الفلم الكوميدي والثورة الجزائرية "حسان تيرو" انموذجا / د قجال نادية جامعة مستغانم
الفلم الكوميدي والثورة الجزائرية "حسان تيرو" انموذجا
د قجال نادية
جامعة مستغانم
الفيلم الكوميدي والثورة الجزائرية "حسان تيرو" انموذجا
تسليما بقداسة الثورة الجزائرية التي تجلت من خلالها العناية الإلهية في انتصار الهلال على الصليب وتغلب فئة قليلة مسلمة على قوات الحلف الأطلسي ببنادق الصيد ،هل يتّفق الخوض في موضوع حرب التحرير مع الهزل؟ أي هل يجوز تناول موضوع حساس بهذا القدر من الجدّ بأسلوب سينمائي كوميدي؟
أليس توظيف الكوميديا في التعبير عن الثورة الجزائرية انتهاك لحرمتها وقدسيتها؟
وهل من اللائق إضحاك المتلقي في التعبير عن مأساة شعب ذاق بشاعة حرب أتت على الأخضر واليابس؟
عظمة وقداسة الثورة الجزائرية
تصنّف الثورة الجزائرية من أعظم ثورات القرن العشرين لعوامل عديدة أهمّها طول أمد الفترة الإحتلالية التي دامت ما يقارب قرنا وثلث قرن من الزمان وهي مدّة كافية كي يذوب تسعة ملايين جزائري في الكيان الكولونيالي الذي لم يتوقف عن انتهاج سياسة الإبادة الجماعية و طمس الهوية والتاريخ ومحاربة الدين واللغة والتفقير والتجهيل والتشريد ،لإخماد روح المقاومة ومع ذلك صمد الأهالي مستمدين جلدهم من عمق الدين الإسلامي القادر على بعث الثورة من رمادها .
وتمكّنوا من التصدّي لخطّة استعمارية ماكرة طويلة الأمد ، فقد وضّح أحد الفرنسيين أنّ ترسيخ الاستعمار في الجزائر طبّق على ثلاث مراحل : مرحلة نزع سلاح القبائل والعشائر التي انتهت عام 1871 والتي تعتبر الاحتلال الأول ثمّ الاحتلال الثاني المتمثل في فرض إدارة وعدالة فرنسا على الأهالي وأمّا الاحتلال الثالث فقد تمّ من خلال المدرسة الفرنسية التي عملت على شحن العقول بما يخدم المصلحة الاستعمارية
وحسب ابراهيم مياسي فإن الهدف من تعليم قلة من الجزائريين في المدارس الفرنسية هو تكوين جيل من الجزائريين يخدم الاستعمار الفرنسي بالأبدان والعقول والأرواح يسهل استيعابه في المجتمع الأوروبي وتوفير بعض الموظفين في المناصب الدنيا (1)
و أصدرت الحكومة الفرنسية عام 1874مجموعة من النصوص القانونية تخصّ السكّان الأصليين دون سواهم تطبيقا لسياسة تمييزية هدفها تضييق الخناق وكبت الأنفاس تحت سلسلة من العقوبات الصارمة تحسّبا لأي ثورة أخرى تلي ثورة الشيخ الحداد بالشرق الجزائري وثورة الشيخ بوعمامة بغرب البلاد (2) وكبّل الجزائريون بسياسة الإذلال والإخضاع من خلال قانون الأهالي الجائر الذي يعدّ أقصى إجراء يمكن أن تضغط به سلطة استعمارية على رعاياها في الوقائع الاحتلالية (3)
وحاربت التعليم القرآني حيث أصدرت مراسيم قانونية تمنع فتح المدارس العربية بدون رخصة من السلطات الحكومية مما أدّى إلى غلق المدارس التي كانت تنشط آنذاك ولجأ عدد منها إلى التدريس سرا فتفشّت الأمية (4)
والمثير في ثورة الجزائر هو قلة العد والعتاد حيث اندلعت بمشاركة 1200 مجاهد على مستوى الوطن لا يمتلكون سوى 400 قطعة سلاح وبضعة قنابل تقليدية متحصنين بقوة الإيمان والإرادة لمواجهة قوات الحلف الأطلسي وهو أمر يتطلب أكثر من الشجاعة ، كما تميزت الثورة بدهاء الاستراتيجية الحربية والتخطيط المحكم و شراسة القتال على الرغم من عدم تكافئ القوى ممّا أسفر عن تقديم عدد مهول من الشهداء ثمنا للحرية قدر بمليون ونصف مليون شهيد و خلفت الحرب عددا كبيرا من المعطوبين واليتامى والأرامل .
وعليه تعدّ الثورة الجزائرية نموذجا لثورات التحرر العالمية و مفخرة للجزائريين والعرب والمسلمين ومصدرا للأمل ورفع المعنويات لدى الشعوب المستعمرة ،بل ومن المقدسات بما أنّها انتصار للإسلام على ديانة التثليث تجلى من خلالها العون الإلهي فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بعون الله ،ويروى أنّه قبيل اندلاع حرب التحرير رأى رجل صالح في منامه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام مقبلا على جواده يشهر سيفه ومعه عشرة من أصحابه ، ولعل هذا ما يفسر العبارة الشهيرة التي رددها الفنان عبد الرحمن عزيز بعد الاستقلال في أغنيته الوطنية :" يا محمد مبروك عليك الجزائر رجعت إليك"
ويجب التأكيد أنّ الاستعمار الفرنسي للجزائر كان صليبيا ،استهدف الدين بدعم من رجال الكنيسة المتعصبين ، ذلك أنّ فرنسا كانت تعتبر نفسها الحصن المانع لتسرب الإسلام إلى أوروبا ، وقد صرّح أحد المستشرقين في محاضرة ألقاها بمدريد بعد الاستقلال أنّ فرنسا لم تحتل الجزائر طمعا في زيتونها أو أعنابها أو نبيذها بل لأنّها كانت تعتبر نفسها سور أوروبا المنيع الذي يحول دون ولوج الجزائريين وإخوانهم المسلمين إلى اوروبا واسترجاع الأندلس وتحويل البحر المتوسط إلى بحيرة إسلامية خالصة(5)
والجزائر في الحقيقة كانت في فترة ازدهار أسطولها العظيم هاجسا تتوجس منه أوروبا ولم تزل الإسلاموفوبيا التي تؤرق الأوروبيين بالقضاء على هذا الأسطول في معركة نافارين بل ظلّ الجزائريون مصدر تهديد في نظرهم لأنّ همّتهم تتجدّد باستمرار وتستمد وقودها من الإسلام لذلك عملت فرنسا طوال قرن وثلث قرن تقريبا على تحطيم البنى الثقافية والحضارية للشعب الجزائري فتفننت في أساليب الإبادة والتشريد والتجويع والتجهيل والتدمير والترهيب انطلاقا من سياسة الأرض المحروقة ووصولا إلى تجريب أسلحة الدمار الشامل على سكان الجنوب .
وفي الذكرى المائة لاحتلال الجزائر صرّح الحاكم العام بالجزائر قائلا :" لن نتغلب على الجزائريين ماداموا يقرؤون القرآن ويتكلّمون العربية يجب أن نمحو العربية من ألسنتهم ونقتلع القرآن من أيديهم. (6)
والحقيقة أنّ الحديث عن نوايا فرنسا الصليبية وعدوانيتها للإسلام والعروبة أوسع من أن تلمّ به هذه المقالة لكن هذا فقط للإشارة أنّ انتزاع السيادة الوطنية من قبضتها الرخامية يعتبر معجزة أي للتأكيد على فكرة عظمة هذا الإنجاز التاريخي وقداسة الثورة ،ومن ثمّ التمعّن إن كان من اللائق الاعتماد على الأسلوب السينمائي الهزلي في التعبير عن حرب التحرير؟ لكن قبل الخوض في هذا الإشكال يجدر بنا التذكير أنّ السينما الجزائرية ولدت في أحضان الثورة حيث وظّفت الصورة كأداة لنقل القضية الجزائرية إلى الخارج قصد التعريف بها .
السينما الجزائرية وليدة حرب التحرير
نظرا لأهمية التعريف بالقضية الجزائرية وعرض حقيقتها أمام الرأي العالمي قصد دحض أباطيل الإعلام الفرنسي الذي ادّعى أنّ الثوار إرهابيون و خارجون عن القانون ، أولى قادة الثورة أهمية بالغة للنضال الإعلامي حيث تمّ استخدام البثّ الإذاعي بالإضافة إلى جريدتي المجاهد والمقاومة كما تسلّح رجال بالكاميرا للمشاركة في حرب التحرير و سخّروا مواهبهم الفنية لخدمة الجزائر فنقلوا شهادات حية وواقعية عن ساحات القتال و المعارك التي خاضها الثوار ضد القوات الفرنسية كما صوروا الحياة اليومية للمجاهدين بإمكانيات جد بسيطة.
