريخ, ولا تزال في مجتمعاتنا العربية اسيجة حماية ذكورية, ليس من السهولة بمكان أن تتجاوزها النساء. إلا ضمن المساحة الهامش التي توفرها لها مجتمعاتنا ألذكورية.
في كتابها المهم(قوة الأشياء) تستعرض( سيمون دي بوفوار) ذاتها المدركة(ذكوريا) كمعادل لقرينها(سارتر). لقد كان إدراكها الذاتي المفرط هذا, ما هو إلا تحصيل حاصل للنظرية الوجودية التي هي أساسا مؤسسة ذكورية برموزها الفلسفية, كما هو حال النظريات الكبرى, بعد أن تمثلتها. مع ذلك فاعتقد بان مساهمة دي بوفوار في الحركة(أو الثورة النسوية) لا يستهان بها. حالها حال فرجينا وولف وحتى بعض الشيء(جروترود شتاين). وان بدت النظرية النسوية غير متكاملة الصياغة, نتيجة لثقل الإرث النسوي السلبي. فاعتقد ان الزمن كفيل بتكملة ثلماتها. بعد كم التمهيدات النظرية والعملية(الاشتغالات الأدبية والفلسفية والعلمية, والفنية المتأخرة) ومساحة الحرية الممنوحة. فعلى الصعيد الفلسفي (فضحت الناقدات النسويات الموضوعية الماكرة للعلم ألذكوري. فنظريات فرويد, مثلا, تعرضت للتقويض بسبب نزعتها الجنسية السمجة, بافتراضها أن الجنسية النسوية يشكلها حسدها للذكرعلى العضو الذكري.2.). تفسير فرويد هذا, ما هو إلا تأكيد على المقولة الشائعة: كون المرأة إلا رحم.. هو هنا يعمم سياسة الهيمنة الجنسانية الذكورية, ليس إلا. وهذا ما تنوي هذه النساء الفنانات رفضه وتجاوزه في أعمالهن وبصور شتى, ربما تكون أعمالهن قاصرة عن استيعاب كامل الإدراك الجسدي, كجنس مستقل. أو هي استوعبته بطرق أداء مختلفة وفرها الزمن الفني ألما بعد حداثي بوسائله الأكثر ديمقراطية, بفضل تكنولوجياتها الشعبية الجديدة, ومنها الرقمية المشاعة. وخطوط التواصل العابرة.
لقد تزامنت الحركات الثورية الإنسانية المناهضة للفكر والممارسة الاقصائية للبرجوازية المتعالية والعنصرية في بداية وخلال الستينات من القرن الماضي وحتى بداية السبعينات. ومنها الحركة النسوية , حركة الطلاب(باريس وغيرها) وحركة الزنوج الأمريكية والعمال. كان ذلك على وقع ما شهدته الولايات المتحدة بداية عام(ذ960) من حركة الحقوق المدنية، وحرب فيتنام, كذلك وسائل منع الحمل عن طريق الفم، وإصلاحات الكنيسة الكاثوليكية، والتجريب مع المؤثرات العقلية. مثلما شهدت العديد من البلدان المطالبة بالإصلاحات الاجتماعية. كما أن بعض من قضايا المساواة بين الجنسين كانت تهم بعض الفنانين ذكورا وإناثا. على الرغم من أن الفن النسوي, ضمن صيغته النسوية المعاصرة, نشأ بزخم من عمل اهتمامات الفنانات والحراك النسوي اصلا.



لقد شكل فضاء ما بعد الحداثة حاضنا ملائما لانتعاش هذه الحركات الانتفاضية الإنسانية للفئات المهمشة اجتماعيا. بما وفرته الفلسفة التفكيكية الجديدة من إقصاء أو تجاوز لمفهوم المركز الغربي الانسانوي وفلسفته المتعالية. وبفقد هذا المركز توفر للأطراف مجال اشتغالات أوسع. وان وظف الزنوج الأمريكان النقد الساخر للممارسات العنصرية وبرموز زنجية. فان الحركة النسوية لم تهمل الأنماط التعبيرية الساخرة أيضا ضمن اشتغالات أخرى أوسع مفهوميا, لتشعب مواضيعها. وان كانت السخرية في بعض منها موجهة أصلا للرموز الجنسية كاخصاء مضاد, حيث تحولت تفاصيل أو أعضاء الجسد الأنثوي في أعمال الفنانات حقلا دلاليا قابلا للإفصاح عن مخبوءاته أو مكنوناته ندا للجسد ألذكوري بكل كماله ومثالبه. وان يكن الجنس قاسما إنسانيا مشتركا ومشروعا لكلا الجنسين, فان الاغتصاب, هو الحقل الآخر لاشتغالات هذه الأعمال, كشفا لهشاشة مبررات الفعل ومجانيته. فليست الذات النسوية لعبة لهو اصطناعية, أو متاعا بائرا.
