قراءة في عنوان المجموعة القصصية .. "أحذيتي وجواربي وأنتم" للقاص سعيد بوطاجين. / بلقاسم الشايب
قراءة في عنوان المجموعة القصصية ..
"أحذيتي وجواربي وأنتم" للقاص سعيد بوطاجين. / بلقاسم الشايب
"أحذيتي وجواربي وأنتم" للقاص سعيد بوطاجين. / بلقاسم الشايب
بلقاسم الشايب في حضن والدته
جريا على قول ابن مالك صاحب الألفية :
"كلامنــا لفظٌ مفيـد كاستقمْ ** واسمٌ ..وفعلٌ.. ثمّ حرف الكَلِم
واحـدُه كَلمـة والقـول عـمْ ** وكِلْمةُ بها كــلام قد يُـؤَمْ"
أي أنّ الملفوظ السردي أو الشعري مهما اتسع مضمونه، فستؤمّه كلمة هي ديباجته أو عنوانه أو إمامه. كأنما العنوان هو الإمام، وما بعده من الصفوف هي السطور، وهذه الكِلْمة هي التي تشي بمضمونه ابتداءً، لمن ألقى شاهد العقل ليبعث النّص من جديد، فينقاد إلى فهم محتواه. والكلمة محل القصد هنا هي : "أحذيتي وجواربي وأنتم" .
وكعتبة نصية يجدر الاستشراف منها في تحديد الأثر الأدبي، و قراءته، فهي تدفع القارئ إلى اقتحام النص برؤيا مسبقة، لأنّ القراءة الفاحصة للعنوان يُبنى عليها التوقع الذي يقوده إلى الكشف عن مفاتن النص، ودلالاته الجمالية، معتمدين في ذلك على فواكه اللغة كأساس لتفكيك اللفظ وتبيان مراميه بوصف العنوان كأقصى اقتصاد لغوي في النص الأدبي.
وكذلك بتقليب معناه على أوجهه اليقينية أو الملزمة- فالشك في لعبة اللغة لا وجود له كما هو معلوم- وفي ذلك لا نرجم بالغيب بقدر ما نهدف إلى تفكيك مبناه قبل معناه، ومن ثم نعيد بناءه على النحو الذي يولّده الفهم والتوقع واللسان العربي:
« فالعنوان عنصر بنيوي يعطي للنص هويته» وعلامة لغوية تواصلية ذات علاقة مؤثرة في النص على الرغم من أنه لم يكن عنوان إحدى القصص المكونة للمتن القصصي . كما أننا نلبي رغبة الإفصاح عن الذوق الذي تمليه السليقة، وعلى مساءلة اللفظ وقلبه كما يقول "سعيد بوطاجين" الناقد حول قصصه :
« أفرغت على سبيل التمثيل، عدة كلمات من دلالاتها القارة وإحالاتها عن طريق المساءلة والقلب. »
وكذلك على فلسفة اللغة باعتمادنا الملاحظة البسيطة التي تبناها الفيلسوف "جون أوستين " الذي انطلق من ملاحظة مهمة مفادها أن كثيرا من الجمل التي لا يمكن أن نحكم عليها بالصدق والكذب، لا تستعمل لوصف الواقع، بل لتغييره والانتفاضة عليه.
فالعنوان إذن هو :
" أحذيتي وجواربي وأنتم" ، والذي يؤمّ عشر قصص ذات ترتيب شعوري، قُصد منه إهمال الزمان كما هو واضح في تذييلاتها الموقعة بجمل كالخواتم، من مثل:
( الساعة الخارجة عن التقويم ، في تلك السنة، وهل هذا مهم ، بتاريخي أنا )
وهو عبارة عن جملة اسمية مكونة من اسمين وضمير منفصل وحرفي عطف ، ومن مقطعين، الأول يتكون من: "حذائي وجواربي" والاسمان من حقل دلالي واحد ،والثاني مُنشأ من الضمير المنفصل " أنتم" وألحق بذات الحقل بفعل مقام الخطاب، و بفعل الجمع الذي جمع ما لا يُجمع عادة، فالكلمات كلهن جمع.