ويعد فيلم " الجزائر تحترق" أول عمل يصوّر حرب التحرير وهو للمخرج الفرنسي (رونيه فوتيه) الذي انضمّ إلى صفوف جبهة التحرير وفي سنة 1957 تأسست خلية للإنتاج السينمائي المناضل تضم كلا من جمال شاندرلي ومحمد لخضر حامينا وأحمد راشدي.(7)
وهكّذا ولدت السينما الجزائرية في مهد الثورة على شكل "أفلام وثائقية" أي ما يعرف بالسينما التسجيلية، فعملت على تخليد وقائع التاريخ . و بعد الاستقلال ظهرت أعمال سينمائية روائية تعتمد على الخيال، و بحلول السبعينات عرفت السينما الجزائرية عصرا ذهبيا وتمكنت من تأكيد وجودها من خلال بعض الروائع الفنية كفيلم“وقائع سنين الجمر” للمخرج محمد لخضر حامينا الذي نال السّعفة الذهبية بمهرجان “كان” بفرنسا سنة 1975 “معركة الجزائر” لـ بونتي كورفو،1965 “الأفيون و العصا” لـ أحمد راشدي سنة 1970 وبالعودة إلى إشكالية توظيف السينما الكوميدية الساخرة في التعبير عن الثورة يمكننا الاعتماد على فيلم “حسان طيرو” لمخرجه لخضر حمينا 1968 باعتباره من الأفلام التي لقيت إعجابا كبيرا ونجاحا باهرا.
إنّ هذا الفيلم يعرض عادة على شاشة التلفاز في المناسبات الوطنية ،فهل نصنفه في زمرة الأفلام الثورية أم الأفلام الهزلية؟
يقول أبو تمام شاعر الصنعة بمناسبة فتح المعتصم بالله العباسي لعمورية " السيف أصدق أنباء من الكتب في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب" أي السيف أصدق من نبوءات الكهنة التي زعمت أن عمورية لن تفتح إلاّ في أوان نضج الفاكهة. ونفهم من عبارة" وفي حدّه الحد بين الجد واللعب" أنّ هناك تضاد بين الجد واللعب حين يتعلّق الأمر بالقتال والجهاد.
فكيف يلتقي الجدّ مع الهزل في الحديث عن حد سيف الثورة الجزائرية ، ويضحك المتلقي ويرفه عن نفسه مستمتعا بأحداث يفترض بها أن تكون مصدر ألم وفترة استعمارية بغيضة ؟
أنّ مفتاح هذا الإشكال يكمن في فهم معنى الكوميديا والنكتة.
مفهوم الكوميديا
الكوميديا أو الملهاة كلمة يونانية تعني الأغنية التي كانت تغنى في طقوس الاحتفال بإله الخصوبة والخمر ديونيزوس وأرجع أريسطو معناها إلى كوموس التي يقصد بها المأدبة الماجنة التي كانت تقام في نهاية هذا العيد السعيد كمحاكاة تهكمية (8) حيث يبدأ الناس في الغناء والسخرية وتبادل النكت البذيئة،ووضع تفل العنب على وجوههم .
وأطلقت تسمية الكوميديا على نوع مسرحي يناقض التراجيديا ويتسم بطابع الضحك بعيدا عن الهزل والابتذال
والكوميديا هي مسرحية تتضمّن سلسلة من العقبات دون خطر حقيقي , وتنتهي بخاتمة سعيدة . وتنشد التسلية عبر تضخيم الحدث وإعطائه شكلا غير طبيعي , بحيث يستطيع المتفرج النظر إلى هذا التضخم غير الطبيعي بشكل طبيعي وعقلاني من خارج الحدث وبذلك يشعر بنوع من التفوق لتواجده في موقف الحكم بلا خوف ولا شفقة .وبهذا فإنّ التطهير فيها هو ضرب من التنفيس واستثارة الوعي كما أنّ جمهورها أوسع وأكثر تنوعا من التراجيديا(9)
أنواع الكوميديا:
إنّ الكوميديا أنواع فمنها الرخيصة التي تقوم أساسا على أداء أفعال سخيفة كالسقوط والتهريج وإحراج الغير مما قد يثير الضحك وهناك ما يعرف بكوميديا الوقوف نسبة إلى وقوف الكوميدي أمام الجمهور لإلقاء النكت والقصص المضحكة
و هناك الدراماديا وهي الدراما الكوميدية و توجد أيضا الكوميديا الرومانسية وكوميديا الموقف وهي عبارة عن مسلسلات تلفزيونية تتضمّن العديد من المواقف المتتالية المضحكة ، ولها جمهور واسع ،والكوميديا السوداء التي تحمل في طياتها الهجاء وتتميز بالتطرق لموضوعات تعتبر تابوهات بشكل فكاهي او ساخر مع المحافظة على جانب الجدية في الموضوع (10)
النكتة :
إن النكتة هي "نوع من أنواع الأدب الشعبي تحكي قصة صغيرة أو موقفا أو تسلسلا من الكلمات الذي يقال بغرض التأثير في المتلقي وجعله يضحك"(11)
وتعرف النكتة لغويا على أنها " الجملة الطيفة تؤثر في النفس وتحدث فيها انبساطا"(12) وهي بذلك تشعر المتلقي بالبهجة والسرور.
و تقوم النكت على "آلية شبيهة بالتهكم، لكنه تهكم يحدث من خلال حكاية سردية صغيرة موجزة و رمزية".(13)
وأمّا من الناحية النفسية فإنها إحدى الوسائل الدفاعية اللاشعورية بحثا عن تحقيق التوازن النفسي وإخراج الطاقات المكبوتة كما يوضح فرويد. ذلك أنّ النكتة تحمل في ثناياها نوعا من التهكم والنقد وجزءا من الحقيقة وتتضمّن معان تستنتج بسهولة وتلج إلى العقول عبر مسلك محبوب ومختصر هو مسلك الضحك.
فالضحك يريح الأعصاب ويطرد التوتر ويمكن الاستفادة منه في تحضير المتلقي لتقبل بعض الحقائق المؤلمة دون إيذاء المشاعر تماما كما يفعل الطبيب حين يربت على العضلة قبيل وخز الحقنة فلا يشعر المريض بألم الوخز.
يقال :" شرّ البريئة ما يضحك " فالنكتة تكون أحيانا أشدّ من التأنيب أو الشتم وتكون الكوميديا الساخرة المتهكمة أقسى من طعنة السيف وهذا تماما المقصود في فيلم حسان تيرو فهو تهكم ساخر واضح على الاستعمار الفرنسي مزج بين الجد والضحك .
تحليل رسائل فيلم حسان تيرو:
بداية من العنوان نلاحظ أن تيرو تعني الإرهابي و هي التسمية التي أطلقتها فرنسا على المجاهدين كما ذكرنا سابقا لتضليل الرأي العالمي ، والعنوان هنا بلغ مبلغا من التهكم والسخرية لما يتضمّنه من تضخيم وتشويه للواقع . فشتّان بين المجاهد والإرهابي .
إذن لخضر حامينا اختار تسمية كاريكاتورية تثير السخرية وتذكر باستخفاف الاستعمار للعقول في محاولته تشويه الحقيقة وإلصاق صفة الإرهاب بالثوار،ولو أن العنوان كان حسان المجاهد لفقد حس النكتة .
ويقوم الفيلم أساسا على فكرة تورط رجل جبان في قضية ثورية ليقبض عليه بالخطأ ظنّا أنه من كبار قادة الثورة، وهذه المفارقة هي النول الذي نسجت عليه الكوميديا .
وبالتالي فإن أي تعامل جاد للفرنسيين مع هذا الأسير يحدث إسقاطا كاريكاتوريا بصورة آلية في ذهن المتلقي ، مما يثير الضحك الممزوج بنكهة الازدراء والسخرية والتشفي.
ونفهم من هذا أن لخضر حمينا وظف الكوميديا في حدود ما يعرف في علم النفس " بمحاولة قهر القهر" وهي عبارة استعملها فرويد في شرح معنى النكتة (14) لينتج لنا عددا من المشاهد المضحكة الشبيهة بمجموعة من القنابل المتجددة الانفجار.
ويستذكر الفيلم فترة الإضراب الذي كان ورقة قوية من أوراق المفاوضة حول الاستقلال ،ويصف بأسلوب أقل وطأة على نفسية المتلقي الموضوع ذاته الذي تطرق إليه فيلم معركة الجزائر، لكن بين طيات القالب الكوميدي نجد رسائل بصرية جد قوية ، قد تبلغ من المتلقي مبلغا لا يصل إليه الفيلم الجاد .
ففي ذروة الشعور بالجوع في المعتقل يصف المخرج إيثار الشعب الجزائري في لقطة رغيف الخبز الذي تبرع به الشيخ إلى الشاب على الرغم من شدة جوعه ،علما أن هذا الرجل المسن هو والد المجاهد الفار والمطلوب.
هذا المشهد يسلط الضوء على ميزة مترسّخة في الشعب الجزائري لم تقض عيها سياسة التجويع التي عمرت طويلا بما تتضمنه من أعوام عجاف كسنين الجمر.
ومن الرسائل القوية أيضا إبراز شجاعة المرأة الجزائرية ومشاركتها في حرب التحرير من خلال شخصية زوجة حسان التي خبأت المجاهد الجريح في قبو بيتها دون علم زوجها الجبان .
كما تعمّد المخرج في تصويره لمشهد القبض على حسان بعد اكتشاف الفرنسيين لقطعة سلاح في بيته تقليد مشهد القبض على الشهيد العربي بن مهيدي أو أحد كبار قادة الثورة، وهذا ليس استخفافا بالشخصيات الثورية البارزة بل هو تهكّم على الاستعمار الفرنسي الذي بدا فرحا باصطياده لأرنب ظنا منه أنه حصل على أسد.
رسالة مهمّة أخرى ولعلّها أقوى رسالة في الفيلم تتجلّى في المشهد الذي يبرز عدم جدوى دواء منع الكذب واستنطاق الحقيقة من فم حسان ، فرغم جبنه وبعده عن الثورة فإنّه لم يبح ببنت شفة ، مما يدل أنّ الدواء اصطدم بروح مقاومة كامنة في العقل الباطن وهي رسالة مشفرة إلى الجمهور مفادها أن الجزائريين على اختلاف درجات شجاعتهم مجبولون على التمرّد حين يتعلق الأمر بالخضوع للاستعمار، ولا يمكن تغييرهم سواء باستعمال القوة أو الدهاء.
وبأسلوب مازح متهكم تفنّن المخرج في وصف غباء وسذاجة الاستعمار الذي راح يفتش عن قادة الثورة الجزائرية في منزل" الزرناجي بوعلام تيتيش "ويبحث عن " بابور المقرود" وما إلى ذلك من المواقف التي وضعت جيش الاحتلال الفرنسي محل ضحك وسخرية.
وهكذا يمكننا القول أنّ الأسلوب الكوميدي له فعاليته الخاصة في معالجة الموضوعات الجادة حيث يخاطب المتلقي بلهجة مازحة لكن متهكمة وناقدة في الوقت نفسه، على أن الكثير من المشاهدين ينفرون من المشاهد الدرامية المؤلمة حتّى و لو كانت تاريخية حقيقية ،وهذا النوع من الجمهور يكون الأسلوب الكوميدي الحل الأنجع لمخاطبته .
والنكتة كما يصفها الكاتب العالمي جورج أورويل هي " ثورة صغيرة"(15) لما تنطوي عليه من نقد وهي أشدّ وقعا من التأنيب والشتم والهجاء .
و الكوميديا المتهكمة بما تمتلكه من شعبية هي سيف قاطع لا يرحم استعمله المخرج لخضر حمينا في قهر الاستعمار الفرنسي البغيض فتطرّق لأحداث تاريخية تجرّم الاستعمار وتفضح ممارساته الوحشية بأسلوب ناقد ساخر يضخّم الأحداث ويمنحها شكلا غير طبيعي ليشعر المتلقي بنوع من التنفيس يشفي الغليل ، ومن ثمّ يمكننا تصنيف هذا الفيلم الكوميدي في قائمة الأفلام الثورية بامتياز .
الهوامش
1-ابراهيم مياسي مقاربات في تاريخ الجزائر 1830-1962 دار هومة للطباعة والنشر الجزائر 2007 ص156
2-ابراهيم مهديد القطاع الوهراني ما بين 1850-1919 منشورات دار الأديب وهران 2006 ، ص16
3-سعد الله أبو القاسم " الحركة الوطنية الجزائرية 1900-1930 ص 103
4- ابراهيم مهديد "المرجع السابق" ص 18-19
5- جلال العالم ة" قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله" دار ابن تيمية للنشر والتوزيع البليدة ب ت ،ص 40-41
6-عن المنار 9/نوفمبر/1962
7-سينما جزائرية " ويكيبيديا الموسوعة الحرة"
8-فرحان الخليل " الكوميديا دراسة تاريخية" 2 تشرين الثاني 2007
9- المرجع نفسه
10- الكوميديا (الملهاة) من ويكيبيديا الموسوعة الحرة
11-سليم مصطفى بودبوس صحيفة الوسط البحرينية العدد 3098 الثلاثاء 1 مارس 2011
12-المنجد الأبجدي ط 8 دار المشرق بيروت لبنان 1986 ص35
13- سامي نصر " سوسيولوجيا النكت السياسية والشعبية"
14-سليم مصطفى" المرجع السابق
15-المرجع نفسه
تعليقات
إرسال تعليق