بيني وبين الدكتور ليامين بن تومي / الحبيب السائح
بيني وبين الدكتور ليامين بن تومي
جريدة صوت الأحرار: 7 نوفمبر 2013
الحبيب السائح
نشر الصديق الكاتب الدكتور ليامين بن تومي، أستاذ تحليل الخطاب والآداب العالمية بجامعة فرحات عباس سطيف، على حائطه في الفايسبوك، نصا قصيرا، أقتبسه لكم:
"لم أعرف الاستعمار ماذا يعني بالضبط كتجربة وجودية إلا من خلال حكايات أهلي، وما تعرضوا له من اضطهاد كبير ... لكنني حين أقرأ كل ما تركه الاستعمار في لغته أكاد أقول ..للاستعمار كذلك وجه جميل لأنه داخل هذا الظلم نبت كل هذا العشق ... مفارقة!"
كما يلاحظ، فهو نص يحمل صيغة سؤال موجه إلى المهتمين حول تأثير المكتوب على تشكيل ذاكرة أجيال ما بعد الاستقلال وصياغة مخيالها.
لذلك، وجدتني منجذبا إلى التعليق؛ فكان هذا الحوار بيني وبيني صديقي الدكتور ليامين:
ـ صديقي ليامين، "الوجه الآخر الجميل" للاستعمار، صنعه المعادون للاستعمار من الفرنسيين الأحرار أنفسهم ومن داخل المنظومة الاستعمارية، وليس حثالات الأقدام السوداء وغلاة اليمين وبقايا النازيين.
ـ صحيح وهذا ما أردت قوله ووقفت عنده، أستاذي.
ـ عزيزي ليامين. عندما أتذكر، وأنا طفل، أتذكر مدينتي، الآن، التي كانت مداخلها ممنوعة على "ليزانديجان" يعني الجزائريين. وكان بعض تلك المداخل موصدا بالأسلاك الشائكة. هناك تاريخ آخر للاحتلال الفرنسي ستكتشف وقائعه بوجه الجريمة ضد الإنسانية.
ـ أفهم كل تلك المعاناة العميقة والمجهدة. وهذا ما جعلنا نكره هذه الهمجية. لكنني أتحدث عن أولئك الذين تركوا نصوصا رائعة وجميلة وكتبوا عن الجزائر من منظور المواطن الذي شعر أنه ككل الجزائريين دون أن تكون له رؤية استعمارية، تلك الشجاعة هي ما نمدحها فيهم فقط.
ـ لا أعرف من أولئك واحدا، إن كنت تتحدث عن الروائيين، لأنهم كانوا مواطنين "جزائريين" بصفتهم الفرنسية. ولم يكن بقية "الأهالي" مواطنين بصفتهم الجزائرية. صفة الجزائري خلال الاحتلال وإلى عشية الاستقلال كانت تطلق على الأقدام السوداء. ولكني أعرف كاتب ياسين ومحمد ديب وجمال عمراني ومولود معمري... لا، يا صديقي، لا أعرف كاتبا من أولئك الذين تقصدهم أدان صراحة، في كتاباته أو إعلاناته، جرائم نظام بلده الاستعماري. وما معنى أن تكون هناك نصوص جميلة تشتغل بميز عنصري حين تواجه حقيقة المجتمع الذي تنبت في تربته؟ لا، يا صديقي، الجمال هو إعلاء كلمة الحقيقة؛ مهما تكن مرارتها.
ـ قرأت منذ مدة كتابا عنوانه Algerie terre aimée لكاتبة اسمها Denise Morel-Ferla لا أعرف عمق الفكرة الاستعمارية لكني وجدت نوستالجيا غريبة أعجبتني تلك التي عبرت عنها يكل بساطة.
ـ ولا يزالون يحنون إلى "فردوسهم المفقود" الذي أقاموه بدم آبائنا وأجدادنا. وليسوا وحدهم الذين يحنون؛ فإن هناك من "الكتاب الجزائريين" من يعلن صراحة حنينه إلى الحقبة الاستعمارية، وهو يدري أنه، لولا تضحيات آبائنا وأمهاتنا لتحقيق الحرية واستعادة الأرض، لكان هو اليوم مجرد ماسح أحذية في رصيف أو هو يرعى الخنازير في زرائب أسياده الكولون.
ملاحظة: الكاتبة دونيز موريل ـ فيرلا، من مواليد مدينة سطيف التي غادرتها في 1961.