وترتيب الكلمات هنا ترتيب أهمية ، غرضه التقديم في اللغة وليس ترتيب رفعة وسمو ؛ بمعنى أنّه ترتيب شعوري له صفته الوصفية، لا القدحية كما يظهر من خلال ظاهر المعنى ابتداءً، وإذا منحنا اللفظ معنًى آخر يجليه السياق أو محمولات اللفظ كما...... فإننا نخلص إلى ثلاثة تراكيب هي كالتالي:
الأوّل:
إذا اعتبرنا الواوين واوَا عطف كما هو ظاهر فالمعنى العام الذي يقترح نفسه بشدة هو: "أحذيتي وجواربي وأنتم سواء". يقول الجرجاني :
"من شروط العطف الاشتراك في الحكم والعلّة".
والثاني:
إذا أخذنا ما خفي من المعنى كقصد وتقدير يكون المعنى على النحو التالي: "أحذيتي مع جواربي وأنتم" ، مما يفيد أن الواو الأولى واوَ معيّة بحكم التلازم (تلازم الحذاء والجوارب) فالجوارب ملحقة بالأحذية عادةً وواقعا ، وحتى وإن لم نذكر الحذاء صراحةً كما في القول: " أحذيتي ولواحقها" ، أو "أحذيتي وما يلزمها"، فإننا نعني الجوارب حتما، كما أن الحذاء يغني عن الجوارب.
والثالث:
يقترحه وجود الضمير والسياق؛ فوجود الـْ:"أنتم" على مقام واحد مع الحذاء يجعل المعنى يفيض إلى التركيب التالي :" حذائي وجواربي كأنتم" ، وهذا احتمال يفرضه اتساع المعنى وفلسفة اللغة من جهة ، والتمرّد على السلطة الأحادية للكلمة ومحمولات اللفظ الممكنة وكذا القصد من جهة أخرى، وإذا تحدثنا عن القصد أو القصدية فلنضع في الحسبان أنَّ « مقاصدَ المتكلم مؤشراتٌ حاسمةٌ في عملية التأويل، و إلغاءَها إلغاءٌ لجزء معتبر من معمار المعنى النصي إن لم يكن إعداما مطلقا له». لأنّه عند النطق بـ"أنتم" نكون قد وضعنا مباشرةً أمامَه كائنا آخرَ، هو " أنا "، ويشكل الأوّل الإطار الخارجي المقابل للإطار الداخلي الممثل في ذات المتكلّم ؛ وإذا أظهرنا أداة التشبيه فإنّ وجه الشبه قائمٌ في الحكم والعلة من جهة ، وفي القيمة المتساوية من جهة أخرى.والضمير المنفصل المخاطب الدالّ على الجماعة والذي يوحي بالحضور أي بحضور الـ:"أنتم"، وأن حضور المخاطب (بكسر الطاء) يستوجب حضور المخاطب (بفتح الطاء) على الأغلب كما أن التقدير لدى الإعراب يفيد بوجود اسم الإشارة على اعتبار أن "أحذيتي " خبر لمبتدإ محذوف تقديره هذه ، ومعلوم ألاّ إشارة إلاّ نحو حاضر على الأغلب كذلك.
هذه معان مقترحة ليست بالضرورة أن يكون الكاتب قد استهدفها، لكن ورودها في ذهن القارئ تجعله يلج إلى النص بتصور مسبق، لأن العنوان- كعتبةٍ نصيّة- هو نصٌّ موازٍ داعمٌ ، فضلا عن كونه عنصرًا بنيويًّا يعطي للنص هويتَه، وليتخطى العتبة الأولى وفي ذهنه حزمة من الأسئلة تجعله يبعث النص فـَ" النص ميت يعيد القارئ بعثه من جديد" على رأي "رولان بارت " .
إن هذا التقدير اللغوي للمعنى وانطلاقا من أن النص عبارة عن أفعال كلامية منجزة من المؤلف نخلص إلى تبني المشاهد الثلاثة أو اللقطات الثلاث بتعبير أهل الفن السابع في تصورنا وكما يلي:
- المشهد الأوّل:
شخص ينتعل حذاءً وجواربَ ويخاطب جماعة مع الإشارة إلى الحذاء.
- المشهد الثاني:
شخص يقف حافيا و يحمل حذاءَه أو أحذيته ويلوح بها أمام جماعة.
- المشهد الثالث:
شخص يقف حافيا ولا يحمل حذاء أو ينتعله وربما يشير إلى جهة ما..هذا الاحتمال يقويه المثل: " فقدان الشيء يزيد من قيمته"، وفي كل المشاهد تظهر الإشارة استنادا إلى التقدير الإعرابي وعامل السخرية المبكي.
إن العنوان يتعدى المعاني اللغوية إلى الرمزية فـَ: «الحذاء رمز للمسير والسفر والترحال التي ترمز جميعها إلى الموت، وهذا يفسّر بعض التقاليد الغربية التي تقضي بعرض حذاء الميت بجانب سريره كونه في وضعية الغياب الأبدي. »
وإذا كان "الحذاء" لغة هو النعل كما جاء في معجم لسان العرب أو هو كل ما تتوطنه القدم .فإن له رمزيةً في الثقافة العربية تؤشّر على قلة القيمة من جهة كما في المثل الذي أورده "أبو حيان التوحيدي" في شأن مورد المثل المشهور "رَجَع بخُفيْ حُنيْن" ومن جهة أخرى يقدسونه لأهميته، ومن شدة تمسك العرب بالحذاء وقيمته لديهم، فهم يعتبرونه كقطعة من الجسم.
وعبر التاريخ من "حُنين" إلى "منتصر الزيدي" يعتبر الحذاء عضوا من الجسم للحبيب وأحط عضو برَميه يمكن إيقاع الإهانة الضرورية بمن استحقها بكل جدارة. كما حدث مع "جورج بوش". وعموما فرمزية الحذاء تختلف باختلاف الأمم والأفراد.
ويرى الدكتور "خريستو نجم" في كتابه ( رمزية الحذاء والقدم في الأدب والفن)أن الأبعاد النفسية للقدم والحذاء في علاقتهما المتعددة والمتنوعة، تختلف باختلاف الأنماط النفسية التي يتصف بها كل فرد .
وهنا تأتي مشروعيّة التساؤل حول "أحذيتي وجواربي وأنتم".. الذي هو بمثابة القشرة الخارجية التي تحفظ اللبّ، و إجلاؤها يجعلك تتذوقه.
يقول الله – تعالى- مخاطبا موسى -عليه السلام-:
{{ فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى}}
وفي ذلك دلالة على أن الحذاء يُنزع لدى وطء الأمكنة المقدسة لما يلحق به من الشوائب التي تعلق به لدى سير صاحبه ويسري ذلك على المساجد والقباب والكتاتيب والمزارات والأضرحة وأمكنة تعاليم المقدسات كتعاليم البوذية وعلى البيوت كما في شرق آسيا وحتى على أرجاء البيت الذي يخضع لصرامة امرأة جزائرية تعشق النظافة.
لنشير إلى صورة الغلاف لإظهار القدم كهيكل حذاء لدرجة أنك لا تستطيع التفريق بينها وبين الحذاء والتي تعطي انطباعا تعبيريا ملفتا يجسد بعض طبوغرافيا العنوان، ذلك أن القدم تتجاوز اليد في قدرتها على التعبير أحيانا.
والصورة ذات دلالة حقيقية ومجازية ،فالخلفية الخشبية الداكنة ذات دلالة وجدانية مرتبطة بالأماكن الهادئة وغير المضاءة تتماهى ومحتوى التماعات اللون نفسه. ولأنّ كلّ ما يخطر ببالنا من افكار واحاسيس وتساؤلات تصبح اوضح عندما تجَسّد كتابة او رسما، فانها عندما تترجم إلى صورة في وفي السواد فهي ترمز الى الاشباح خصوصا اذا كانت مشوهة كما في (الحذاء الرجل) الثابت على الارضية السوداء،وهذا يوحي بالخوف، او الرهبة، او التشاؤم، ولا ناتي بالجديد حين نقول الحزن.
وقد جاء التشكيل البصري للغلاف ككلٍّ موحيا بالنسيج القصصي لنصوص المبدع " سعيد بوطاجين " كما أنّه ذو حمولات رمزية ثقيلة معقدة التوليف ، لما تحمله من تيماتٍ مدمجة مع بعضها البعض ولاسيما رمزية "الحذاء" الذي تكرر بكل مفاهيمه في قصة الحذاء التي جمعت خيوط جميع القصص التي جاءت بالصيغة التركيبية التالية:
(أوجاع الفكرة)،(أحذية الورد والكرز)،(الجورب المبلل)،(مغارة الحمقى بتاريخ الروح المشرئبة)، (حبل لعبد الله في سيارتي)،(مدينة زكريا تامر بتاريخي إنا)، (إرث من الريح في تلك الساعة الخارجة عن التقويم)،(القطب والمسمار)،(المهنة متكئ)،(اغتيال الموتى في تلك السنة وهل هذا مهم).
