التازي يدعو إلى ضرورة اعتماد الأرقام العربية المغربية لأنها هي الأصل / امَحمد العلوي الباهي
التازي يدعو إلى ضرورة اعتماد الأرقام العربية المغربية لأنها هي الأصل
المصدر: | 14 مايو 2013 | فن و ثقافة |
في متم شهر مارس 2013 عقد مجمع اللغة العربية في القاهرة مؤتمره الـ79. وخلال فعالياته ألقى الدكتور عبد الهادي التازي، عضو أكاديمية المملكة المغربية و
عميد أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة، محاضرة قيمة..من جملة ما جاء ضمنها دعوته المشارقة العرب إلى اعتماد الأرقام العربية كما هي معروفة عالميا عوض الأرقام الهندية المستخدمة في عدد من البلدان في هذه المنطقة، ومنها مصر. وصحح المجمعي المغربي اعتقاد المشارقة الخاطئ بأن الأرقام (0 1 2 3 …) «أفرنجية» وفند بعض الكتابات التي تشير إلى انتشار هذه الأرقام في بلاد المغرب الإسلامي عقب الاستعمار بالخصوص، مستدلا بوثيقة للرياضي المغربي ابن الياسمين المراكشي تعود إلى القرن 6 الهجري/ 12 الميلادي، والتي تضمنت أرقاما عربية مرسومة بالصيغة المستخدمة حاليا في مختلف أنحاء العالم.
من الطبيعي أن تكون ردود الفعل حول دعوة الأستاذ التازي متباينة بين مؤيد متفهم ورافض متعصب. وأعرض هنا وجهة نظر أحد الكتاب المصريين (المعاكسة) لأخلص إلى توضيح ما غبر وخفي واستعصى فهمه على إخواننا المشارقة في هذه القضية.
في العدد 436 لمجلة «العربية» شهر جمادى الأولى 1434هـ/ أبريل 2013م نشر الدكتور نبيل سليم علي موضوعا مفيدا حول «التعريب وتوطيد العلم» التمس فيه عدة إجراءات علمية مثل: «تعريب التعليم الجامعي وجعل اللغة العربية إلزامية في التدريس ما قبل الجامعي…». إلا أنه في ختام مقاله مرر رسالة مختصرة وغير مباشرة في الرد على دعوة د. عبد الهادي التازي يلتمس فيها الإجراءات التالية:
«… قيام جهات الإنتاج و الخدمات وهيئات تحرير الصحف والمجلات والدوريات ودور النشر بالبلاد العربية باستمرار في استعمال الرقم العربي الأصيل (٠ ١ ٢ ٣ ) بالأسلوب والمواصفات الصحيحة في مختلف أنشطتهم وأعمالهم، حيث لا يوجد على الإطلاق ما يبرر العدول عنها إلى الأرقام الغبارية المستعملة في أوروبا، مع الانتباه إلى أن تغيير الأرقام يخشى أن يكون تمهيدا لتغيير الحرف العربي نفسه… ومن المنطقي أن يتوحد العرب جميعهم على الأرقام العربية الأصيلة فالتمسك بها تمسك باللغة العربية».
في هذه (الرسالة) نلاحظ أن د. نبيل سليم علي تعمد عدم ذكر المغرب الذي يستعمل الأرقام العربية (0 1 2 3…)، والذي منه انطلقت إلى أوروبا، كما تعمد عدم ذكر الأرقام العربية المشرقية (٠ ١ ٢ ٣) بالصفة المعروفة بها وهي الهندية، وهو يخشى بأنها إذا تغيرت قد يكون ذلك تمهيدا لتغيير الحرف العربي نفسه. وأبادر لأجيبه عن هذه النقطة، فأقول : من أجل الحرف العربي على المشارقة أن يتحدوا مع المغاربة لينشروا الحرف العربي دوليا كما سبق لهم أن نشروا الرقم العربي دوليا.
عدم إلمام بعض المشارقة بالمعلومة حول المغاربة وتاريخهم، وجوهر الأشياء وحقيقتها.. يجعل المشارقة يبتعدون عن الواقع المغربي. فالدكتور التازي وهو يحاضر في القاهرة كان قريبا من جامع الأزهر وكذا من الدكتور نبيل سليم علي صاحب الرد، والذي بالمناسبة أذكره إذا كان يعرف ما وقع لمغربي بالأزهر، قبل أكثر من قرن من الزمن، بسبب كتابته المغربية لأرقامه وخطوطه. ذلك أن الطالب المغربي، واسمه أبو شعيب الدكالي، كان قد قصد الأزهر سنة 1314 هـ/ 1896م لإتمام دراسته. إلا أن لجنة الامتحان رفضت التحاقه به بسبب أنها لم تتمكن من قراءة خط كتابته المغربية حروفا وأرقاما. عندها تدخل رئيس اللجنة وكان هو الشيخ محمد عبده، وأقنعها بالتراجع، مقترحا إجراء اختبار شفوي له وقراءة ما كتبه عليها، فكان المغربي في المستوى المطلوب كفاءة وقدرة علمية، ومكث في الأزهر ست سنوات دَرَس فيها طالبا، ودَرَّس فيها أستاذا. ولما طلب والي مكة من الأزهر مَدُّه بأنجب عالم في الأزهر يكون مدرسا وإماما وخطيبا ومفتيا للحرم المكي، حينها، لم يجدوا بالأزهر من يتقدم لهذه المهام أحسن من هذا الشيخ المغربي، أبي شعيب الدكالي. وقد قام بمهامه أحسن قيام، وعُدَّ من يومها من رواد تيار الإصلاح. أعود إلى مسألة أصالة الأرقام العربية المغربية، التي دعا الدكتور عبد الهادي التازي المشرق العربي إلى اعتمادها كما يعرفها العالم، والتي تم ابتكارها في المغرب في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي على عهد الدولة الإدريسية. كل المستشرقين والباحثين بأوروبا وغيرها يعترفون بعربية «الأرقام المغربية». كما أن الموسوعات الدولية، بما فيها الموسوعات الأوروبية والروسية والعبرية والفارسية والأمريكية والصينية تسميها:
«الأرقام العربية» (Les Chiffres Arabes)، وكذا مخطوطاتنا في علوم الرياضيات المحفوظة في المكتبة الوطنية للمملكة المغربية في الرباط وفي المكتبات العالية الشهيرة.. كلها تقر وتعترف بذلك. الغربيون الأوروبيون يقولون إن الأرقام التي وصلتهم من المغرب في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي بواسطة (جيربرت)، وهو سلفيستر الثاني الذي تولى البابوية في روما ابتداء من سنة 390 هـ/ 999م لمدة أربع سنوات، كان قد سبق له أن تعلم اللغة العربية في قرطبة كما تعلم الحساب وكتابته بالأرقام العربية في مدينة فاس، وكان أول أوروبي يُدخِل هذه الأرقام إلى أوروبا. و ُدخلت ثاني مرة إلى أوروبا على يد ليوناردو فيبوناتشي البيزي في القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي. هذا الذي زار البلاد العربية والإسلامية بعد أن تعلم اللغة العربية في مدينة بجاية، وقد حمل هذه الأرقام العربية ومعها الصفر من فاس إلى إيطاليا. (انظر مثلا ما كتبته المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة عن ذلك في كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب»).
امَحمد العلوي الباهي
* باحث مغربي
http://www.marocpress.com/almassae/article-244256.html
تعليقات
إرسال تعليق