إي آن، إي آن...الحمار الذهبي* والنخبة الآن / بوكرش محمد
إي آن، إي آن...الحمار الذهبي* والنخبة الآن
هدية إلى الشاعر الكبير سامي العامري ومن تبقى من الشرفاء
بوكرش محمد
ــــــــــــــــــــــــــ
لن تبقى إلا ليلة واحدة وأنتهي من قراءتي لرواية الكاتب الجزائري لوكيوس أبوليوس ابن مدينة مادور الرومانية المسماة اليوم بـ (مداوروش) بولاية سوق أهراس شرق الجزائر العاصمة، قرب حدود تونس سنوات ما بين 125 و 200 بعد ميلاد المسيح عليه السلام الموسومة بعنوان الحمار الذهبي ترجمة الدكتور المرحوم أبو العيد دودو*.
حسب الرواية وعلى لسان الراوي ( وهو على صفة وشكل الحمار بعد أن كان إنسانا ...) ، أن تلك الأيام التي عاشها معروفة بوفرة الفلاسفة والنحاتين ،الغنى الفاحش، السحر،الفقر القاتل، قطاع الطرق ، الفاحشة بأنواعها، العهر والمجون،السرقة،السطو، الجريمة وكثرة الآلهة بمعدل اله لكل شيئ
...
بما في ذلك إلهة الحظ الذي يصفها الراوي( الحمار) في الصفحة 150 (الكتاب السابع من رواية الحمار الذهبي) قائلا: ( وقد خطر بذهني أن العلماء القدامى الأجلاء لم يفكروا عبثا ويعلنوا أن إلهة الحظ عمياء، لا عيون لها تماما، تكوم كنوزها عند الأشرار والحقراء ولا تختار أحدا، كائنا من كان، فوق هذه الأرض بناء على حكم يصدر عنها أبدا، فهي تتردد على العكس من ذلك إلى أولائك الذين ستفر بعيدا عنهم بالذات، لو قدر لها أن تراهم. والأسوأ من هذا كله أنها تعرضنا لأحكام مريبة بل خاطئة فينعم السافل بسمعة الرجل الشريف، ويشقى البريء بصيت الرجل الشرير لقد أصبحت، أنا الذي حولتني في هجمتها الشرسة إلى حيوان، حيوان رديئ من ذوات الأربع، لا بد أن يثير شقاؤه أعتى المجرمين وشفقته- أصبحت متهما بسرقة مضيفي المحترم ومطالبا للمثول أمام المحكمة، والحق أن جريمة من هذا النوع لا ينبغي أن ندعوها سرقة، فهي بمثابة جريمة قتل الأبوين. إلا أنني لم يتح لي، أن أمثل قضيتي أو أن أنكرها ولو بكلمة واحدة فقط. وحتى لا يظهر علي في النهاية أنني – بدافع من تأنيب الضمير- أعترف صامتا بهذا الشر الذي ينسب إلي، أردت أن أقول في زحمة فروغ صبري لم افعل ذلك.. وصرحت بالبداية مرة ومرات عديدة بملء صوتي، غير أني لم أتمكن من النطق بما يتبع ذلك، فبقيت مع الصوت الأول ورحت أردد باستمرار إي آن، إي آن ..وأنا أحاول أن أهز شفتي الغليضتين.... ولكن لم أواصل شكاتي من أخطاء آلهة الحظ، التي لم تستح حتى من أن تجعل مني رفيقا لخادمي ولدابتي، ولحصاني في الحمل والمعلف؟)،انتهى قول الحمار.
قبل أن يصبح الفيلسوف الكبير والمعلم لوكيوس أبوليوس حمارا بعد أن ألح على حبيبته.. بأن يحضر فعاليات عملية سحر.. تقوم بها زوجة مضيفه، كان له ذلك مقابل مكانته عند الخادم وحبها الجنوني له، لكن بخطورة ما أقدمت عليه الخادم خوفا من سيدتها الساحرة.. ارتبكت وكان الغلط، كان ذلك بطلب منه للحبيبة التي لا ترفض له مطلوبا أبدا، لتجعل منه طائرا مثل ما جعلت ربة البيت من نفسها بوما، لزيارة عشيقها دون أن تفضح ويكتشف زوجها الخيانة الزوجية. اقتحمت الخادم مخبر سيدتها الساحرة وبدلا من معجون خلطة التحول للطيور قدمت لحبيبها معجون وخلطة التحول للحمير
.
من جملة ما جعلني أتوقف قبل انتهائي من الرواية وأبدأ في كتابة ما تبادر لذهني هو ما حدث ويحدث الآن للكتاب العرب الذين أرادوا التحليق أعلى من قدراتهم ومراتبهم ومستوياتهم بعيدا عن أرضيتهم، عن واقعهم وأصولهم، وبادروا بالارتماء في أحضان الارتباك والمرتبكين وتعاطي خلطات... آلهة الحظ من ساسة وملوك وأمراء. هؤلاء الذين لا هم لهم الا الهروب إلى الأمام، متعمدين ومعتمدين الخيانة العظمى لشعوبهم ولأنفسهم، وهي الخلطة التي جعلت من علماء وكتاب وفقهاء العالم العربي كله قطيعا من الحمير...لا ينطقون بما يريدون سوى النهيق إي آن، إي آن... أو القليل الذي كتب على الغلاف الخلفي للكتاب على لسان الناطق الرسمي منهم القائل : وعندما تأملت كل أعضائي في هذا الوضع اليائس. لم أرى نفسي طائرا بل رأيت نفسي حمارا..وهممت بتوجيه الشتائم إلى فوتيس (حبيبته) على ما فعلته بي ولكن كنت قد فقدت حركتي وصوتي الإنسانيين.
كل ما كان في استطاعتي أن أفعله هو أن أنظر اليها جانبيا بعينين بليلتين وشفتي السفلى مدلاة وأقدم لها شكواي في صمت.
بوكرش محمد 07/8/2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ ) لوكيوس أبوليوس (أول رواية في تاريخ الإنسانية) ترجمة الدكتور أبو العيد دودو، الدار العربية للعلوم منشورات الاختلاف.
الطبعة الاولى: آفريل 2001 الجزائر
الطبعة الثانية : آفريل 2004 الجزائر
الطبعة الثالثة : نيسان 2004 لبنان
.
ب ) أبو العيد دودو ولد عام1934 درس بقسنطينة في مدرسة قرآنية بعد الحرب العالمية الثانية ثم التحق بمعهد بن باديس قسنطينة الجزائر عام 1947 ومنه انتقل إلى تونس، فبغداد ثم إلى فينا، حيث نال بها الدكتوراه 1961. انتقل بعدها لجامعة كييل بألمانيا. وعاد إلى الوطن الجزائر 1969. التحق بقسم اللغة العربية بجامعة الجزائر مدرسا.
له أربع مجموعات قصصية ومسرحيتان وصور سلوكية من ثلاثة أجزاء وكتب عديدة مترجمة إلى اللغة العربية عن الألمانية.
انتقل إلى رحمة الله تعالى سنة 2004.
تعليقات
إرسال تعليق