ثلج أبيض قـلب حـار .. مقال الأديب والشاعر الكبير / إبراهيم نصر الله ..



Photo : ‎اقرأ في روز ...

مقال الأديب والشاعر الكبير / إبراهيم نصر الله ..

ثلج أبيض قـلب حـار ..

وترى: أناسا يملأون الصالة.. خشبة مسرح تشبهك.. صورة لشاب فلسطيني ملثّم بين يديه زهرة طالعة من جوف قنبلة غازية.
وترى علماً فلسطينيا يُغطي المنصّة، وتغطي جانباً منه الكوفية الفلسطينية كما لو أنها مُسدلة على كتف..
وترى شجرة زيتون صغيرة في حوض بلاستيكي ضخم.. شجرة زيتون مثمرة مثقلة بثمارها البنفسجية الداكنة..
وترى خارطة فلسطين التاريخيّة مطرزة بيد فلسطينية خبيرة حانية، خارطة موضوعة في إطار بسيط تزيّن الجانب الأيمن لخشبة المسرح..
وترى تلك المشاريع الفائزة التي نفّذها الطلبة: كلمة النكبة مكتوبة بخط كبير ملون متقن، ورقم 65 سنة، عمرها، يظلله مفتاح بيت قديم، هذه الصفحة التي أعدّت كغلاف لبقية الرسومات التي تحوّلت الى دفتر رسم عظيم.. 
أكثر ما سيشدّك العبقرية الصافية في تلك اللوحة الرائعة بذكائها وتنفيذها، اللوحة التي سيغار منها كل فنان كاريكاتير عربي إذا ما رآها: الجنود الإسرائيليون المسلحون بكل أنواع البنادق يهاجمون الأطفال الفلسطينيين، والأطفال الفلسطينيون يندفعون لردّ الهجوم ولا شيء في أيديهم سوى مفاتيح بيوت أجدادهم وآبائهم.
أي طفل عبقري ذلك الي استطاع أن يلخِّص القضية كلها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها؛ تبحث عن الاسم فتجد أنه من طلبة الصف الخامس الابتدائي (ج)!
وحين يبدأ اللقاء، الذي سيستمر على مدي يوم كامل، ستكتشف أن هناك الشاعر والناقد والمترجم والصحفي والممثل والمخرجة ومدير المتحف، والطلاب والطالبات الذين يتحدثون عن العنصرية الصهيونية والجدار الفاصل والحواجز العسكرية التي تمارس شهوتها في إذلال البشر لأي سبب ودونما سبب. ويعرضون صورة جماعية لهم وهم يدفعون بكل قوتهم،الجدار، لكي ينهار!
وستطلب فتاة صغيرة الحديث وتسأل الصحفي المخضرم خبير الصراعات: لماذا يُدرِّسون الهولوكوست للطلاب ولا يُدرِّسون النكبة الفلسطينية وما حدث ويحدث للفلسطينيين؟!
يبدو المشهد كلّه جزءاً من احتفال شعبي في مخيم الوحدات أو البقعة أو عين الحلوة بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ولكنه في مكان آخر يبعد عن هذه المخيمات آلاف الكيلو مترات في الشمال الإيطالي!
سيعلن المتضامنون عن برنامجهم لزيارة فلسطين والمساهمة في موسم قطف الزيتون للعام 2014، هم الذين لم يستريحوا بعد، من قطاف موسم زيتون 2013.
وطوال الوقت سترى الأب ناندينو كابوفيلا رئيس جمعية التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي ينظم أربع رحلات الى فلسطين سنويا.. الأب الشاب المبتسم على الدوام الذي يرتدين ملابس مدينيّة بسيطة كالبقية، ويدير لقاء متنوّعا على مدى يوم كامل، وهو يعدّ العروض المصورة على الشاشة وينظف الطاولات في الاستراحة.. هو المنظِّم لمهرجان هذا العام والذي اختار عنوانه: (فنانون من أجل المقاومة)! رجل الدين الحقيقي الذي يرى أن أفضل الوعظِ هو العمل والدفاع عن عدالة القضايا وكرامة البشر!
على مسرح (سِتيماتّيه) سترى وتسمع ذلك كله.. فى مدينة (فيرونا) التي شهدت قبل قرون أحداث مأساة (روميو وجولييت) التي خلّدها شكسبير في عمله الرائع.. سترى الحب يهزم الكراهية والعنصرية، هناك حيث الثلج يُغطي الجبال والصقيع يغطي الأعشاب والأرصفة.. 
وحيث القلوب الحارّة.‎


مقال الأديب والشاعر الكبير / إبراهيم نصر الله ..

ثلج أبيض قـلب حـار ..

وترى: أناسا يملأون الصالة.. خشبة مسرح تشبهك.. صورة لشاب فلسطيني ملثّم بين يديه زهرة طالعة من جوف قنبلة غازية.
وترى علماً فلسطينيا يُغطي المنصّة، وتغطي جانباً منه الكوفية الفلسطينية كما لو أنها مُسدلة على كتف..
وترى شجرة زيتون صغيرة في حوض بلاستيكي ضخم.. شجرة زيتون مثمرة مثقلة بثمارها البنفسجية الداكنة..
وترى خارطة فلسطين التاريخيّة مطرزة بيد فلسطينية خبيرة حانية، خارطة موضوعة في إطار بسيط تزيّن الجانب الأيمن لخشبة المسرح..
وترى تلك المشاريع الفائزة التي نفّذها الطلبة: كلمة النكبة مكتوبة بخط كبير ملون متقن، ورقم 65 سنة، عمرها، يظلله مفتاح بيت قديم، هذه الصفحة التي أعدّت كغلاف لبقية الرسومات التي تحوّلت الى دفتر رسم عظيم.. 
أكثر ما سيشدّك العبقرية الصافية في تلك اللوحة الرائعة بذكائها وتنفيذها، اللوحة التي سيغار منها كل فنان كاريكاتير عربي إذا ما رآها: الجنود الإسرائيليون المسلحون بكل أنواع البنادق يهاجمون الأطفال الفلسطينيين، والأطفال الفلسطينيون يندفعون لردّ الهجوم ولا شيء في أيديهم سوى مفاتيح بيوت أجدادهم وآبائهم.
أي طفل عبقري ذلك الي استطاع أن يلخِّص القضية كلها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها؛ تبحث عن الاسم فتجد أنه من طلبة الصف الخامس الابتدائي (ج)!
وحين يبدأ اللقاء، الذي سيستمر على مدي يوم كامل، ستكتشف أن هناك الشاعر والناقد والمترجم والصحفي والممثل والمخرجة ومدير المتحف، والطلاب والطالبات الذين يتحدثون عن العنصرية الصهيونية والجدار الفاصل والحواجز العسكرية التي تمارس شهوتها في إذلال البشر لأي سبب ودونما سبب. ويعرضون صورة جماعية لهم وهم يدفعون بكل قوتهم،الجدار، لكي ينهار!
وستطلب فتاة صغيرة الحديث وتسأل الصحفي المخضرم خبير الصراعات: لماذا يُدرِّسون الهولوكوست للطلاب ولا يُدرِّسون النكبة الفلسطينية وما حدث ويحدث للفلسطينيين؟!
يبدو المشهد كلّه جزءاً من احتفال شعبي في مخيم الوحدات أو البقعة أو عين الحلوة بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ولكنه في مكان آخر يبعد عن هذه المخيمات آلاف الكيلو مترات في الشمال الإيطالي!
سيعلن المتضامنون عن برنامجهم لزيارة فلسطين والمساهمة في موسم قطف الزيتون للعام 2014، هم الذين لم يستريحوا بعد، من قطاف موسم زيتون 2013.
وطوال الوقت سترى الأب ناندينو كابوفيلا رئيس جمعية التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي ينظم أربع رحلات الى فلسطين سنويا.. الأب الشاب المبتسم على الدوام الذي يرتدين ملابس مدينيّة بسيطة كالبقية، ويدير لقاء متنوّعا على مدى يوم كامل، وهو يعدّ العروض المصورة على الشاشة وينظف الطاولات في الاستراحة.. هو المنظِّم لمهرجان هذا العام والذي اختار عنوانه: (فنانون من أجل المقاومة)! رجل الدين الحقيقي الذي يرى أن أفضل الوعظِ هو العمل والدفاع عن عدالة القضايا وكرامة البشر!
على مسرح (سِتيماتّيه) سترى وتسمع ذلك كله.. فى مدينة (فيرونا) التي شهدت قبل قرون أحداث مأساة (روميو وجولييت) التي خلّدها شكسبير في عمله الرائع.. سترى الحب يهزم الكراهية والعنصرية، هناك حيث الثلج يُغطي الجبال والصقيع يغطي الأعشاب والأرصفة.. 
وحيث القلوب الحارّة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح