:دراسة المقامات الموسيقية العربية، مقام الراست / بقلم: محمد بن عبد الرحمان بن صالح


محمد بن عبد الرحمان بن صالح

:دراسة المقامات الموسيقية العربية

مقام الراست
سلمه وطريقة العمل به
.ضمن قالب التقاسيم كنموذج

مقام الراست هو المقام الأساسي في التراتبيّة المقاميّة في النظام الموسيقي العربيّ. ومنه تشتق وتتفرع المقامات ذات أرباع النغمات على اختلافها وتنوعها. وراست هي كلمةٌ فارسيّة تعني: مستقيم.
سُلّم مقام الراست:

يتكون سلم الراست من جنسين:
جنس الأصل (الجذع): يتمثل في راست على درجة الراست (أي دو) نغماته بالترتيب صعودا هي: دو (راست)– ري (دوكاه) – مي نصف بيمول (سيكاه) – فا(جهاركاه
جنس الفرع: يتمثل في راست على درجة النوا (أي صول) نغماته بالترتيب صعودا هي: صول (نوا) – لا (حسيني) – سي نصف بيمول (أوج)- دو (كردان).
وفي حال النزول يستبدل جنس الراست على درجة النوا بجنس النهاوند على درجة النوا ونغماته على الترتيب نزولا هي: دو (كردان) – سي بيمول (عجم)- لا (حسيني)- صول (نوا).
وعلى ضوء ما درسناه سابقا فإن سلم مقام الراست يتكون بالجمع المنفصل أي أن جنس الأصل وجنس الفرع يفصل بينهما فاصل طنيني يتمثل في البعد: فا – صول.
إيضاحات منهجية لطريقة العمل بمقام الراست:
==========================
إن العمل بأي مقام موسيقي مبدئيا يتوقف على فكر الفنان وخياله وقدراته التعبيرية وذوقه وحسه الجمالي في مسار حر لا تحده قيود ملزمة.
إلا أن المنهجية العلمية لفهم واستيعاب الأسلوب الذي يتسلسل وفقه تكوين الجمل الموسيقية وبناء الأفكار وتبليغ المعاني إلى المستمع على ضوء ما لدينا من موروث موسيقي تفرض استخلاص معالم توجه الدارس للمقام في خطواته الأولى ليتمكن فيما بعد من بناء فلسفته وطريقته الخاصة في الأداء والعمل بالمقام بلمساته الخاصة. 
ومن هذا المنطلق رأينا أن نوضح سير العمل بمقام الراست ضمن قالب التقاسيم كنموذج وفق المراحل التالية:
1- مرحلة الاستهلال: 
وهي الحركة الابتدائية لإبراز جنس الأصل أي الراست على درجة الراست (دو) وتأكيد درجة الاستقرار في أذن المستمع . وللعازف حرية الدخول من أي درجة يشاء. ومن أمثلة الاستهلال: الدخول من نغمة اليكاه (قرار صول) أي بتكوين جنس راست على قرار صول وصولا إلى نغمة دو التي هي مبتدأ مقام الراست. كما يمكن أن يكون الاستهلال من درجة العراق (سي نصف بيمول) أو من درجة السيكاه (مي نصف بيمول) أي الدرجة الثالثة للمقام صعودا ثم العودة إلى الراست أو من الجهاركاه .. الخ..
وخلال الاستهلال يتم تركيز النغمات في مسار إبراز جنس الأصل بأساليب متنوعة منها تلوين النغمات أي لمس نغمات مجاورة لتلك المكونة لجنس المقام مثل لمس نغمة الكرد (مي بيمول) المجاورة لنغمة السيكاه بجنس الأصل لإعطاء تلوين نغمي يثري العمل بالمقام ونحو ذلك بقدر ما تجود به قدرة العازف أوالمؤدي. 
ويمكن أيضا خلال الاستهلال بناء استقرارات مؤقتة على مختلف درجات جنس الأصل كأن يستقر العازف على درجة الدوكاه مبرزا جنس البياتي أو السيكاه مبرزا جنس السيكاه لكن بصفة موجزة ليتم في النهاية إبراز الاستقرار على درجة الراست وإيضاح معالم جنس الأصل للمقام.
2- مرحلة إبراز الأجناس الفرعية: 
يتم الدخول إلى الأجناس الفرعية لمقام الراست كلا سيكيا من خلال درجة النوا التي تسمى غماز المقام. 
وعلى سبيل التوضيح لأسلوب العمل فإن التمهيد لدخول درجة النوا وبناء أجناس فرعية يمكن أن يتم من خلال تكوين سلم يبتدئ من درجة الراست حيث يتم ربط العلاقة بين النغمة الأولى وخامستها مما يمنح في المعتاد جوا مريحا للأذن كما يمكن الدخول ببساطة من درجة الجهاركاه إلى النوا ضمن السياق نفسه والمتابعة بتأليف أجناس فرعية.