أخيرا يمكنني الخلوص إلى أنَّ هذا الكاتب يجري عليه ما قال "إدوارد سعيد":
(لسنا بالمخربشين ولا بصغار الكتبة، بل نحن نضع سطورنا في التاريخ) .
بلقاسم الشايب
ـــــــــــــــ
"لهذه القراءة هوامش"
"كلامنــا لفظٌ مفيـد كاستقمْ ** واسمٌ ..وفعلٌ.. ثمّ حرف الكَلِم
واحـدُه كَلمـة والقـول عـمْ ** وكِلْمةُ بها كــلام قد يُـؤَمْ"
أي أنّ الملفوظ السردي أو الشعري مهما اتسع مضمونه، فستؤمّه كلمة هي ديباجته أو عنوانه أو إمامه. كأنما العنوان هو الإمام، وما بعده من الصفوف هي السطور، وهذه الكِلْمة هي التي تشي بمضمونه ابتداءً، لمن ألقى شاهد العقل ليبعث النّص من جديد، فينقاد إلى فهم محتواه. والكلمة محل القصد هنا هي : "أحذيتي وجواربي وأنتم" .
وكعتبة نصية يجدر الاستشراف منها في تحديد الأثر الأدبي، و قراءته، فهي تدفع القارئ إلى اقتحام النص برؤيا مسبقة، لأنّ القراءة الفاحصة للعنوان يُبنى عليها التوقع الذي يقوده إلى الكشف عن مفاتن النص، ودلالاته الجمالية، معتمدين في ذلك على فواكه اللغة كأساس لتفكيك اللفظ وتبيان مراميه بوصف العنوان كأقصى اقتصاد لغوي في النص الأدبي.
وكذلك بتقليب معناه على أوجهه اليقينية أو الملزمة- فالشك في لعبة اللغة لا وجود له كما هو معلوم- وفي ذلك لا نرجم بالغيب بقدر ما نهدف إلى تفكيك مبناه قبل معناه، ومن ثم نعيد بناءه على النحو الذي يولّده الفهم والتوقع واللسان العربي:
« فالعنوان عنصر بنيوي يعطي للنص هويته» وعلامة لغوية تواصلية ذات علاقة مؤثرة في النص على الرغم من أنه لم يكن عنوان إحدى القصص المكونة للمتن القصصي . كما أننا نلبي رغبة الإفصاح عن الذوق الذي تمليه السليقة، وعلى مساءلة اللفظ وقلبه كما يقول "سعيد بوطاجين" الناقد حول قصصه :
« أفرغت على سبيل التمثيل، عدة كلمات من دلالاتها القارة وإحالاتها عن طريق المساءلة والقلب. »
وكذلك على فلسفة اللغة باعتمادنا الملاحظة البسيطة التي تبناها الفيلسوف "جون أوستين " الذي انطلق من ملاحظة مهمة مفادها أن كثيرا من الجمل التي لا يمكن أن نحكم عليها بالصدق والكذب، لا تستعمل لوصف الواقع، بل لتغييره والانتفاضة عليه.
فالعنوان إذن هو :
" أحذيتي وجواربي وأنتم" ، والذي يؤمّ عشر قصص ذات ترتيب شعوري، قُصد منه إهمال الزمان كما هو واضح في تذييلاتها الموقعة بجمل كالخواتم، من مثل:
( الساعة الخارجة عن التقويم ، في تلك السنة، وهل هذا مهم ، بتاريخي أنا )
وهو عبارة عن جملة اسمية مكونة من اسمين وضمير منفصل وحرفي عطف ، ومن مقطعين، الأول يتكون من: "حذائي وجواربي" والاسمان من حقل دلالي واحد ،والثاني مُنشأ من الضمير المنفصل " أنتم" وألحق بذات الحقل بفعل مقام الخطاب، و بفعل الجمع الذي جمع ما لا يُجمع عادة، فالكلمات كلهن جمع.
وترتيب الكلمات هنا ترتيب أهمية ، غرضه التقديم في اللغة وليس ترتيب رفعة وسمو ؛ بمعنى أنّه ترتيب شعوري له صفته الوصفية، لا القدحية كما يظهر من خلال ظاهر المعنى ابتداءً، وإذا منحنا اللفظ معنًى آخر يجليه السياق أو محمولات اللفظ كما...... فإننا نخلص إلى ثلاثة تراكيب هي كالتالي:
الأوّل:
إذا اعتبرنا الواوين واوَا عطف كما هو ظاهر فالمعنى العام الذي يقترح نفسه بشدة هو: "أحذيتي وجواربي وأنتم سواء". يقول الجرجاني :
"من شروط العطف الاشتراك في الحكم والعلّة".
والثاني:
إذا أخذنا ما خفي من المعنى كقصد وتقدير يكون المعنى على النحو التالي: "أحذيتي مع جواربي وأنتم" ، مما يفيد أن الواو الأولى واوَ معيّة بحكم التلازم (تلازم الحذاء والجوارب) فالجوارب ملحقة بالأحذية عادةً وواقعا ، وحتى وإن لم نذكر الحذاء صراحةً كما في القول: " أحذيتي ولواحقها" ، أو "أحذيتي وما يلزمها"، فإننا نعني الجوارب حتما، كما أن الحذاء يغني عن الجوارب.
والثالث:
يقترحه وجود الضمير والسياق؛ فوجود الـْ:"أنتم" على مقام واحد مع الحذاء يجعل المعنى يفيض إلى التركيب التالي :" حذائي وجواربي كأنتم" ، وهذا احتمال يفرضه اتساع المعنى وفلسفة اللغة من جهة ، والتمرّد على السلطة الأحادية للكلمة ومحمولات اللفظ الممكنة وكذا القصد من جهة أخرى، وإذا تحدثنا عن القصد أو القصدية فلنضع في الحسبان أنَّ « مقاصدَ المتكلم مؤشراتٌ حاسمةٌ في عملية التأويل، و إلغاءَها إلغاءٌ لجزء معتبر من معمار المعنى النصي إن لم يكن إعداما مطلقا له». لأنّه عند النطق بـ"أنتم" نكون قد وضعنا مباشرةً أمامَه كائنا آخرَ، هو " أنا "، ويشكل الأوّل الإطار الخارجي المقابل للإطار الداخلي الممثل في ذات المتكلّم ؛ وإذا أظهرنا أداة التشبيه فإنّ وجه الشبه قائمٌ في الحكم والعلة من جهة ، وفي القيمة المتساوية من جهة أخرى.والضمير المنفصل المخاطب الدالّ على الجماعة والذي يوحي بالحضور أي بحضور الـ:"أنتم"، وأن حضور المخاطب (بكسر الطاء) يستوجب حضور المخاطب (بفتح الطاء) على الأغلب كما أن التقدير لدى الإعراب يفيد بوجود اسم الإشارة على اعتبار أن "أحذيتي " خبر لمبتدإ محذوف تقديره هذه ، ومعلوم ألاّ إشارة إلاّ نحو حاضر على الأغلب كذلك.
هذه معان مقترحة ليست بالضرورة أن يكون الكاتب قد استهدفها، لكن ورودها في ذهن القارئ تجعله يلج إلى النص بتصور مسبق، لأن العنوان- كعتبةٍ نصيّة- هو نصٌّ موازٍ داعمٌ ، فضلا عن كونه عنصرًا بنيويًّا يعطي للنص هويتَه، وليتخطى العتبة الأولى وفي ذهنه حزمة من الأسئلة تجعله يبعث النص فـَ" النص ميت يعيد القارئ بعثه من جديد" على رأي "رولان بارت " .
إن هذا التقدير اللغوي للمعنى وانطلاقا من أن النص عبارة عن أفعال كلامية منجزة من المؤلف نخلص إلى تبني المشاهد الثلاثة أو اللقطات الثلاث بتعبير أهل الفن السابع في تصورنا وكما يلي:
- المشهد الأوّل:
شخص ينتعل حذاءً وجواربَ ويخاطب جماعة مع الإشارة إلى الحذاء.
- المشهد الثاني:
شخص يقف حافيا و يحمل حذاءَه أو أحذيته ويلوح بها أمام جماعة.
- المشهد الثالث:
شخص يقف حافيا ولا يحمل حذاء أو ينتعله وربما يشير إلى جهة ما..هذا الاحتمال يقويه المثل: " فقدان الشيء يزيد من قيمته"، وفي كل المشاهد تظهر الإشارة استنادا إلى التقدير الإعرابي وعامل السخرية المبكي.
إن العنوان يتعدى المعاني اللغوية إلى الرمزية فـَ: «الحذاء رمز للمسير والسفر والترحال التي ترمز جميعها إلى الموت، وهذا يفسّر بعض التقاليد الغربية التي تقضي بعرض حذاء الميت بجانب سريره كونه في وضعية الغياب الأبدي. »
وإذا كان "الحذاء" لغة هو النعل كما جاء في معجم لسان العرب أو هو كل ما تتوطنه القدم .فإن له رمزيةً في الثقافة العربية تؤشّر على قلة القيمة من جهة كما في المثل الذي أورده "أبو حيان التوحيدي" في شأن مورد المثل المشهور "رَجَع بخُفيْ حُنيْن" ومن جهة أخرى يقدسونه لأهميته، ومن شدة تمسك العرب بالحذاء وقيمته لديهم، فهم يعتبرونه كقطعة من الجسم.
وعبر التاريخ من "حُنين" إلى "منتصر الزيدي" يعتبر الحذاء عضوا من الجسم للحبيب وأحط عضو برَميه يمكن إيقاع الإهانة الضرورية بمن استحقها بكل جدارة. كما حدث مع "جورج بوش". وعموما فرمزية الحذاء تختلف باختلاف الأمم والأفراد.
ويرى الدكتور "خريستو نجم" في كتابه ( رمزية الحذاء والقدم في الأدب والفن)أن الأبعاد النفسية للقدم والحذاء في علاقتهما المتعددة والمتنوعة، تختلف باختلاف الأنماط النفسية التي يتصف بها كل فرد .
وهنا تأتي مشروعيّة التساؤل حول "أحذيتي وجواربي وأنتم".. الذي هو بمثابة القشرة الخارجية التي تحفظ اللبّ، و إجلاؤها يجعلك تتذوقه.
يقول الله – تعالى- مخاطبا موسى -عليه السلام-:
{{ فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى}}
وفي ذلك دلالة على أن الحذاء يُنزع لدى وطء الأمكنة المقدسة لما يلحق به من الشوائب التي تعلق به لدى سير صاحبه ويسري ذلك على المساجد والقباب والكتاتيب والمزارات والأضرحة وأمكنة تعاليم المقدسات كتعاليم البوذية وعلى البيوت كما في شرق آسيا وحتى على أرجاء البيت الذي يخضع لصرامة امرأة جزائرية تعشق النظافة.
لنشير إلى صورة الغلاف لإظهار القدم كهيكل حذاء لدرجة أنك لا تستطيع التفريق بينها وبين الحذاء والتي تعطي انطباعا تعبيريا ملفتا يجسد بعض طبوغرافيا العنوان، ذلك أن القدم تتجاوز اليد في قدرتها على التعبير أحيانا.
والصورة ذات دلالة حقيقية ومجازية ،فالخلفية الخشبية الداكنة ذات دلالة وجدانية مرتبطة بالأماكن الهادئة وغير المضاءة تتماهى ومحتوى التماعات اللون نفسه. ولأنّ كلّ ما يخطر ببالنا من افكار واحاسيس وتساؤلات تصبح اوضح عندما تجَسّد كتابة او رسما، فانها عندما تترجم إلى صورة في وفي السواد فهي ترمز الى الاشباح خصوصا اذا كانت مشوهة كما في (الحذاء الرجل) الثابت على الارضية السوداء،وهذا يوحي بالخوف، او الرهبة، او التشاؤم، ولا ناتي بالجديد حين نقول الحزن.
وقد جاء التشكيل البصري للغلاف ككلٍّ موحيا بالنسيج القصصي لنصوص المبدع " سعيد بوطاجين " كما أنّه ذو حمولات رمزية ثقيلة معقدة التوليف ، لما تحمله من تيماتٍ مدمجة مع بعضها البعض ولاسيما رمزية "الحذاء" الذي تكرر بكل مفاهيمه في قصة الحذاء التي جمعت خيوط جميع القصص التي جاءت بالصيغة التركيبية التالية:
(أوجاع الفكرة)،(أحذية الورد والكرز)،(الجورب المبلل)،(مغارة الحمقى بتاريخ الروح المشرئبة)، (حبل لعبد الله في سيارتي)،(مدينة زكريا تامر بتاريخي إنا)، (إرث من الريح في تلك الساعة الخارجة عن التقويم)،(القطب والمسمار)،(المهنة متكئ)،(اغتيال الموتى في تلك السنة وهل هذا مهم).
أخيرا يمكنني الخلوص إلى أنَّ هذا الكاتب يجري عليه ما قال "إدوارد سعيد":
(لسنا بالمخربشين ولا بصغار الكتبة، بل نحن نضع سطورنا في التاريخ) .
بلقاسم الشايب
ـــــــــــــــ
"لهذه القراءة هوامش"
تعليقات
إرسال تعليق