ـ صحيح أستاذي، إعلاء الكلمة الصادقة. أما الحقيقة التاريخية فقد لخصتها إرادة الشعوب في التحرر. لكن داخل العمق الاستعماري هناك مساحات واسعة للإنسانية المهدورة التي يجب أن نقف عندها وأن نتريث كثيرا في الحكم عليها، هل هي معنا أم ضدنا؛ تلك الثنائية التي تقتل الراهن وتصادر المستقبل و تجعلنا كل مرة نحمل أيديولوجيا الكفاح بدل أيديولوجيا الانفتاح مهما تكن المرارة. أتذكر مرة أن وزيرا يابانيا قال لنظيره الأمريكي: "لن ننسي مجزرة هيروشيما و لن نقول لكم اعتذروا لنا. لكن نقول لكم افتحوا أسواقكم للعقل الياباني." هل نحتاج إلى مثل هذا أم إلى شيء آخر أستاذ؟
ـ ولكن، صديقي ليامين، كان يجب، بعد ميلادك، أن يقال لك في المدرسة أو في وسائل الاتصال، أو عبر "التاريخ" إن الرئيس بومدين رد على الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان، خلال زيارته للجزائر، في حفل عشاء؛ وكان ذلك منقولا على الشاشة: "لا يمكن أن نمزق صفحة التاريخ. يجب فقط أن نطويها." أما ما تعلق بالجدال حول المسألة المطروحة فإن باعثه هو "واجب الذاكرة"، كما يطرح في النقاشات المختلفة. إن الفرنسيين أنفسهم، حين يتعلق الأمر بالاحتلال النازي لبلدهم، لا يساومون على شيء من ذلك التاريخ. وهم، إلى الآن يدينون، عبر كل الوسائل، خيانة الفرنسيين المتواطئين مع النازية في حق وطنهم. إنهم لا يخجلون من تسمية الأشياء بأسمائها؛ خاصة ما تعلق بـ Les collabos. صديقي ليامين، هناك عمل منتظم تم إنجازه من هذا الطرف أو ذاك لتضليل الجزائريين، كما الفرنسيين ـ الآن ـ عن مجابهة المشكلة التي تطرحها الذاكرة ـ ذاكرة الاحتلال وحرب التحرير. تحياتي.
ـ ونحن كجيل نحب أوطاننا بعمق وصدق لكننا نحتاج أن نفتح كل الذرائع لنعرف الطريق إلى الحب الخالص. فالحب لا يجب أن تشكله الخطب الرنانة ولا المصادرات التحتية التي تحملها أشداق السياسيين. الحب قيمة تعرف على الحقيقة.
ـ تماما، صديقي ليامين. هو ذاك ما أتمناه، مثلك، مثل من تنبض قلوبهم على وقع نبض أرضهم الجزائر.
ـ أحيي فيك تواضعك الجم ولباقتك الرائعة.
ـ فخر لي أن يكون، أكاديمي قدير وكاتب متميز، مثلك صديقا لي.
نشر الصديق الكاتب الدكتور ليامين بن تومي، أستاذ تحليل الخطاب والآداب العالمية بجامعة فرحات عباس سطيف، على حائطه في الفايسبوك، نصا قصيرا، أقتبسه لكم:
"لم أعرف الاستعمار ماذا يعني بالضبط كتجربة وجودية إلا من خلال حكايات أهلي، وما تعرضوا له من اضطهاد كبير ... لكنني حين أقرأ كل ما تركه الاستعمار في لغته أكاد أقول ..للاستعمار كذلك وجه جميل لأنه داخل هذا الظلم نبت كل هذا العشق ... مفارقة!"
كما يلاحظ، فهو نص يحمل صيغة سؤال موجه إلى المهتمين حول تأثير المكتوب على تشكيل ذاكرة أجيال ما بعد الاستقلال وصياغة مخيالها.
لذلك، وجدتني منجذبا إلى التعليق؛ فكان هذا الحوار بيني وبيني صديقي الدكتور ليامين:
ـ صديقي ليامين، "الوجه الآخر الجميل" للاستعمار، صنعه المعادون للاستعمار من الفرنسيين الأحرار أنفسهم ومن داخل المنظومة الاستعمارية، وليس حثالات الأقدام السوداء وغلاة اليمين وبقايا النازيين.
ـ صحيح وهذا ما أردت قوله ووقفت عنده، أستاذي.
ـ عزيزي ليامين. عندما أتذكر، وأنا طفل، أتذكر مدينتي، الآن، التي كانت مداخلها ممنوعة على "ليزانديجان" يعني الجزائريين. وكان بعض تلك المداخل موصدا بالأسلاك الشائكة. هناك تاريخ آخر للاحتلال الفرنسي ستكتشف وقائعه بوجه الجريمة ضد الإنسانية.
ـ أفهم كل تلك المعاناة العميقة والمجهدة. وهذا ما جعلنا نكره هذه الهمجية. لكنني أتحدث عن أولئك الذين تركوا نصوصا رائعة وجميلة وكتبوا عن الجزائر من منظور المواطن الذي شعر أنه ككل الجزائريين دون أن تكون له رؤية استعمارية، تلك الشجاعة هي ما نمدحها فيهم فقط.
ـ لا أعرف من أولئك واحدا، إن كنت تتحدث عن الروائيين، لأنهم كانوا مواطنين "جزائريين" بصفتهم الفرنسية. ولم يكن بقية "الأهالي" مواطنين بصفتهم الجزائرية. صفة الجزائري خلال الاحتلال وإلى عشية الاستقلال كانت تطلق على الأقدام السوداء. ولكني أعرف كاتب ياسين ومحمد ديب وجمال عمراني ومولود معمري... لا، يا صديقي، لا أعرف كاتبا من أولئك الذين تقصدهم أدان صراحة، في كتاباته أو إعلاناته، جرائم نظام بلده الاستعماري. وما معنى أن تكون هناك نصوص جميلة تشتغل بميز عنصري حين تواجه حقيقة المجتمع الذي تنبت في تربته؟ لا، يا صديقي، الجمال هو إعلاء كلمة الحقيقة؛ مهما تكن مرارتها.
ـ قرأت منذ مدة كتابا عنوانه Algerie terre aimée لكاتبة اسمها Denise Morel-Ferla لا أعرف عمق الفكرة الاستعمارية لكني وجدت نوستالجيا غريبة أعجبتني تلك التي عبرت عنها يكل بساطة.
ـ ولا يزالون يحنون إلى "فردوسهم المفقود" الذي أقاموه بدم آبائنا وأجدادنا. وليسوا وحدهم الذين يحنون؛ فإن هناك من "الكتاب الجزائريين" من يعلن صراحة حنينه إلى الحقبة الاستعمارية، وهو يدري أنه، لولا تضحيات آبائنا وأمهاتنا لتحقيق الحرية واستعادة الأرض، لكان هو اليوم مجرد ماسح أحذية في رصيف أو هو يرعى الخنازير في زرائب أسياده الكولون.
ملاحظة: الكاتبة دونيز موريل ـ فيرلا، من مواليد مدينة سطيف التي غادرتها في 1961.
ـ صحيح أستاذي، إعلاء الكلمة الصادقة. أما الحقيقة التاريخية فقد لخصتها إرادة الشعوب في التحرر. لكن داخل العمق الاستعماري هناك مساحات واسعة للإنسانية المهدورة التي يجب أن نقف عندها وأن نتريث كثيرا في الحكم عليها، هل هي معنا أم ضدنا؛ تلك الثنائية التي تقتل الراهن وتصادر المستقبل و تجعلنا كل مرة نحمل أيديولوجيا الكفاح بدل أيديولوجيا الانفتاح مهما تكن المرارة. أتذكر مرة أن وزيرا يابانيا قال لنظيره الأمريكي: "لن ننسي مجزرة هيروشيما و لن نقول لكم اعتذروا لنا. لكن نقول لكم افتحوا أسواقكم للعقل الياباني." هل نحتاج إلى مثل هذا أم إلى شيء آخر أستاذ؟
ـ ولكن، صديقي ليامين، كان يجب، بعد ميلادك، أن يقال لك في المدرسة أو في وسائل الاتصال، أو عبر "التاريخ" إن الرئيس بومدين رد على الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان، خلال زيارته للجزائر، في حفل عشاء؛ وكان ذلك منقولا على الشاشة: "لا يمكن أن نمزق صفحة التاريخ. يجب فقط أن نطويها." أما ما تعلق بالجدال حول المسألة المطروحة فإن باعثه هو "واجب الذاكرة"، كما يطرح في النقاشات المختلفة. إن الفرنسيين أنفسهم، حين يتعلق الأمر بالاحتلال النازي لبلدهم، لا يساومون على شيء من ذلك التاريخ. وهم، إلى الآن يدينون، عبر كل الوسائل، خيانة الفرنسيين المتواطئين مع النازية في حق وطنهم. إنهم لا يخجلون من تسمية الأشياء بأسمائها؛ خاصة ما تعلق بـ Les collabos. صديقي ليامين، هناك عمل منتظم تم إنجازه من هذا الطرف أو ذاك لتضليل الجزائريين، كما الفرنسيين ـ الآن ـ عن مجابهة المشكلة التي تطرحها الذاكرة ـ ذاكرة الاحتلال وحرب التحرير. تحياتي.
ـ ونحن كجيل نحب أوطاننا بعمق وصدق لكننا نحتاج أن نفتح كل الذرائع لنعرف الطريق إلى الحب الخالص. فالحب لا يجب أن تشكله الخطب الرنانة ولا المصادرات التحتية التي تحملها أشداق السياسيين. الحب قيمة تعرف على الحقيقة.
ـ تماما، صديقي ليامين. هو ذاك ما أتمناه، مثلك، مثل من تنبض قلوبهم على وقع نبض أرضهم الجزائر.
ـ أحيي فيك تواضعك الجم ولباقتك الرائعة.
ـ فخر لي أن يكون، أكاديمي قدير وكاتب متميز، مثلك صديقا لي.
تعليقات
إرسال تعليق