بعد ذلك يشرع العازف بحرية وحسب خاطره الموسيقي بتأليف أجناس فرعية مثل الراست على النوا جنس الفرع للمقام أو حجاز النوا وهو ما يشكل مقام السوزناك. ويتألف جنس الحجاز من درجات: صول- لا بيمول- سي بيكار- دو ولتسهيل الانتقال إلى جنس الحجاز على النوا يقترح لمس نغمة الحصار (لا بيمول) كتهيئة وتمهيد. وللعازف خيارات أخرى مثل إنشاء جنس البياتي على النوا ودرجاته: صول- لا نصف بيمول- سي بيمول-دو فيتكون بذلك مقام النيروز وهذه أمثلة فقط ليس الغرض منها الحصر بل التوضيح فقط والغرض هو تبيان أن أجناس الفرع تتفاعل مع جنس الأصل لتعطي نسيجا نغميا جميلا ، ثريا ومتنوعا يشيع الاستحسان ويطرب المستمع.
وبمثل تغيير أجناس الفرع والانتقال بينها كما أشرنا يمكن التغيير أيضا في جنس الأصل الذي يمثل شخصية المقام، وذلك بشكل عرضي كأن يتم تغيير الراست على الدو إلى جنس نكريز أو نهاوند ثم العودة بعد ذلك إلى إبراز جنس الراست على الدو. وهذه طريقة في التنويع والتلوين المقامي متبعة عادة في التقاسيم.
3- مرحلة الانتقال إلى الديوان الثاني (جواب المقام): 
يرتكز العمل في هذه المرحلة على درجة الكردان (أي الدو الثانية التي هي جواب نغمة الراست) ويتم التهميد إليها بحسب ذوق وإمكانات العازف إما بتكوين سلم نغمي كسلم جنس راست النوا مثلا أو سلم يبتدئ من درجة الراست أو غير ذلك ضمن أشكال كثيرة مع مراعاة أن تكون مدة الاستهلال قصيرة نسبيا. ومع هذا الانتقال إلى الكردان تتصاعد قوة النغمة وحدتها. وعبر استعراض الأجناس المختلفة يسعى العازف إلى ترسيخ نغمة راست الكردان كمعلم أو محور أساسي يوحد ملامح الألوان النغمية التي يتم المرور إليها و هنا تجدر الإشارة إلى أن المجال مفتوح أمام العازف لإضافة ما يمكنه من عرب وزخارف ولمسات نغمية قد لا تكون بالضرورة انتقالات بين أجناس مقامية هذه الزخارف تضفي على العمل بالمقام ضمن أسلوب التقاسيم جمالية وحلاوة خاصة.
ويوصف مقام الراست بأنه مقام مرن مجالاته التعبيرية واسعة ويمنح للموسيقي إمكانيات لا حصر لها في الانتقال بين الأجناس المختلفة.
4- مرحلة الرجوع والاستقرار على جنس الأصل: 
بعد مرحلة التصاعد ضمن الديوان الثاني واستعراض مختلف الأجناس الممكنة يبدأ العازف ضمن هذه المرحلة في التمهيد إلى العودة نحو جنس الأصل وهو الراست على الراست (دو) بتخفيف حدة نبرة العزف وقوة الصوت ونبض الإيقاع تعبيرا عن تراجع بالإحساس الانفعالي أو الطربي القوي باتجاه الهدوء تدريجيا ليبلغ منتهاه عند درجة الاستقرار.
إلا أنه في حالات أخرى يلاحظ أن الرجوع نحو الاستقرار يتم بشكل قوي وخاطف يحقق به العازف استقرارا مختلفا عما سبقت الإشارة إليه ويكون غالبا بحسب معطيات ومقتضيات مختلفة مثل طبيعة الحفل والجمهور (إطار التقديم) أو وجود العزف ضمن تقاسيم تمهيدية للشروع في أداء عمل موسيقي أو غنائي أو حتى فكر العازف وذوقه وشخصيته.
وفي النهاية هذا العرض التوضيحي الموجز لا يسعني إلا أن أؤكد على الطابع التعليمي والغرض التوجيهي للعرض وأن ما أهدف إليه هو إعطاء نموذج لكل موسيقي أو عازف مبتدئ يسهل عليه الولوج في أساليب العمل بالمقام ضمن نموذج التقاسيم المقترح كمسار للعزف والأداء. وأرجو أن أكون قد وفقت إلى إيصال الفكرة ولو بجزء يسير . تمنياتي بالتوفيق للجميع.
وفي هذا الرابط نموذج صوتي توضيحي يتمثل في تقاسيم للأستاذ رياض السنباطي على مقام الراست:
https://www.youtube.com/watch?v=k3CCz6LWzNc
بقلم: محمد بن عبد الرحمان بن صالح

تعليقات

  1. برافو - أستاذ محمد
    طريقة شرح المقامات شيقة جدا
    ودسمة و بها أسلوب يطور من أي عازف إن كان مبتدأ أو عازف تنقصة بعض أساسيات مفاهيم المقامات ؛؛؛
    وفقك الله وذادك علما

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح