ماهية المقدس في التجربة الإبداعية. / ابراهيم بن نبهان
ابراهيم بن نبهان باحث في الفنون التشكيلية تونس 22 جانفي 1987
ماهية المقدس في التجربة الإبداعية.
إن الأبعاد الدينية هي فطرية بطبعها عند كافة الفئات الإنسانية مهما كانت طبيعتهم الاجتماعية و هي جل العقائد التي تدفعنا إلى الحيرة و الشك و الاهتمام بهذا الموضوع المرتبط بتفاصيل الوجود و ماوراء الطبيعة "المتافزيقي" فالتفكير و التساؤل و الشك يلزم الإنسان، بان يمثل ذلك الجانب المقدس. و لعل ابرز المجالات التي اقترنت بالمقدس نجد الفن التشكيلي منذ عصر النهضة في اروبا، إلا انه شهد تعلقا جذريا لدى الفنانين العرب بمفاهيم الروحاني و المخفي و الصوفي و المقدس في حد ذاته بما يتخلله من معاني.
ولعل المقدس مشدودا إلى المعاني الدينية شدا وفي تجربة رشيد القريشي ، يهمنا النظر في الصوفية الموغلة في الصور و المعاني و الرموز المختلفة التي بنها في إطار العمل الإبداعي. لقد نظر القريشي إلى الخط بجميع عناصره فأبدع فيه تلك العضمة و أخرج ذلك الجمال الباطني و الخفايا التي جعلت منه أمام صورة الإله، مبدعا حركة الخط و جماله في إطار نفس تشكيلي بديع و ايقاع خطي فيه ضرب من التجريد الحروفي.
و يقف الفنان رشيد القريشي في حرم الخط المقدس يناجي روح الحرف و يصغى إلى الابتهالات الصوفية في باطنه من خلال اعماله التي أنجزها في معرض طريق الورد جاعلا من العناصر التشكيلية رسائل روحانية صوفية متجاوزا بالخط و الحرف الذي اصبح فوق الخيال و الشعر و الفن و فوق النهي و فوق الحدود، ليصبح جوهرا للوجود بحيث عظمه و منحه صفات القداسة الابدية، فعبر الكلمات والأرقام والضوء والظل الذي يمتلك دلالات رمزية في الأثر الفني يرنو الفنان الى احداث توازن تصاعدي من الاسفل الى الاعلى في مجال التشكيل العربي، فللغرف المتقابلة في المعرض أيضا رمزيتها، يقول القريشي "هي بمثابة المساحة بين الإنسان وذاته، فلكل منها أفكاره ومعتقداته، والصوفي يؤمن أن الحقيقة مثل المرآة التي سقطت من السماء فتكسرت إلى قطع صغيرة تناثرت في كل مكان، وتوزعت بين الناس جميعا، فيكون لدى كل منا جزء من الحقيقية، وليس هناك من يستطيع امتلاكها كاملة. وللأرقام أيضا دلالاتها، فالرقم سبعة البارز في قوائم الدراويش" فالعمل التشكيلي لدي القريشى اصبح بمثابة طقوس سحرية يقوم بها في تجربته التي تحيط بها الخوارق و تلف جوهرها هالة قدسية نورانية جعلتها تخترق الأجواء لتصل إلى مشارف السماء
ابراهيم بن نبهان
تعليقات
إرسال تعليق