خالد المبارك و المنابع التعبيرية ... / إحسان وفيق السامرائي


خالد المبارك و المنابع التعبيرية ...
الإثنين, 10 كانون1/ديسمبر 2012 00:52 إحسان وفيق السامرائي

يتمثل لنا الفنان خالد المبارك في طوافه الحاضر بين الرسم والنحت وكأنه يتهيأ لعرض جديد.. ما فيه يجدد ما قبله.. غايته وضع حد بين الواقع والحلم .. بين فنان اختار تغربا مكانيا .. لا ضغوط فكرية ولا سياسية عليه ثم عاد للوطن زائرا يطالب ويفرض شعاراته .. و فنان عايش المعاناة والاضطهاد والموت في وطنه وتخلف عن العالم الا انه لم يترك الارض او يتسول الشعارات.!!
هذا الواقع هو الذي دفع بالمبارك لان يقف وسطا امام ثلاثة منعطفات ..
• كيف ينحت و يرسم وبأي اتجاه وتحت أي سقف يلجأ والى أي ضفة يأخذه التكوين.. وخلف ظل أي لوحة يتحدث .
• موقفه من مجتمع فقد أواصره القومية فتشبه بظاهرة الاغتراب..
• موقفه من حاضر ممزق وماض مائع في التأويل ..
ومع وجود المتضادات التي جسدت واقع الفنان العراقي الان الا انها لم تتمكن من تحديد هويته انما أعادت أحياء صراع التطرف الداخلي والانجرار ألى الخلف ..
لقد كان للمبارك" ان جد وبحث في ممراته التعبيرية عن تناسق جدلي وفلسفي حتى وجد فنه وفكره امام المتراكمات النفسية وما خلفه عصر الاحتلال من احياء للتخريب والارهاب .


من هذه المفترقات عاكس" خالد"التجربة اليومية عندما حاول خلق تواصلات تعيد المنابع الى اصولها فكان لانسلاخ الالوان ومشداتها التكوينية أعادة الى الطبيعة الحضارية الاولى لايجاد الهدف الذي يمكّنه من العبور وتنفيذ الرؤيا .
ان" الفنان خالد"مع التراث الكثيف من اللوحات والرموز والتكوينات لم يلق الاحساس عبثا عند تكوينه للصورة الجديدة وبيان موازناتها لاعتقاده بان ملامحها ظلت تجريبية من الناحية التطبيقية وهي التي خلفت رقعة الالوان الضاجة بالاصباغ والتكثيف والمجسمات ..


"بقع الدم والاسمال والشظايا وحطام المدافع والطائرات"..
فالفنان ظل مسؤولية العصر لان الالهاء واستبدال ثورات التحرر بالارهاب قد غيّرت المعادلة وحرفتها عن اتجاهاتها ..فكان البحث عن وسائل تبريرية ما مكنه من الاستدلال دون عقيدة فكيف له ان يرسم ..
لقد حاول "المبارك" خلق صلة تواصلية و ايجاد وسط حضاري يماشي التطور الذي لم تخلقه الصدفة فجعلته اكثر التصاقا بالمدينة.. فكان المنحى التجريدي احيانا وزوايا المادة التعبيرية ما ترك له حرية التواصل دون منحنيات او دوائر عاكسة ..
ان "خالدا" في اعماله الحاضرة والاخيرة لم
يتقيد بتسجيل انطباعاته في النحت القديم. لانه كان واقعيا امام صخب الالوان وتناسخ المرئيات التي راها تحت الاضواء فلم تزده شعورا الا بكونها اقنعة وهمية لان ما يريده هو التغير والاتيان بحقيقة جديدة ..
ومن اجل توحيد التفاوت التعاكسي والتركيز على هيكلية الصورة غيرالمستقرة اطوالها عنده الا بتوازن اللون.
راينا منحنياته تتحول الى ادراج واصله.. ما فيها ربطه بمسولية الفنان في هذا الطوفان..

 

 
و وجدنا في رسومه اقترابا تساؤليا لحيطان تغطيها المنمنمات الشرقية التي تغلبت عليها الازهار الظليلة و الزخارف والانحرافات والشواهد في محاولة للنكوص والعودة الى العصر الماضي
فاشتق الاشكال كما كان يفعل "غوغان " . فكان منهجه محاولة لرسم بانوراما انسانية تتداخل فيها الوجوه المستعارة والحقيقية والاجساد العملاقة والوجوه المستطيلة المتكئة على اسوار ترايبية محروقة الالوان تقبع فوقها نماذج اقرب الى المسوخ وهي الرموز العاكسة للزمن والتي اظهرت طفح الالوان الانطباعية وهي تنسج النحاس الاحمر بالمرمر..
وكما يرى الفنان فاللون لا يعيد اعمال الماضي ولكنه يملكها .
والمبارك لم يتناسى واقع الفنون في رجوعه الى " بريشت" " الذي قال "حتى البرابرة لهم فنهم "فلم يتناسى واقع الفنون الا انه لم يختلق حضارة ولا صورة لم يكن لها من بنيان داخل فكره .
و في رحلته الاخيرة المبحرة بالوقائع جعلنا اكثر تحسسا لسخونة الدم ومرارته كما لو كان زهرات حمراء .

 

ان اللغة التشكيلية عنده تواجه صمتا ..
عندما كان يجدف نحو الطبيعة بما يجعلنا نحس نقاء الماء وبرودته عبر اشعة غير مرئية قد تكون مسقطا لمشهد او شجرة او غاطس مجهول لحركه مجذاف ناعس ..
اما النحت فالمدرسة العراقية الحديثة مهما باعدنا الرعيل الاول الذي حاول تاسيس مدرسة عراقية و بررنا عنصريتها ووجودها..
نحسها خرجت من المعطف الاوربي .. بينما الفنان القديم عبر رؤيته البدائية وشرائعه
اللاهوتية قد جسد مقاطع و تشكيلات عاكسها بمعتقداته وقرابينه لتتجلى بشموخه وهو ما نبئنا بظهور مدرسة غايرت الاطر المحيطة في تركيزها على الالهة والانسان لان العقد الفاصلة " في تكوين الشكل الانساني واللاطبيعي قد عمتها الضخامة و التهويل لتظهر الزقورات الطينية والابراج والحراس الذين تغضنت وجوههم من الشراسة تاكيد حقيقي لهذا التحدي وهو ما ابقي الفن العراقي القديم دون اقنعة مثار ألتساؤول فكانت العيون اقرب للنوافذ البدائية والحيطان غابة من الترانيم والشعائر .
لقد نهج "المبارك" نهجا اخر في الخلق فلم يعبث بالاشكال بل اعطاها خلفيات واقعية وتخيلية وهو ما دفعه للانسلاخ من تبعتة وخلق رموز ملهمة قد تكون مواريث للمنهج البابلي والسومري..

 

والفرق الفاصل..ان الشعاريات والسبايا والعبيد الذين بقوا ضمن الغابة الحضارية القديمة كانوا انماطا ثابتة فكان الفنان يتلاعب فيها كيفيا بالنسب لا بالضرورات
محددا اضأءات تجاربهم لان تذوق الجمال عنده افضل من فهمه كما راه " ديلا كروا "
ان " الفنان " يحاول لّم الاشكال الخلفية
لاعتقاده بانها الاصل وهو ما دفعه لتكبير احجامها وكثافتها الا انه لم يمسخ موجوداتها .
فجاءت المعادلة خلال البحث والرؤيا لحالة القلق التي يعيشها الفنان المعاصر فوق ارضية زلقة تراقصت بالمرايا والاشباح ..
انه بمحاولته هذه يعمل على تجريد صورة الفنان من اصباغه ودفعه للظهور عاريا امام الواقع ولكن ما يثير التساؤل الان ان الفنان لم يؤخذ حتى الان كنموذج ظاهر لعدم تكامل موضوعية النقد فاتجه بلا قواعد للتشبث على تجميع اشكال لا صلة لها بالوسط الراهن "حاضرا أو ما
ضيا " .
ان الفنان خالد المبارك اليوم لايعمل على تجديد الصورة بل يحاول اعادة الفنان الى تراثه ووطنه .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح

آعـظـم 100 كتاب فـي تـاريخ الـبشريـة ... (جميعها جاهزة للتحميل)