في عام(1971) أنشأت(جودي شيكاغو) مع (ميريام شابيرو) برنامج للفنون النسوية تحت مسمى(بيت النساء) في معهد كاليفورنيا للفنون, واعتقده كان أول برنامج من نوعه للفنون النسوية. جودي التي غيرت حتى اسمها الثاني اعتراضا منها على النزعة الذكورية. في أعمالها الأولى لم تنفصل عن السياسة والجنس(لقد تأثرت بوالدها اليساري الأمريكي الذي تعرض للحملة المكارثية المعروفة), وكانت اعمالها صادمة لذوق اساتذتها في كلية الفنون نهاية الستينات, والوسط الفني. خلال الاعوام(1974..1979) أنتجت تحفتها الفنية(حفل العشاء). هذا العمل الذي صدم الذوق العام ايضا. نفذته بمساهمات من نساء متطوعات. حفل العشاء هو عمل فني تركيبي على شكل مائدة مثلثة مفرغة من الوسط. وبقياس(14,63) مترا لكل ضلع(طاولة), كل طاوله مهيأة لثلاثة عشر امرأة مشهورة كظيوف. ودنوت على الحافة السفلية اسماء(999) امرأة لا على التعين لتكونن شهودا مؤازرين. لقد رصفت الأطباق البور سلين بمجسماتها التي على شكل فراشات بعضها كناية عن رموز جنسية) والاخرى ترمز لصفات النساء الظيفات. مشاكسة بها أحادية أو عنصرية الطرح ألذكوري. وبمقاربات لطقوس الأسطورة الكهنوتية, لكن من خلال تركيزها على أنثوية العمل واجوائه الاحتفالية الملغزة.
لقد صاغت هذه الفنانة وعبر كل أعمالها جدلية العمل الفني النسوي وشرعيته. سواء من خلال طرح أفكارها في هذا العمل الرائد, الذي لا يزال من محفوظات متحف بروكلين. أو من خلال نتاجها الفردي او الجماعي ومساهماتها في تدريس النساء فقط او إنشاء جمعياتهن الفنية, من اجل الاعتراف بهويتهن, وإزاحة الصورة النمطية. وخلق فرص مناسبة للنجاح .
الفنانة المصورة المفاهيمية(بربارة كروجر) حصدت شهرتها التي تعادل فنان البوب(اندي وارهول) من خلال عملها الذي يجمع مابين الصورة والنص والتصميم. اعمالها كما اعتقد تنحو لمحو الفروق المهنية بين العمل النسوي والذكوري. ففي عمل لها يمثل صورة مكبرة لبورتريت نسائي مقسوم لنصفين( بوزتف و نكنتف) مدون علية(جسدك هو ساحة معركة). او صورة اخرى لكف يحمل لافتة دون عليها( انا اتسوق ولذلك انا). او عملها التركيبي الذي بتألف من صندوق كارتوني(صندوق يضاعة) لصقت فوقه صورة وجه انساني يصرخ(ربما هو طفل, او امراة) كقاعدة للشطرنج, مع المجسمات الشطرنجية على الجانبين. ثم دونت على اضلاع الكارتون( انت, ليس لك حظ ). هذا الجمع ما بين الصورة والنص المفهومي اوصلها اخيرا لان تبني تصوراتها المفاهيمية النصية على امتداد جدران وأرضيات صالات العرض. لقد وازنت بين الصورة والنص, وغلبت النص احيانا كصور ذهنية تجسر الهوة ما بين الصورة والدلالة. ولا تلغي قيمتها الفنية التواصلية في نفس الوقت. واعتقد ان نتائخ كهذه لم تكن ممكنة لولا كفاح الجيل النسوي الستيني الاول.
