بين أثينا وفرنسا، جزائرية فلسفة لوكيوس أبوليوس ومحمد أركون


 كتب بوكرش محمد

بعد اطلاعي على شيء قليل من الفكر والفلسفة الجزائرية الرومانية في جزء من يوميات الفيلسوف لوكيوس ابوليوس في روايته الحمار الذهبي وهي أول رواية في تاريخ الإنسانية 125 / 200 م، شاءت الصدف أن أضع الرواية فوق الكتيب الذي لفت انتباهي بعنوانه المغري، قراءات في مشروع محمد أركون*، وأنا مازلت تحت تأثير ما جاء به المادوري الفيلسوف لوكيوس أبوليوس، أي مازلت بالتعديل على إيقاع تجليات فلسفية، الفلسفة التي أدت بالفيلسوف المادوري* لأحسن مخرج رآه من أحوال وممارسات.. عايش وعاش معظمها دون رادع  وحرمان..عاش كل ما يتمناه ويتخيله كل واحد منا دون رقابة...  انتهت بارتماء صاحبها عن وعي ودراية معرفية لأقول عن قناعة ويقين منه، غير مكره، بين أيادي أكبر الآلهة مقابل نجاته بالعناية التي خصه بها وأنقذه من شر نفسه...
تم هذا كله في رحاب ما كان... أو ما كان ينعم  به الناس من...و يهودية أو مسيحية حديثة العهد بهم، وهم في القرن الثاني بعد مجيء المسيح عليه السلام...
ماذا عنا اليوم؟ وما تقر به الفلاسفة (الإنسانية) بإضافة مجيء الرسالة المحمدية؟، من سنة 579 م لترافق الثنائي السابق وما تبعهم من معتقدات أخرى كالبوذية و... ، مقارنة بقناعة  ومقدس (كبير الآلهة) عند لوكيوس أبوليوس  الجامع لجميل فلاسفة عصره ومن سبقه*، يقول عن ذلك في كتابه الأزاهير بأسلوبه المنمق حسب المترجم:( هناك كلمة شهيرة لأحد الحكماء تتعلق بالمآدب يقول فيها: القدح الأول للعطش، والثاني للمسرة، والثالث للذة الجسدية، والرابع للهذيان.
ولكن قدح عرائس الشعر يحدث أثرا معاكسا، فكلما كان مفعما، كان اقدر على مد الروح بالصحة والعافية. لقد تعاطيت القدح الأول من عناصر الأدب، فرفعني عن الغرارة، وتعاطيت الثاني من معلم اللغة، فزودني بالمعرفة، وتعاطيت الثالث من معلم الخطابة، فدرعني بالبلاغة، وعند هذا الحد يتوقف ما يتعاطاه الناس. لكني أنا أفرغت في أثينا أقداحا أخرى: قدح الشعر الممزوج، وقدح الهندسة الصافي، وقدح الموسيقى العذب، وقدح المنطق الحامض إلى حد ما، وتعاطيت قبل كل شيء قدح رحيق الفلسفة العامة، الذي لا ينضب معينه. ثم يضيف مفتخرا بنفسه ( يقول المترحم الجزائري لرواية الحمار الذهبي المرحوم أبوالعيد دودو من ألمانية للعربية: وأترك لكم الحكم): لقد كتب أمبدوكليس الشعر، وأفلاطون المحاورات، وسقراط الأناشيد، وأبيخارموس الموسيقى، وأكزينيفانيس التاريخ، وأكزنوقراطيس الهجائيات، بينما يمارس أبوليوسكم كل هذه الأنواع ويعني بكل العرائس بالحماسة نفسها.)،انتهى قول لوكيوس.
من مطلق الحرية مرورا بمعظم التجارب والنتائج..  يرسى بنا غير مكره الفيلسوف لوكيوس أبوليوس على شاطئ أمان وخلاص روحه المتجلية بقدرات ذات كبير الآلهة على ذلك...
نعرج الآن على الفيلسوف والباحث المعاصر الأستاذ  الجزائري محمد أركون من فرنسا.. وهو يخوض نقائص وسلبيات رواد الحضارة الإسلامية...إذ يقول المشارك بمحاضرته الأستاذ المحاضر عبد الغني بن علي ( الممارسة النقدية عند محمد أركون ) قسم الفلسفة جامعة قسنطينة الجزائر : (اندثرت العبقرية الإنسانية المنتجة للأديان واللغات والى الأبد حسب تعبير أحد فلاسفة الأنوار، لم يبق للإنسان إلا القبول أو الرفض لوقوفه عاجزا أمام تاريخ طويل من اشتغال العقل البشري في التفسير والفهم للدين. الدين بقي كما ورثناه، بينما أدوات تناوله ووسائل معالجته وطرق فهمه وتفسيره وسبر غور معانيه ، تختلف من زمن لآخر، تبقى محكومة بالظروف. يعتبر تناول المسألة الدينية من المخاطر المستعصية على الركوب في زمننا هذا، زمن الحماقات المرتكبة باسم الدين. اذ تناول الدين بالدرس العلمي هو عند الكثير من رجال الدين إعلان حرب، يوصف بلفظة " غزو" لكنه على مستوى الفكر غزو ثقافي غربي، تحمل في دلالاتها هذه اللفظة كل معاني الحرب إلا العلم).
ما دام العلم يعني العقل والمنطق ، ما الذي دهى ابن تيمية؟، ليقول:( المنطق تتحاشاه الأذكياء ولن تنتفع به البلداء) ولن يتعرض للعقل. أليس المعنى محكوم بالعقل بقول المحاضر: (الدين بقي كما ورثناه، بينما أدوات تناوله ووسائل معالجته وطرق فهمه وتفسيره وسبر غور معانيه ، تختلف من زمن لآخر، تبقى محكومة بالظروف). التي يقول فيها أيضا الفيلسوف التونسي هشام جعيط مستشهدا بما قاله الفيلسوف بومات:(
Bommate
" الجمود أفضل من الذوبان في التاريخانية عند نهاية المطاف" . يواصل هشام جعيط : فالشيء الأقل أروبي لأروبا هو العلم،الفكر النقدي مع بعض التساؤلات الفلسفية ومختارات أدبية وإذا كانت قد أخصبت قسما واسعا من العالم ليس بسبب خصوصيتها بل بواسطة عقلانيتها.
لهذا فالغرب قلق لعدم قدرته على إنقاذ ثقافته وحضارته ويطالب المسلمين بالبقاء هم ذاتهم لرؤيته في الإسلام أشياء هو يفتقدها مثل: معنى السعادة والروحانية والقيم الجماعية ، وهذا التألم الباطني في الغرب ناتج عن استهلاكه لثقافته لأنه ينتج حداثة غير منضبطة. من هنا يرى هشام جعيط، " أن الفرصة سانحة للإسلام من أجل مواصلة رسالته السامية").
يتقارب هذا المعنى ومفهوم لوكيوس أبوليوس للحياة بعد رحلته بحرية تامة من...الى معانقة كبير الآلهة..
نواصل الآن ونتتبع ما خلص إليه المحاضر الجزائري عبد الغني بن علي في نهاية وخاتمة محاضرته ويخص الموضوع الممارسة النقدية عند محمد أركون.
 يقول:( لم يستطع أركون تجاوز المهمة الاستمولوجية لتحرير العقل الإسلامي إزاء التتريث نحو مهام أخرى نادى بها خاصة في دفاعه عن القضايا الإنسانية التي كانت قليلة الحضور في خطابه الابستمولوجي بشكل كلي، والذي يتعب تركيز قارئه. وأهم طريق شقه محمد أركون هو نقده العلمانية الغربية من حيث عقيدة اللادين أو ايدولوجيا اللاتدين التي لها أيضا مقدساتها إضافة الى بلورة مفهومي اللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه حيث كلما زادت مساحتها داخل العقل أصيب بالجمود أما إذا تقلصت يعني أنه دخل مرحلة جديدة، أما في ما يخص عالمنا العربي الإسلامي أثبتت الأحداث التاريخية أن ترك الدين للمواطنين شيء خطير من حيث هو وسيلة مستخدمة للتمرد وتبرير العنف بواسطة الالهي والأفضل هو سيطرة الدولة على الدين مبقية شؤونه قيد التحكم والمراقبة فبستطاعة من يعلن حربا باسم الله ضد وطنه أن يرتكب أي شيء على حد قول فولتير). انتهى قول محمد أركون.
أيقصد محمد أركون من فرنسا...جماعة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، وما فعلوه بوطنهم وما حققوا من فتوحات... من خلال النصيحة وما قصده فولتير الفرنسي وتقمص شخصيته برنار هونري ليفي  اليوم؟ عكس ما كان يقصد من أثينا لوكيوس أبوليوس بمعانقة المسيحية بالارتماء في حضن أكبر الآلهة دون أن يورط أحدا.
بوكرش محمد 13/8/2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أ- قراءات في مشروع محمد أركون، أعمال ندوة / مخبر الدراسات الفلسفية والأكسيولوجية جامعة الجزائر 2 بوزريعة الجزائر العاصمة، الطبعة 2011.
ب-  المادوري نسبة لـ (مادور) التي تسمى اليوم بالجزائر مداوروش بولاية سزق اهراس شرق العاصمة.
ج- الصفحة 7 من رواية الحمار الذهبي للفيلسوف لوكيوس أبو ليوس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح

آعـظـم 100 كتاب فـي تـاريخ الـبشريـة ... (جميعها جاهزة للتحميل)