الفنان محمد سعود:نص الاستجواب الذي أجرته معي المبدعة والصحافية ليلى بارع في جريدة الخبر الصادرة اليوم.
الفنان محمد سعود:
نص الاستجواب الذي أجرته معي المبدعة والصحافية ليلى بارع في جريدة الخبر الصادرة اليوم.
"محمد سعود فنان تشكيلي وناقد فني من مدينة بركان ، اختار البيضاء مدينة ثانية له ، من الفنانين الذين بصموا الحركة الفنية المغربية بأسلوب متميز ، نال إعجاب عدد من النقاد والفنانين والأدباء ،.وضعت لوحاته في الكثير من أغلفة الأعمال الإبداعية والملصقات والكتيبات والقصائد ، كما أطر الكثير من ورشات علوم الاتصال والفن التشكيلي .تم تكريمه من طرف عدة جهات محلية ودولية .تشكيلي هادئ. يشتغل دون ضجيج .مواقفه صريحة واضحة .معروف بين أصدقائه بتذوقه الأدب ، والشعر خاصة . في هذا اللقاء نقترب اكثر من التشكيلي محمد سعود . ونفتح معه حوارا متعدد الأسئلة ، ينتقل بين مما هو خاص إلى ما يهم الساحة التشكيلية بصفة عامة .
*بداية لنتحدث عن الفن كالتزام مبدئي بالحقوق الإنسانية، على ضوء رفضك لدعوة المشاركة في معرض دولي بإسرائيل.
- الفن التزام ورسالة أخلاقية وإنسانية ، وكبار الفنان العالميين حملوا هذه الرسائل وجسدوها في أعمالها ، كالفنان الإسباني بابلو بيكاسو حين عبر مأساة القرية التي قصفتها القوات النازية في لوحته الخالدة "غيرنيكا" وكذلك الفنان الفرنسي الكبير لويس دافيد في الكثير من لوحاته ، وللالتزام برسالة الفن السامية رفضت المشاركة في صالون الخريف بتل أبيب ، كم رفضت المشاركة في الكثير من المعارض ذات الطابع التجاري والسياحي ،، ولكن حين تم استدعائي للمشاركة في معرض متجول بعنوان " باميان " بين الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا للتنديد بتدمير تمثال بوذا في هزارستان بأفغانستان من طرف طالبان لم أمانع ، أو في إحياء انتفاضة مدينة سطيف يوم 8 ماي ضد العدوان الفرنسي على الجزائر لم أمانع كذلك ، وشاركت رغم أن المسافة بين الجزائر العاصمة ومدينة سطيف تقدر ب 400 كلم كانت محفوفة بالمخاطر قبل بضعة سنوات ..كما لم أتردد في التوقيع على عارضة موجهة للرئيس السوري لإطلاق سراح الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي حين طلب مني الزملاء الفنانون ذلك
*رحل مؤخرا فريد بلكاهية، التشكيلي المغربي ، ما الذي يمثله هذا الاسم بالنسبة لتاريخ التشكيل المغربي؟
- الفنان المرحوم فريد بلكاهية من الرموز الفنية التي بصمت الفن التشكيلي في المغرب برؤية فنية بصرية واعية بعيدة عن الابتذال والسقوط في اجترار تجارب الفنانين الآخرين ،، جعل المادة في صلب العمل الفني ، بالاعتماد على سند مستمد من البيئة المغربية بعيدا عن الحامل المستورد من الغرب ، حاول تطويع مادة النحاس في أعماله ولكنه استقر على الجلد وتوظيف مواد يستعملها الصناع التقليديون في أعماله مما جعلها مثار انتباه الكثير من المتاحف والأروقة .كما أنه فنان حمل مشروعا لتطوير الفنون التشكيلية حين كان مديرا للمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء ، لكن مشروعه لم يكتمل وانصرف لمحترفه بعيدا عن الأضواء .
* خلاف كبير يعيشه المجال التشكيلي المغربي بسبب معارض خارج وداخل المغرب، ما الذي يجعل المجال غير منظم بهذه الطريقة التي خرجت إلى العلن مؤخرا، في نظركم؟
- الفن التشكيلي في المغرب يعيش أزمة خانقة من حيث التنظيم لا من حيث الإنتاج ، وكنت أشرت إلى في عدة مناسبات خاصة في جريدة القدس ، وكلامي لم يعجبني الكثير ، ولكن هذه السنة بالضبط اندلعت الأزمة وبدأت الاحتجاجات من طرف الفنانين والنقاد والنقابات ، لأن الكثير منهم كانوا يعتقدون أن نصيبهم من الكعكعة مضمون ، وآخرون تعرضوا للإقصاء والتهميش ولازالوا يعانون منه ، بحكم وجود ما يسمى بالمحور والهامش وكذلك بسبب لوبيات تتحكم في كل شيء حتى في وسائل الإعلام ،، إضافة إلى استفراد الكثير من الأشخاص بقرارات تهم مصير أمة كتنظيم معارض كبرى والمتحف الوطني ،، ولا يمكن لأي شخص مهما كان مستواه أن توكل له مهمة الاختيار ،لأن الاختيارات تكون في غالب مزاجية خاصة في الفن التشكيلي الذي أثبت منذ القديم أن الكثير من الاختيارات جنت على فنانين كبار ودفعت بهم الى حافة الفقر والنفي الاختياري كما حدث لفنان غوغ ، وبول غوغان والكثير من الفنانين . ويمكن أن نستشهد بالفنانين المغربين الغرباوي وعباس صلادي .