ان كانت الأعمال الفنية الذكورية تبيح جسد الأنثى لنواياها الذكورية. فان فنانات(النسوية) كشفن أجسادهن حقلا ثقافيا مفاهيميا لا يخلوا من حلولا لإلغازه. الفنانة الكندية(جنيف ارلنتون) كرست رسوم وجهها وجسدها تمثيلا لبقية النساء, في أحلامهن. ومعاناتهن, وتفسيرا للوجود والمحيط والزمن الواقعي والاسطوري. أي, بمعنى ما, هي, وكأنثى, تستنطق نفسها فلسفيا(وهي خريجة اداب), وبمقدرة فنية عالية جمعت في رسوماتها التقنية الكلاسيكية والمشهدية الشعبية(البوب). في رسومها يتمثل التفكيك النصي ألمفهومي والوجودي النسوي. مثلما في هذين الرسمين القريبين في تنفيذهما من التقنية الكرافيكية و الذين يمثل احدهما رسمها الشخصي بقلب يسيجه سلك شائك. والرسم الثاني يمثل بورتريت ذكوري بهالة ووردة حمراء تستقر على سطح الجسد, مكان القلب. انه(القلب السري) حسب عنوان العمل. في رسم آخر(3) مطرز بخلفية وردية وزهور حمراء, تحمل جينيف رأس الميدوزا المقطوع في يد, وفي اليد الثانية سيفا يتكأ على كتفها. هي أيضا ترسم الجسد الأنثوي(4) المفجوع باستئصال الثدي. ففي الوقت الذي لا توفر فيه الفنانة تدوين حياتها الشخصية فنيا. وتدوينها هذا لم يكن بطرا, او استعرضا. بل من اجل عدم تجاوز التواريخ الجنسانية. في مسراتها ومحنها ضمن محيطها الاجتماعي. هي تسعى لان تعالج أعمالها قضايا التكافأ والمساوات بين الجنسين. وفضاء اجتماعي صحي.



أعمال جنيف ارلنتون كما نظيرتها الفوتوغرافية الشهيرة الأخرى(سيندي شيرمان) وفنانات أخريات من مختلف البلدان ساهمت في كسر الحاجز ألذكوري للتفوق المهني في العمل الفني. وللحد الذي
الذي أصبح فيه المردود المادي لأعمال الفنانات عالميا في مجالات الفن التشكيلي الميديا المتعددة, بحدود الثلاثين في المائة من مجمله. هو مكسب لا يستهان به, إذا ما علمنا بانه ولوقت قريب كان العمل التشكيلي الفني يكاد يكون حكرا على الذكور فقط. لقد أقصيت أسماء فنية أنثوية, أو جرى تغافلها عمدا, كانت في
مهاراتها موازية لمقدرة الفنان الذكري منذ عصر النهضة وحتى بداية القرن العشرين نسبيا. بحجة التقاليد والعرف الاجتماعي ودونية الجنس النسائي. لكن الآن فان الاعتراف بالفن النسوي وصل في بلدان أوربية مستويات عالية. وهذا ما تثبته احصائيات اعداد الطلبة الدارسين في معاهد وكليات الفن للدول الأوربية, ومنها الاسكندينافية على سبيل المثال.
إن أردنا أن نثبت كشفا لبعض الفنانات المحسوبات على(النسوية) فقد تطول القائمة. لكننا لا نستطيع إغفال أعمال بعضهن مثل: لوري أندرسن. فانسيا بيكروفت, لويز بورجوا, صوفي كال, مارلين دوما, تريسي أمين, فوسكو كوكو, نان غولدين, منى حاطوم, جيني هولزر, ربيكا هورن, يايوي كوزوما, شيرين نشأت, يوكو اونو, ادريان بايبر, بيبيلوتي ريست, جيني سافيل, كارولي تروكل, جيليان ارتداء, شانتال اكرمان, ليندا بنكلز, تيريزا هاك, تشا كيونغ, ماري هيلمان, سانيا ايفكوفك, أنا منديتا, انيت ماسجر. يوكو ازنو, اليس النل, لوسي ليبارد, شيلا ليفرانت, وغيرهن, فنانات نذرن أنفسهن للكشف عن مؤامرة الصمت على المسكوت عنه من السلوك ألذكوري. لقد تناوات أعمالهن قضايا الأنوثة والهوية الجنسية والقمع الثقافي, السياسي, الاجتماعي. الدين والجنس, الصور الثقافية النمطية السلبية والعرقية بين الجنسين, استفزازات البورنو الاستهلاكي. والسلطة. ووضع المرأة ومحيطها الاجتماعي, وحالتها الوجودية والعاطفية. وكل ما يمت بصلة لوضعها الجنساني. وكند للذكر.
أخيرا إن ملكت المرأة صفة تميزها, كما الرجل. فهل تحققت نديتها له في كافة المجالات والأحوال. وهل تجاوزت رواسب الثقافة الجنسانية المتوارثة عبر عصور التاريخ. اعتقد أن الأمر يتطلب منها كفاحا, أو مثابرة متواصلة لكسر كل الحواجز. سواء الذاتية, النفسية. والخارجية الأصعب. هي ثقافة مجتمعية شفاهية ومدونة, موروثة ومستحدثة. وهو سلوك قابل للتبدل بتبدل محركات ظروفه الواقعية.
................................
Feminism - 1
2ـ رامون سلون.. النظرية الأدبية المعاصرة. المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
stursula and the goagonshead 3ـ
Ast. Agatha 4ـ
القديسة التي سجنت في بيت دعارة, من اجل ان تترك معتقدها.
................................
علي النجار
مالمو 2011ـ02ـ18

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح