حوصلة حول كتاب "الإيديولوجيا في الفيلم التاريخي الجزائري ،دراسة نصية سيميولوجية لفيلم معركة الجزائر" لحورية حراث 2013 / د. قجال نادية
حوصلة حول كتاب "الإيديولوجيا في الفيلم التاريخي الجزائري ،دراسة نصية سيميولوجية لفيلم معركة الجزائر" لحورية حراث ، ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون الجزائر 2013
حسب طرح الباحثة حورية حراث فإن فيلم معركة الجزائر على الرغم من شهرته العالمية لم يخضع لتحليل علمي دقيق وفق منهجية واضحة إذ أن أغلب الدراسات التي تناولته عبارة عن مجرد مقالات نقدية سطحية وكتابات صحفية تشيد بقدرة الفيلم على تصوير أحداث الثورة في العاصمة. وخصصت كتابها الموسوم بالإيديولوجيا في الفيلم التاريخي الجزائري لدراسة هذا الفيلم دراسة نصية سيميولوجية قصد الإجابة عن إشكالية رئيسية ، وهي كيف يمكن تحديد المضامين الإيديولوجية التي يحتويها فيلم معركة الجزائر ؟ تتفرع إلى أسئلة ثانوية :هل اهتمت الأفلام التاريخية التي تصور حرب التحرير بعرض التاريخ كحدث أم حاولت صياغته في إطار إيديولوجي معين؟ ، ماهي الصورة التي رسمتها الأفلام التاريخية الجزائرية عن شخصيات المجاهد الضابط الفرنسي الفلاح والمرأة وماهو الخطاب الإيديولوجي الضمني الذي قدمته هذه الصورة؟ ومامدى توافق ما تم تصويره في فيلم معركة الجزائر مع الأحداث التاريخية لسنوات 1956-1961
ويقوم هذا الطرح على فكرة أساسية وهي أن السينما تساهم في تغيير ذهنية المتفرج بقدرتها على تغيير رأي المتلقي حول موضوع ما وتمرير أفكار وسلوكيات وأنماط معيشية معينة باستخدام تقنيات فعالة تؤكد وجود ايديولوجيا على كل مستويات الفيلم مثل الاختيار الذي يحدده المخرج في تأطير لقطة معينة او زاوية معينة كالزاوية الغطسية التي توظف لإسقاط الضعف على شخصية ما أو الإضاءة الجانبية التي تبرز العيوب في وجه شخصية بقصد،على أن الأفلام السينمائية على اختلافها تحمل ايديولوجيا معينة تدافع عن قيم وأفكار معينة وتعارض أخرى إي لا حياد فيها .
وهذا الطرح يثير فضول القارئ ويفتح شهية القراءة لديه لاكتشاف ما توصلت إليه الدراسة التي يفترض أن تقوم على أسس علمية وأدوات تحليل ومفاتيح قراءة تلج إلى الخفايا وتبرز إيديولوجيات المخرج الكامنة في النص وعلى رأس هذه المفاتيح التحكم في المنهج السيميائي.
غير أن المتصفح لهذا الكتاب يلاحظ أن القراءة تقوم على نظرة ذاتية تفتقر إلى الموضوعية وأنّ التحليل لا يرتكز على الأسس العلمية المعمول بها لاستبطان الحقيقة في المنهج السيميائي مما أدى إلى نتائج شاذة أوقعت الدراسة في جملة من المتناقضات التي لا يقبلها المنطق ،فهو تجرؤ على إنتاج سينمائي من العيار الثقيل وعبث بفحواه.
وحسب الباحثة فقد اعتمدت في دراستها على جمع المعلومات حول محتوى صور المقاطع المختارة من كل الجوانب سلم اللقطة وزاويتها الحوار الفيلمي الموسيقى ومن ثم انتقلت إلى مرحلة السؤال المفتاح لماذا؟ للتساؤل عن سبب اختيار نوع التأطير في لقطة معينة واختيار اتجاه تحريك الكاميرا وسبب التركيز على شخصية بذاتها ، وأوردت أن الإجابة عن هذه التساؤلات تتم عن طريق إخضاع المقاطع المختارة من الفيلم إلى التحليل التعييني فالتضميني وفق منهج التحليل النصي السيميولوجي
وخصصت الفصل الأول لبنية الفيلم السينمائي والفصل الثاني كان حول الايديولوجيا في الفيلم السينمائي ،وتطرقت في الفصل الثالث إلى الايديولوجيا في الأفلام التاريخية ،وتحدثت في الفصل الرابع عن الايدولوجيا في الفيلم التاريخي الجزائري ، لتصل في الأخير (أي الفصل الخامس) إلى بيت القصيد وهو التحليل السيميولوجي لفيلم معركة الجزائر
غير أن ما يؤخذ عليها هو قصورها دون توظيف منهجية تحليل الفيلم السينمائي التي تتطلب ضرورة تضافر مجموعة من المناهج لاستنتاج المعاني والدلالات الكامنة في الرسائل البصرية وهذا القصور لا يؤهل الباحثة للخوض في فيلم من هذا العيار ذلك أن الباحث يلقن عادة أسس ومقومات البحث العلمي وخصائصه وأنواع المناهج وأدوات وأنواع البحث وما إلى ذلك، إلاّ أن المشكلة تكمن في صعوبة تطبيق هذه النظريات المتفق عليها في علم المنهجية على مشروع البحث. إذ أن التحكم شيء وحفظ هذه الأسس شيء آخر فلا يمكن تلقين القدرة على التحليل والاستنتاج لان هذه القدرة هي ملكة تختلف من شخص لآخر وتنعدم عند الكثير .
وللتوضيح ندرج أهم النتائج التي توصلت إليها الباحثة:
- في الصفحة 73 خلصت إلى أن فيلم العصا والأفيون صور الضابط الفرنسي على أنه متوحش مستعد لإبادة الجميع ، وهذا تحليل سطحي إن لم نقل جزئي لأن الفيلم في الحقيقة تناول فكرة أغفلها معظم المخرجين إن لم نقل كلهم تتمثل في إنسانية بعض الفرنسيين الذين تعاطفوا مع الثورة ولو اقتفت أثر الإيديولوجيا لكانت لاحظت مبالغة المخرج في تصوير إنسانية الجندي الفرنسي الذي ساعد علي على الهرب من الأسر لدرجة أنه رمى بعلبة لحم البقر المصبر حين امتنع علي عن مشاطرته الأكل ظنا منه أنه لحم خنزير والمبالغة في سلوك علي العدواني تجاه منقذه .
- في الصفحة 74 استنتجت أن شخصية فروجة في فيلم العصا والأفيون ثانوية جدا وظيفتها الوحيدة أن تعذب وتعترف دون أن تساهم ولو جزئيا في تحريك الأحداث. ونلاحظ ان هذا الاستنتاج ورد دون حجة في قراءة ذاتية بعيدة عن الموضوعية أوقعتها في تناقض صارخ إذ أن استنطاق الحقيقة من فم فروجة باستخدام ابنها كرهينة وتعذيبها الشديد يدل أن المرأة كانت عرضة للاستعمار أكثر من المجاهدين المختبئين في الجبال فهي رغم ضعفها كانت في الواجهة بلا حماية ، ثم إن اعترافها كان منعطفا واضحا لأحداث الفيلم لا يحتاج إلى تحليل سيميائي لإدراكه ، ومن يعجز عن ملاحظة هذه الأمور البديهية لا يرقى إلى مستوى تحليل فيلم معركة الجزائر وغيره من الأفلام التاريخية او الثورية
-في الصفحة 103 راحت الباحثة تتساءل بشأن مظاهرات 11 ديسمبر 1960 إن كانت عفوية أم بفعل جهة محركة ، وأوردت رأيا يرجح فكرة أن جماعة ديغول هي التي كانت وراء تنظيم المظاهرات في تلميح إلى المقولة الشهيرة التي تدعي أن ديغول هو من وهب الجزائريين استقلالهم وهي فكرة خطيرة تدعو إلى التساؤل عن إيديولوجيا هذا الكتاب الأخطر في اعتقادنا من الإيديولوجيا الوهمية التي راحت الباحثة تقتفي أثرها على امتداد البحث في فيلم اتفق جميع النقاد على أنه مرجع تاريخي بامتياز.حتى أنه بات اليوم يدرس في الأكاديميات العسكرية ووظف كمرجع لحرب الشوارع في غزو العراق.
في الصفحة 142 أصدرت حكما مفاده أن المخرج قدم علي لبوانت على أنه مندفع وعنيف ومنحرف هارب من الخدمة العسكرية. دون أن توضح للقارئ على أي أساس توصلت إلى هذه القراءة واستنتجت هذا المدلول المتناقض مع فحوى المقطع الذي عرضته في الصفحة 114-115 والذي جاء فيه ان علي لابوانت استصرخته فرنسية وطلبت من رجال الشرطة القبض عليه فركض هاربا وإذا بشاب فرنسي يقدم رجله لعرقلته فسقط أرضا وهنا لم يواصل الركض بل عاد أدراجه تجاه الفرنسي ولكمه لكمة موجعة ورافق هذا المقطع صوت خارجي يقول : "عمار علي المعروف بعلي لابوانت ولد في 15 جانفي 1937 بمليانة المهنة مساعد بناء ملاكم حاليا بلا عمل هارب من الخدمة العسكرية ، عام 1942 حكمت عليه محكمة الجزائر بسنة سجن في مركز إعادة التربية بتهمة التخريب عام 1944 حكمت عليه محكمة وهران بعامين سجن بمركز إعادة التربية بتهمة الإخلال بالنظام العام. "
إذن نص الفيلم لم يصرح بهذا الحكم على علي لبوانت بل بين من خلال الحركة جرأته في اقتصاصه لنفسه بنفسه ورفضه للعدوان بالرد عليه بالمثل وأما النص المسموع فيوضح أنه يكن العداء للاستعمار منذ الطفولة حيث سجن بتهمة التخريب في سن السادسة وتهمة الاخلال بالنظام(الاستعماري) العام في الثامنة، لكنه لم يسجن بسبب السرقة أو ما شابه من سلوكيات الانحراف .وأما هروبه من الخدمة العسكرية فيؤكد هذه الفكرة من خلال تمرده وليس انحرافه علما أن الكثير من الجزائريين هاجروا إلى سوريا امتناعا عن الخدمة العسكرية والانضمام إلى صفوف الجيش الفرنسي الذي كان يقوم بقتل بني جلدتهم المسلمين.
ونرى أن الباحثة تجد في تمرد لابوانت انحرافا وفي شجاعته تهورا واندفاعا ونحن نتساءل عن مصدر هذه الإيديولوجيا الغريبة التي تصدر عن الباحثة والتي لم يظهر لها أثر عند المخرج إذ لا شك أن من يحمل مثل هذه الأفكار لا يمكنه البتة استبطان المعنى الحقيقي للمقطع ،ثم ما هي حجتها في التوصل إلى هذه المعاني المناقضة لهدف الفيلم ككل ،هل يعقل أن يتفانى مخرج في أخراج فيلم يفتك جوائز عالمية ليدس بين طياته معاني مناقضة للأفكار التي أقنع بها العالم ؟ ألم تفصح الباحثة في الملحق أن المخرج واقعي وأنه قدم الفيلم قائلا" إنه فيلم يصور ميلاد أمة إنه بمثابة نهر باطني يخترق السطح ليجد النور إنه صورة تعكس مقاومة ملايين الأشخاص الذين يعتبرون أن كل الوسائل مباحة لتحقيق الحرية على حد تعبير فرانس فانون"وان الفيلم عرض لأول مرة بحضور الرئيس هواري بومدين ولقي تجاوبا كبيرا لدى الجمهور ليعرض بعدها في أغلب عواصم العالم خاصة الاشتراكية واعتبرت نقابة النقاد الإيطاليين أنه أفضل فيلم أجنبي عرض في إيطاليا سنة 1966 وأن الوفد الفرنسي رفض حضور حفل توزيع جوائز مهرجان فنيسيا عندما علم أن جائزة الأسد الذهبي ستمنح لفيلم معركة الجزائر وفي 11 ديسمبر 1981 انفجرت قنبلة شديدة المفعول في سينما بيزيير جنوب فرنسا لأنها برمجت عرض هذا الفيلم وظهرت مناشير تهدد بتفجير القاعات التي تبرمجه؟
إذن حين تتحدث الباحثة في الصفحة 143عن إيديولوجيا ضمنية تقزم من أهمية شخصية لابوانت باستعمال لقطات امريكية او عامة وبزاوية جانبية قصد إضعاف تأثيرها على المتفرج وتشتيت جسمه داخل الشاشة في إشارة أن طريقة التصوير تحمل دلالة ضمنية مفادها أن علي لابوانت ليس بطلا وأن المخرج قدم القائد الفرنسي ماتيو على أنه بطل في لقطة توضيحية تستخدم تقديم الشخصية الرئيسية يتجلى أنها وقعت في تناقض صارخ بعيد كل البعد عن المنطق لا علاقة له مع التحليل السيميائي بل هو توظيف خاطئ لأدوات تحليل أدى إلى نتائج شاذة شوهت المعنى الواضح للرسائل البصرية التي تعتمد على لغة سينمائية بليغة مفهومة بأسلوب واقعي. فالباحثة في الصفحة 144 تعلق على صورة القائد ماتيو بقولها:"لقطة قريبة لماتيو تبرز عنصر الشجاعة وقدرة تحقيق الانتصار"
والسؤال المطروح الموجه للباحثة ما محل الشجاعة من الإعراب في هذا المشهد والكل يعلم أن قوات الحلف الأطلسي تواجه مجموعة من الثوار عدتهم بضع بنادق صيد؟
وكانت الباحثة قد أثارت جدلا حول عنوان الفيلم وعن الخبايا الإيديولوجية لتوظيف كلمة "معركة" مع أنه لم يكن هناك جيشان متكافئان على حد قولها، وهنا أيضا غاب عنها أن العنوان يحمل تهكما ضمنيا معناه أن السيطرة على زمام الأمور في الجزائر كان معركة خاضها الجيش الفرنسي في إشارة إلى صعوبة المهمة واستبسال الثوار ودهاء التخطيط الثوري
وفي نفس السياق يندرج تعليق الباحثة السطحي على صورة ماتيو وهو يشرح المنحنى البياني للعمليات الفدائية التي يعتبرونها إرهابا وعلقت الباحثة على الصورة بقولها " ماتيو يأخذ كفايته من الشرح لشرح أفكاره وخططه" وهي تلح إلحاحا على فكرة تركيز الكاميرا على ماتيو وأن المخرج يقدمه في صورة بطل ، وغاب عنها للأسف أن المخرج ركز من خلال المشهد على تخطيط محكم للثورة تطلب جهدا ووقتا لفك شيفرته لأنه تنظيم هرمي يتكون من عدة فرق وتتشكل الفرق بدورها من مجموعات ثلاثية ، وتتمثل قمة الهرم في القيادة العليا ، حيث يعين القائد السياسي شخصية مؤهلة هي رئيس الفرقة رقم 1 ، ويعين رئيس الفرقة بدوره مساعدين اثنين له، وهكذا يتشكل المثلث شريطة أن كل عضو من هذا المثلث لا يعرف إلا ثلاثة أشخاص كحد أقصى ، ولهذا السبب يصعب على الفرنسيين معرفة عناصر جبهة التحرير لأنهم لا يتعارفون هم بينهم .
والغريب في الأمر أن الباحثة سجلت هذه المعلومات في تقطيعها للفيلم لكنها لم توظفها في التحليل للوصول إلى المعنى الحقيقي ، وهذا يؤكد أنها غير مؤهلة للخوض في تحليل الخطاب الفيلمي وأن نتائجها لا تمت لجوهر الفيلم بصلة.
وفي الصفحة 137 تشرح الباحثة أن المخرج ركز الكاميرا على وجه بن مهيدي في لقطة قريبة وإذا به يبتسم وأن بن مهيدي كلما ظهر يظهر بجانبه القائد الفرنسي مما يدل على التحكم الفرنسي في الأوضاع.
وهنا أيضا يتجلى أن الباحثة تصر إصرارا على إلصاق إيديولوجيا وهمية بالمخرج، وأنها تختلق دلالات تراها هي بمفردها ، وتقع دوما في التناقض ذلك أن تركيز الكاميرا على ابتسامة بن مهيدي تدل على الثقة في النفس والرضا بتقديم النفس والنفيس في سبيل استقلال الجزائر وتدل على الشجاعة والصمود في وجه العدو . ومن منا لا يعرف مقولة القائد الفرنسي الشهيرة " لو كان لدي عشرة رجال مثل بن مهيدي لتمكنت من احتلال العالم "، لكن يبدو أن الباحثة لا تجد في هذا المشهد ما يعبر عن الشجاعة بينما رأت أن مشهد ماتيو وسط جيشه هو الذي ينم عن الشجاعة. ورأت أن ملازمة القائد الفرنسي لبن مهيدي تدل على التحكم الفرنسي في الأوضاع ولم تفسر أن هذه الملازمة هي خوف مفرط من فراره وحذر كبير منه .
إذن هذه أهم النتائج التي استخلصتها الباحثة في محاولة لاقتفاء أثر إيديولوجيا وهمية تناقض هدف الفيلم وفكرته الجوهرية أدت بها إلى استنتاج نتائج شاذة وصور مشوهة كاريكاتورية بالاعتماد على أحكام اعتباطية لا تمت لمنهجية تحليل الخطاب الفيلمي بصلة تتناقض مع الطرح الذي ورد في المقدمة والذي صرحت فيه أن الفيلم سيخضع من خلال هذه الدراسة إلى تحليل علمي دقيق وفق منهجية واضحة
ويقوم هذا الطرح على فكرة أساسية وهي أن السينما تساهم في تغيير ذهنية المتفرج بقدرتها على تغيير رأي المتلقي حول موضوع ما وتمرير أفكار وسلوكيات وأنماط معيشية معينة باستخدام تقنيات فعالة تؤكد وجود ايديولوجيا على كل مستويات الفيلم مثل الاختيار الذي يحدده المخرج في تأطير لقطة معينة او زاوية معينة كالزاوية الغطسية التي توظف لإسقاط الضعف على شخصية ما أو الإضاءة الجانبية التي تبرز العيوب في وجه شخصية بقصد،على أن الأفلام السينمائية على اختلافها تحمل ايديولوجيا معينة تدافع عن قيم وأفكار معينة وتعارض أخرى إي لا حياد فيها .
وهذا الطرح يثير فضول القارئ ويفتح شهية القراءة لديه لاكتشاف ما توصلت إليه الدراسة التي يفترض أن تقوم على أسس علمية وأدوات تحليل ومفاتيح قراءة تلج إلى الخفايا وتبرز إيديولوجيات المخرج الكامنة في النص وعلى رأس هذه المفاتيح التحكم في المنهج السيميائي.
غير أن المتصفح لهذا الكتاب يلاحظ أن القراءة تقوم على نظرة ذاتية تفتقر إلى الموضوعية وأنّ التحليل لا يرتكز على الأسس العلمية المعمول بها لاستبطان الحقيقة في المنهج السيميائي مما أدى إلى نتائج شاذة أوقعت الدراسة في جملة من المتناقضات التي لا يقبلها المنطق ،فهو تجرؤ على إنتاج سينمائي من العيار الثقيل وعبث بفحواه.
وحسب الباحثة فقد اعتمدت في دراستها على جمع المعلومات حول محتوى صور المقاطع المختارة من كل الجوانب سلم اللقطة وزاويتها الحوار الفيلمي الموسيقى ومن ثم انتقلت إلى مرحلة السؤال المفتاح لماذا؟ للتساؤل عن سبب اختيار نوع التأطير في لقطة معينة واختيار اتجاه تحريك الكاميرا وسبب التركيز على شخصية بذاتها ، وأوردت أن الإجابة عن هذه التساؤلات تتم عن طريق إخضاع المقاطع المختارة من الفيلم إلى التحليل التعييني فالتضميني وفق منهج التحليل النصي السيميولوجي
وخصصت الفصل الأول لبنية الفيلم السينمائي والفصل الثاني كان حول الايديولوجيا في الفيلم السينمائي ،وتطرقت في الفصل الثالث إلى الايديولوجيا في الأفلام التاريخية ،وتحدثت في الفصل الرابع عن الايدولوجيا في الفيلم التاريخي الجزائري ، لتصل في الأخير (أي الفصل الخامس) إلى بيت القصيد وهو التحليل السيميولوجي لفيلم معركة الجزائر
غير أن ما يؤخذ عليها هو قصورها دون توظيف منهجية تحليل الفيلم السينمائي التي تتطلب ضرورة تضافر مجموعة من المناهج لاستنتاج المعاني والدلالات الكامنة في الرسائل البصرية وهذا القصور لا يؤهل الباحثة للخوض في فيلم من هذا العيار ذلك أن الباحث يلقن عادة أسس ومقومات البحث العلمي وخصائصه وأنواع المناهج وأدوات وأنواع البحث وما إلى ذلك، إلاّ أن المشكلة تكمن في صعوبة تطبيق هذه النظريات المتفق عليها في علم المنهجية على مشروع البحث. إذ أن التحكم شيء وحفظ هذه الأسس شيء آخر فلا يمكن تلقين القدرة على التحليل والاستنتاج لان هذه القدرة هي ملكة تختلف من شخص لآخر وتنعدم عند الكثير .
وللتوضيح ندرج أهم النتائج التي توصلت إليها الباحثة:
- في الصفحة 73 خلصت إلى أن فيلم العصا والأفيون صور الضابط الفرنسي على أنه متوحش مستعد لإبادة الجميع ، وهذا تحليل سطحي إن لم نقل جزئي لأن الفيلم في الحقيقة تناول فكرة أغفلها معظم المخرجين إن لم نقل كلهم تتمثل في إنسانية بعض الفرنسيين الذين تعاطفوا مع الثورة ولو اقتفت أثر الإيديولوجيا لكانت لاحظت مبالغة المخرج في تصوير إنسانية الجندي الفرنسي الذي ساعد علي على الهرب من الأسر لدرجة أنه رمى بعلبة لحم البقر المصبر حين امتنع علي عن مشاطرته الأكل ظنا منه أنه لحم خنزير والمبالغة في سلوك علي العدواني تجاه منقذه .
- في الصفحة 74 استنتجت أن شخصية فروجة في فيلم العصا والأفيون ثانوية جدا وظيفتها الوحيدة أن تعذب وتعترف دون أن تساهم ولو جزئيا في تحريك الأحداث. ونلاحظ ان هذا الاستنتاج ورد دون حجة في قراءة ذاتية بعيدة عن الموضوعية أوقعتها في تناقض صارخ إذ أن استنطاق الحقيقة من فم فروجة باستخدام ابنها كرهينة وتعذيبها الشديد يدل أن المرأة كانت عرضة للاستعمار أكثر من المجاهدين المختبئين في الجبال فهي رغم ضعفها كانت في الواجهة بلا حماية ، ثم إن اعترافها كان منعطفا واضحا لأحداث الفيلم لا يحتاج إلى تحليل سيميائي لإدراكه ، ومن يعجز عن ملاحظة هذه الأمور البديهية لا يرقى إلى مستوى تحليل فيلم معركة الجزائر وغيره من الأفلام التاريخية او الثورية
-في الصفحة 103 راحت الباحثة تتساءل بشأن مظاهرات 11 ديسمبر 1960 إن كانت عفوية أم بفعل جهة محركة ، وأوردت رأيا يرجح فكرة أن جماعة ديغول هي التي كانت وراء تنظيم المظاهرات في تلميح إلى المقولة الشهيرة التي تدعي أن ديغول هو من وهب الجزائريين استقلالهم وهي فكرة خطيرة تدعو إلى التساؤل عن إيديولوجيا هذا الكتاب الأخطر في اعتقادنا من الإيديولوجيا الوهمية التي راحت الباحثة تقتفي أثرها على امتداد البحث في فيلم اتفق جميع النقاد على أنه مرجع تاريخي بامتياز.حتى أنه بات اليوم يدرس في الأكاديميات العسكرية ووظف كمرجع لحرب الشوارع في غزو العراق.
في الصفحة 142 أصدرت حكما مفاده أن المخرج قدم علي لبوانت على أنه مندفع وعنيف ومنحرف هارب من الخدمة العسكرية. دون أن توضح للقارئ على أي أساس توصلت إلى هذه القراءة واستنتجت هذا المدلول المتناقض مع فحوى المقطع الذي عرضته في الصفحة 114-115 والذي جاء فيه ان علي لابوانت استصرخته فرنسية وطلبت من رجال الشرطة القبض عليه فركض هاربا وإذا بشاب فرنسي يقدم رجله لعرقلته فسقط أرضا وهنا لم يواصل الركض بل عاد أدراجه تجاه الفرنسي ولكمه لكمة موجعة ورافق هذا المقطع صوت خارجي يقول : "عمار علي المعروف بعلي لابوانت ولد في 15 جانفي 1937 بمليانة المهنة مساعد بناء ملاكم حاليا بلا عمل هارب من الخدمة العسكرية ، عام 1942 حكمت عليه محكمة الجزائر بسنة سجن في مركز إعادة التربية بتهمة التخريب عام 1944 حكمت عليه محكمة وهران بعامين سجن بمركز إعادة التربية بتهمة الإخلال بالنظام العام. "
إذن نص الفيلم لم يصرح بهذا الحكم على علي لبوانت بل بين من خلال الحركة جرأته في اقتصاصه لنفسه بنفسه ورفضه للعدوان بالرد عليه بالمثل وأما النص المسموع فيوضح أنه يكن العداء للاستعمار منذ الطفولة حيث سجن بتهمة التخريب في سن السادسة وتهمة الاخلال بالنظام(الاستعماري) العام في الثامنة، لكنه لم يسجن بسبب السرقة أو ما شابه من سلوكيات الانحراف .وأما هروبه من الخدمة العسكرية فيؤكد هذه الفكرة من خلال تمرده وليس انحرافه علما أن الكثير من الجزائريين هاجروا إلى سوريا امتناعا عن الخدمة العسكرية والانضمام إلى صفوف الجيش الفرنسي الذي كان يقوم بقتل بني جلدتهم المسلمين.
ونرى أن الباحثة تجد في تمرد لابوانت انحرافا وفي شجاعته تهورا واندفاعا ونحن نتساءل عن مصدر هذه الإيديولوجيا الغريبة التي تصدر عن الباحثة والتي لم يظهر لها أثر عند المخرج إذ لا شك أن من يحمل مثل هذه الأفكار لا يمكنه البتة استبطان المعنى الحقيقي للمقطع ،ثم ما هي حجتها في التوصل إلى هذه المعاني المناقضة لهدف الفيلم ككل ،هل يعقل أن يتفانى مخرج في أخراج فيلم يفتك جوائز عالمية ليدس بين طياته معاني مناقضة للأفكار التي أقنع بها العالم ؟ ألم تفصح الباحثة في الملحق أن المخرج واقعي وأنه قدم الفيلم قائلا" إنه فيلم يصور ميلاد أمة إنه بمثابة نهر باطني يخترق السطح ليجد النور إنه صورة تعكس مقاومة ملايين الأشخاص الذين يعتبرون أن كل الوسائل مباحة لتحقيق الحرية على حد تعبير فرانس فانون"وان الفيلم عرض لأول مرة بحضور الرئيس هواري بومدين ولقي تجاوبا كبيرا لدى الجمهور ليعرض بعدها في أغلب عواصم العالم خاصة الاشتراكية واعتبرت نقابة النقاد الإيطاليين أنه أفضل فيلم أجنبي عرض في إيطاليا سنة 1966 وأن الوفد الفرنسي رفض حضور حفل توزيع جوائز مهرجان فنيسيا عندما علم أن جائزة الأسد الذهبي ستمنح لفيلم معركة الجزائر وفي 11 ديسمبر 1981 انفجرت قنبلة شديدة المفعول في سينما بيزيير جنوب فرنسا لأنها برمجت عرض هذا الفيلم وظهرت مناشير تهدد بتفجير القاعات التي تبرمجه؟
إذن حين تتحدث الباحثة في الصفحة 143عن إيديولوجيا ضمنية تقزم من أهمية شخصية لابوانت باستعمال لقطات امريكية او عامة وبزاوية جانبية قصد إضعاف تأثيرها على المتفرج وتشتيت جسمه داخل الشاشة في إشارة أن طريقة التصوير تحمل دلالة ضمنية مفادها أن علي لابوانت ليس بطلا وأن المخرج قدم القائد الفرنسي ماتيو على أنه بطل في لقطة توضيحية تستخدم تقديم الشخصية الرئيسية يتجلى أنها وقعت في تناقض صارخ بعيد كل البعد عن المنطق لا علاقة له مع التحليل السيميائي بل هو توظيف خاطئ لأدوات تحليل أدى إلى نتائج شاذة شوهت المعنى الواضح للرسائل البصرية التي تعتمد على لغة سينمائية بليغة مفهومة بأسلوب واقعي. فالباحثة في الصفحة 144 تعلق على صورة القائد ماتيو بقولها:"لقطة قريبة لماتيو تبرز عنصر الشجاعة وقدرة تحقيق الانتصار"
والسؤال المطروح الموجه للباحثة ما محل الشجاعة من الإعراب في هذا المشهد والكل يعلم أن قوات الحلف الأطلسي تواجه مجموعة من الثوار عدتهم بضع بنادق صيد؟
وكانت الباحثة قد أثارت جدلا حول عنوان الفيلم وعن الخبايا الإيديولوجية لتوظيف كلمة "معركة" مع أنه لم يكن هناك جيشان متكافئان على حد قولها، وهنا أيضا غاب عنها أن العنوان يحمل تهكما ضمنيا معناه أن السيطرة على زمام الأمور في الجزائر كان معركة خاضها الجيش الفرنسي في إشارة إلى صعوبة المهمة واستبسال الثوار ودهاء التخطيط الثوري
وفي نفس السياق يندرج تعليق الباحثة السطحي على صورة ماتيو وهو يشرح المنحنى البياني للعمليات الفدائية التي يعتبرونها إرهابا وعلقت الباحثة على الصورة بقولها " ماتيو يأخذ كفايته من الشرح لشرح أفكاره وخططه" وهي تلح إلحاحا على فكرة تركيز الكاميرا على ماتيو وأن المخرج يقدمه في صورة بطل ، وغاب عنها للأسف أن المخرج ركز من خلال المشهد على تخطيط محكم للثورة تطلب جهدا ووقتا لفك شيفرته لأنه تنظيم هرمي يتكون من عدة فرق وتتشكل الفرق بدورها من مجموعات ثلاثية ، وتتمثل قمة الهرم في القيادة العليا ، حيث يعين القائد السياسي شخصية مؤهلة هي رئيس الفرقة رقم 1 ، ويعين رئيس الفرقة بدوره مساعدين اثنين له، وهكذا يتشكل المثلث شريطة أن كل عضو من هذا المثلث لا يعرف إلا ثلاثة أشخاص كحد أقصى ، ولهذا السبب يصعب على الفرنسيين معرفة عناصر جبهة التحرير لأنهم لا يتعارفون هم بينهم .
والغريب في الأمر أن الباحثة سجلت هذه المعلومات في تقطيعها للفيلم لكنها لم توظفها في التحليل للوصول إلى المعنى الحقيقي ، وهذا يؤكد أنها غير مؤهلة للخوض في تحليل الخطاب الفيلمي وأن نتائجها لا تمت لجوهر الفيلم بصلة.
وفي الصفحة 137 تشرح الباحثة أن المخرج ركز الكاميرا على وجه بن مهيدي في لقطة قريبة وإذا به يبتسم وأن بن مهيدي كلما ظهر يظهر بجانبه القائد الفرنسي مما يدل على التحكم الفرنسي في الأوضاع.
وهنا أيضا يتجلى أن الباحثة تصر إصرارا على إلصاق إيديولوجيا وهمية بالمخرج، وأنها تختلق دلالات تراها هي بمفردها ، وتقع دوما في التناقض ذلك أن تركيز الكاميرا على ابتسامة بن مهيدي تدل على الثقة في النفس والرضا بتقديم النفس والنفيس في سبيل استقلال الجزائر وتدل على الشجاعة والصمود في وجه العدو . ومن منا لا يعرف مقولة القائد الفرنسي الشهيرة " لو كان لدي عشرة رجال مثل بن مهيدي لتمكنت من احتلال العالم "، لكن يبدو أن الباحثة لا تجد في هذا المشهد ما يعبر عن الشجاعة بينما رأت أن مشهد ماتيو وسط جيشه هو الذي ينم عن الشجاعة. ورأت أن ملازمة القائد الفرنسي لبن مهيدي تدل على التحكم الفرنسي في الأوضاع ولم تفسر أن هذه الملازمة هي خوف مفرط من فراره وحذر كبير منه .
إذن هذه أهم النتائج التي استخلصتها الباحثة في محاولة لاقتفاء أثر إيديولوجيا وهمية تناقض هدف الفيلم وفكرته الجوهرية أدت بها إلى استنتاج نتائج شاذة وصور مشوهة كاريكاتورية بالاعتماد على أحكام اعتباطية لا تمت لمنهجية تحليل الخطاب الفيلمي بصلة تتناقض مع الطرح الذي ورد في المقدمة والذي صرحت فيه أن الفيلم سيخضع من خلال هذه الدراسة إلى تحليل علمي دقيق وفق منهجية واضحة
تعليقات
إرسال تعليق