ولا ننسى أن كثرة المعارض التي تنظم في المغرب تعطي انطباعات سيئة عن الفن التشكيلي في المغرب ، حيث نسمع كثيرا عن تنظيم معرض وطني ولا نجد فيه إلا مجموعات من الفنانين تربط بينهم صداقات لا أقل ولا أكثر ، أو معرض دولي ولكن حين نتفحص الأسماء نجد أن أسماء الأجانب أشخاص من هواة الرسم مقيمون في المغرب ومستواهم ضعيف جدا .أما بعض المعارض التي تستضيف فعلا أجانب فلا نجد بينهم إلا أشخاصا يريدون قضاء عطلتهم في المغرب وبينهم وبين الفن آلاف الأميال ، ماعدا بعض التظاهرات القليلة جدا .
*- تزين لوحاتك أغلفة العديد من الأعمال الأدبية، التشكيل والثقافة في المغرب، ما هي حدود العلاقة بينهما، إن وجدت؟
-لوحاتي تم اختيارها من طرف الكثير من الشعراء والروائيين والباحثان من بلدان مختلفة وطبعت في فرنسا وتونس ومصر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والعراق وأستراليا والهند ،، وهذا التوع يثلج صدري خاصة أن أكثر من ستين لوحة طبعت والبقية ستطبع لاحقا . ولم أستطع أن ألبي جميع لطلبات بحكم ان كل اللوحات إما طبعت أو حجزت ،، وما أود أن أشير إليه هو أني لا ارسم من أجل الأغلفة أو تحت الطلب ، بل اللوحات تكون مرسومة سابقا ،، ويقع اختيار المبدع عليها وأحيانا يرسل لي المبدع ما كتبه فاختار له ما يناسبه ،،وما يجعل هذه العلاقة وطيدة بيني وبين المبدعين هو اهتمامي بالآداب العالمية ولا أتواني عن قراءة الكتب بمختلف أنواعها من شعر وقصة ورواية وفلسفة علم الجمال ونقد فني ، وأستلهم الكثير من أعمالي مما أقرأه .
وعلاقة التشكيل بالكتابة ازدهرت في الكثير من البلدان الأسيوية خاصة في ما يعرف بالمنمنمات ، كما نجد عند أشهر فناني الشرق " بهزاد" أو عند العرب " يحي الواسطي الذي زين مقامات الحريري ، أما في المغرب فكانت التجربة الرائدة التي أسس لها الشاعر محمد بنيس وآخرون في مجلة " الثقافة الجديدة " ولكن هذه العلاقة بدأت تخبو لظهور طبقة من الفنانين لا تهتم بالقراءة وتلهث فقط للمشاركة في المعارض وبيع اللوحات . ومن النادر جدا أن نجد فنانا يحضر على الأقل نشاطا أدبيا ، أو أديب يحضر نشاطا فنيا .
وأعتقد جازما أن وضع لوحات على أغلفة إبداعات أبدية سيساهم بشكل كبير في نشر ثقافة بصرية نحن في حاجة إليها ، شريطة الالتزام بحقوق الفنان أي عدم وضعه أية لوحة له إلا بعد التوصل بعقد مكتوب وموقع من طرف الفنان تفاديا لأية متابعات قضائية واحتراما لحقوق المبدع .
*- حائز على عدد من الجوائز العالمية وتشرف على عدة دورات فنية تكوينية، كيف تنظر إلى الموجة الجديدة في التشكل المغربي؟
- الجوائز الدولية التي حصلت عليها جعلتني أكثر التزاما وإقبالا على البحث والتجريب في مجال الفن التشكيلي ، لأنها مسؤولية كبرى وجسيمة ، وتجعلني لا أنشر لوحة إلا بعد تفكير طويل ، وكم من لوحة محوتها وأعدت رسمها من جديد لأني كنت أحس أنها ليست مني .وأن صراعي معها هزمني . كما أن هذه الجوائز لم يسبق لي أن فكرت فيها ولا رشحت نفسي لنيلها ، هي تأتي كاعتراف بأعمالي وأكون سعيدا بها . ما يهمني الآن هو نشر الثقافة البصرية سواء ممارسة أو كتابة ،،
وبالنسبة للموجة الجديدة في التشكيل المغربي فأعتقد أنها ليست موجة فنية بل نحن أمام جيل جديد ، لأنننا ما زلنا بعيدين عما يحدث في العالم من تغيرات وثقافتنا البصرية ضعيفة جدا في غياب مناهج تعليمية تولي الفن التشكيلي أهمية كبرى ، وكذلك انعدام كلي لكليات الفنون الجميلة . وإن كانت هناك بعض التجارب الفردية فهي قليلة جدا . وبالتالي يستحيل أن نكون قادرين على خلق موجة ذات خائص أسلوبية وفنية تحمل بصمة الفن التشكيلي المغربي ، ولذلك أقول دائما الفن التشكيلي في المغرب ، أي أضعه في وعاء ولا أصفه .
وختاما أتوجه بجزيل الشكر للصحافية المبدعة ليلى بارع وجريدة الخبر على هذه الأسئلة التي أصبحت تشغل بقوة الساحة الفنية المغربية خاصة هذه السنة التي عرفت الكثير من التوترات والتي لن تهدأ في القريب العاجل .
تعليقات
إرسال تعليق